رولا حسن .. نصف قمر ومدينة كاملة
2009-01-27
بعد نزوح الشعر الجديد في سورية نهائياً إلى المدن التي يراها بعضهم رمادية وضبابية ومؤطرة بالإسفلت، ويوحي لك أنك تواجه، من جميع الاتجاهات، الخطر القادم بالتصحر الجديد لينتشر في كل أراضي الروح. ثقافة المدن المعلبة بكل حرفية التصنيع الجاهز للإستهلاك بطريقة مريبة أحياناً، المدن الكبيرة التي تمنحنا فلسفة بأفاق مختومة، وتواريخ نهاية الاستخدام البشري بكل حتمية، وهذا الرأي ينسحب على الصعيد الشعري أيضا... ضمن هذا الراي، وعلى الضد منه تفاجئنا رولا حسن التي تنتمي إلى تيار الشعراء الجدد في سورية والتي أصدرت ديوانين شعريين: "شتاءات قصيرة" و"حسرة الظل" تفاجئنا بديوانها الذي صدر مؤخراً بعنوان: "نصف قمر" في خضم الانشغال باللغة المدنية التي يراها بعضهم، أيضاً، أنها: لغة عجولة حسب مقتضيات عصر السرعة... كمن يتفاجأ بنسمة هادئة تنساب من خلف البنايات الضخمة، تحمل معها عبق حقل مترع بأريج الأخضر المقتول في المدينة عمداً وبتجاهل! ولعله، مع كل هذا الزحام الشعري الطارئ، ليس من الصدفة أن تأتي قصيدة رولا حسن منحازة إلى الرومانسية نوعاً ما، مع تصاعد الأسئلة التي تطرح في كل مكان عن انتهاء الموجة الرومانسية في القصيدة الحديثة، وعن جدوى العاطفة المسكوبة في اللغة في عصر التكنولوجيا الذكية والشبكة العنكبوتية التي علقنا بصمغ خيوطها.
وإذ تتكرس قصيدة النثر كقصيدة مدينية، تبقى الشاعرة رولا حسن في حقول لغتها الناعمة، تداعب شمساً ساعة المغيب، تتنفس بعمق رائحة العشب، تتشاوف أمام مراياها المنثورة بين الصخور، تأخد وقتها الكافي لتُشبع الحزن وتعطي الضجر حقه:
"ثمة وقت لأرتّب طاولة حياتي
وألتفت صوب حقول العائلة اليابسة
ثمة وقت لأسحب ملاءة الحنين
وأسوي سرير الضجر"
هكذا، بلا استعجال، ترتب مفردات الحزن المنسجم مع الطبيعة التي تشعر أنها طالعة من ذاتها أولا، حيث أن للشاعرة حساسيتها الفنية الخاصة... تأتي عناوين قصائدها لتترجم إحساسها في علاقاتها مع الطبيعة ومع الآخر- الذكر ضمن قالب إبداعي متميز، خاصٍّ حتى في المرحلة الشعرية الراهنة: "بروفيل_ تسوية_ عائلة _ شجرة_ زويا_ طيور السعد_ إشارات_ صفصافة_ مرايا_ شجرة خرنوب_ شجر الخوف _ مقعد_ سماء_ وقت_ غياب_ الخ...."
لقد حققت الشاعرة التناسب بين هي – هو، بين حواسها ومحيطها الخارجي:
"لعينيك شرفات
تطلّ على الوديان
الوديان التي سرقت لونه-
التي سأربيها
وردة
وردة"
يستمر الحزن في قصيدة رولا مثل غمامة سوداء تمطر بقوة حيناً، وتمضي بهدوء وبخفة بين الكلمات والمقاطع الشعرية أحيانا أخرى، وحتى في العنوان: "نصف قمر" لم يكتمل، ليس قمراً كاملاً، حسب موقف الشاعرة، وهي تعاني نكراناً ووجداً وتعاني أيضاً من فقاعات الأوهام الصغيرة التي تطلع فجأة ولكنها سرعان ما تضمحل.. تماماً مثلما من كانوا يوماّ ما أحباء أو أصدقاء... لكنهم اضمحلوا...
ربما تتكثف الحالة الوجدانية أكثر في قصيدة إشارات:
"وحيدة
مثل فطر
شجرالكدب
يظلّل حياتي
من مضيت إليهم
فتحوا -في وجهي-
أبواب النسيان
كيف أبدأ
والثلاثون
تعبرني بعرباتها:
مدينةَ
تعوي
في أزقتها الريح"
إضافة إلى ما تقدم، فإننا نلمس الجانب الأنثوي المستقل في الشعر، رولا تفسح حيزاً خاصاً للقصيدة المرتبطة بحالات المرأة المنفردة عن التعبير الذكوري المهيمن عبر تاريخ اللغة. ديوانها الأخير هذا يلمع بوضوح ضمن هده الخارطة الذكورية لتؤكد نظرة مختلفة للمرأة:
"كلانا
لا يستطيع الخروج من الآخر
شارعاً واقف القلب
أو
نافدة
مكسورة الخاطر"
كذلك:
"الرجل الذي
يضحك كسرّ
ويحزن كعاصفة
تحت نظراته
تركت حياتي
تتشمس"
النص في ديوان "نصف قمر" لا يحتاج الى الكثير من التأويل لأنه نص واضح كالحقول، مباشر كالجمال، يقول كلمته الواحدة دوماً أينما وجد كما حال الحب والوجد أيضاً...
كندة السوادي
08-أيار-2021
21-حزيران-2009 | |
07-حزيران-2009 | |
22-نيسان-2009 | |
01-نيسان-2009 | |
24-آذار-2009 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |