أتبكي أمك ياكاظم وأنت عراقي؟!
2009-04-01
حين بدأ الجمهور العراقي يتعرف على المطرب الشاب الذي صوته يشبه تفرد حسون رومانسي في سماء صقور الطرب الأصيل، كان أيضاً يرغب في سماع الأغنيات التي تناسب حفلات الزفاف، وحفلات أعياد الميلاد وما شابه في أيام الخير، وتجاري، في الوقت نفسه، الدقة السريعة في ألحان الدول المجاورة، لاحقاً وفّوا الرجل حقه الفني، وفاز بجوائز المهرجانات الكبيرة التي تماثل (الأيمي) في شهرتها ضمن جدران العراق أنذاك، حاز كاظم الساهر على جائزة (السرمد) الفخمة لأكثر من مرتين على التوالي، ولشدة تلويه وعصره لخاصرتيه، على منصات بابل التي انطلق منها، لقبه الجمهور بـ(علّوجة) ...
الفنان الناعم شديد الحساسية لاقى ما لاقاه (عبد الحليم حافظ) أول طلعته، ولكن حظه العاثر أنه جرب على مسامع الشعب العراقي الذي يثرثر بشكل طبيعي في المقاهي على طريقة (القبنجي)...
لتؤجل الشهرة إلى حين.... ، صاحب (عبرت الشط على مودك) عبر العراق إلى بلدان تنخفض فيها هرمونات الذكورة نسبياً، وفيها غنّى للبحر والفتيات المدللات بتسريحة شعر عصرية جداً، وكان في وطنه لايجرؤ على هذا(اللوك) وإلا وضعه الجمهور مباشرةً في خانة (سعد الحلي) الطربية!..أم كاظم كذلك كانت في أزمنة الجوع والباذنجان المفدّى ككل الأمهات في وطن الأئمة والنذور.. وبالمناسبة لقد كانت هذه الشعائر الوثنية ستنتهي لولا النسوة هناك، إنهن يلقّنّ أطفالهن دروس النذر للخضر، قبل أي شيئ، أم حنونة بشكل مبالغ، تبكي كل ليلة بالنيابة عن أولادها، وفي هذه الحالة هنا أم الكاظم كانت تدعو الله عزوجل أن يخلص الإبن من عذابات الغناء للطاغية الأصغر (عدي ) الذي كما أشيع مرة أنه فقد صبره وهو يلمح إحدى الراقصات قد ذابت نهائياً في عينيه الساهريتين، ليرمي عدي الغاضب مفاتيحه في المسبح آمراً إياه بإحضارها الأن...
وعلى اعتبارأن الجميع دون استثناء تعرض في عراق صدام حسين إلى مثل هذه المواقف المهينة، فليس في الأمر أي إهانة أن يخرج كاظم الساهر مبتلاًّ للعظم بعد أن نال نصيبه من تصرفات عدي القذرة، ليلتقط أول طائرة مغادرة من بلاد الرافدين، بل كانت الإهانة التي وجهها برأي (الساهر) لمحبيه العراقيين دون عمد أو بعمد ،لا أدري حين بكى بكاءً مراً ودخل في حالة هستيرية من الحزن والكآبة لوفاة أمه! كما صرح مدير أعماله لوسائل الإعلام.. أم كاظم التي لاقت الله في أفخم مستشفيات القاهرة بعد أن غادرها المطرب منذ يومين إلى الولايات المتحدة من أجل جولة فنية...
الإهانة تكمن أننا كعراقيين لم نعتد البكاء على الملأ في حالات الموت العادية مالم يفني صاروخ أمريكي عائلة وحيّاً وبستاناً... رغم أن أمهاتنا قد قتلن على الإسفلت بدماء باردة، لكن من سيذرف دموعاً على أمه أمام الناس، لا يُصرّح صحفيّاً بذلك، والأسوأ أن يدخل حالة هستيرية. ألم يهوّن عليك الأمر أن آلاف الأطفال الأيتام يكبرون مع أحزانهم الصامتة بكل عزة نفس ألم يواسيك ان أمهاتنا قتلن وبقرت بطونهن على يد المرتزقة وغيرهم وللأسف لا نملك حتى حق الحزن العلني يا أبو وسام.. إن أمك يا كاظم عراقية من النجف الشريف، ولا تفرق سيكولوجياً عن أخرى ريفية ترتدي عباءة سوداء وترفع رشاشاً بوجه دبابة المحتل... لكن الثانية إن ماتت يوماً بأي طريقة كانت ، ستخرج من قبرها حتماً لتبصق في وجه ابنها بأقل تقدير إذا رأته يبكي عليها بطريقة هستيرية بين الرجال، والنسوة كان لهن تاريخ مرير مع النظام الفاسد ، منذ أن جردهن(صدام) من قلائدهن وخواتم زواجهن الذهبية بحجة الحرب، إلى أن أطلق عليهن أعتزازاً لقب (الماجدات) فيجر ماجدة من شعرها في اليوم التالي إلى غياهب الأقبية الرطبة. وكانت نكتة أنه خاض حرب الخليج حفاظاً على كرامتهن، لا تضحك السجينات السياسيات سابقاً البتة، وكنّ كثيرات، فمن عاش تلك المرحلة هناك يعرف ذلك جيداً ، ويعرف مدى شجاعتهن وحجم نضالهن ، فتيات ونساء من مختلف الأعمار والفئات والطوائف ، عراقيات لا يرضين بأقل من عاشق تفوق آثار الكهرباء على جسده، جروح جسدها في كل زاوية، شرط أن يكسر رأسها العتيد أولاً، نسوة تبدو إجابتهن عن عدد القتلى من الأبناء والأزواج مصدراً للتباهي أمام كاميرات وكالات الأخبار، هل تختلف المرحومة أمك ياكاظم عن جدتي الفلاحة التي ساقها رجال صدام من وسط غنماتها إلى السجن المركزي، وحين بدت مستغربة عن سبب وجودها في هذا المكان، أجابها أحدهم (خالة أبنج منشق) فلطمت على صدرها مولولة وهي تظن أن فلذة كبدها قد شق إلى نصفين!....نساؤنا لا يعترفن اطلاقاً برجولة تبكي على الملأ... والعطف على حالتك التراجيدية سيأتيك من بلاد الشام ، بقدر ما يعترفن بأبناء ينفضون الثياب عن غبار الدبابة الأمريكية التي نسفوها للتو، وكاظم الذي أحيا حفلات في الشمال دون أن يخوض التراب الوطني أكثر الى الساحات التي كبر فيها واغتصبها عدوه الذي بالمصادفة يغني في ساحاته ، انصاع إلى تحذيرات الجهات الأمنية خشية على حياته إذا سافر إلى بغداد لإجراء مراسم الدفن والعزاء،... وهل تنظر أشد من موت أمك حتى يراك البغداديون تمشي في أسواقهم ، واذا كنت لم تدري بعد ، لقد أصبحت منطقتك ساحة حرب حقيقية بين المقاومة والمحتل، في الوقت الذي يستيقظ كل صباح أقرباؤك الساهرون هناك، بعد ليل دام يفتقدون موتاهم قبل أن يبتاعوا مفردات الإرادة والأمل الإجباري لوجبة الإفطار مع شاي عراقي من العيار الثقيل...
كندة السوادي
[email protected]
08-أيار-2021
21-حزيران-2009 | |
07-حزيران-2009 | |
22-نيسان-2009 | |
01-نيسان-2009 | |
24-آذار-2009 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |