عن الأناركية /الغايات و الوسائل إيريكو ماتاليستا / ترجمة :
2009-01-30
الغاية تبرر الوسيلة . لقد جرى إساءة استخدام هذا القول كثيرا , لكنه في الواقع الدليل الشامل للسلوك . لكن سيكون من الأفضل القول : كل غاية تحتاج إلى وسائلها الخاصة . بما أن الأخلاق يجب أن تحفظ في الغايات فإن الوسائل حتمية .
ما أن يتم تحديد الهدف الذي يتطلع إليه المرء , بشكل واعي أو بحكم الضرورة , حتى تصبح المشكلة الكبرى في الحياة هي إيجاد الوسائل التي , ضمن الظروف المعطاة , ستقود إلى تلك الغاية بشكل أكيد و اقتصادي . طريق حل هذه المشكلة يعتمد على , حتى الآن , على الإرادة البشرية , فيما إذا كان فردا ( أو حزب ما ) سيصل أو يفشل في الوصول إلى هدفه , فيم إذا كان مفيدا لقضيته أو أنه يخدم قضية العدو بشكل غير مقصود . بإيجاد الوسائل الصحيحة , يكمن هنا كل سر الرجال و الأحزاب العظام الذين تركوا بصمتهم على التاريخ .
بالنسبة للصوفيين , فإن هدف الجيزويت ( اليسوعيون , أعضاء جمعية دينية مسيحية – المترجم ) هو مجد الإله, أما بالنسبة للآخرين إنها سلطة جماعة يسوع . لذلك فعليهم القيام بكل جهد لوحشنة ( أو توحيش : جعلها متوحشة أو همجية ) و إرهاب و إخضاع الجماهير .
هدف اليعاقبة , و كل الأحزاب السلطوية , الذين اعتقدوا في أنفسهم أنهم يملكون الحقيقة المطلقة , هو فرض أفكارهم على الجماهير الجاهلة . لذلك فعليهم بذل كل جهد للاستيلاء على السلطة , إخضاع الجماهير , و جعل الإنسانية تلائم سرير بروكروست لأفكارهم .
أما مشكلتنا فهي مختلفة , لأن أهدافنا مختلفة جدا , لذلك يجب أن تكون وسائلنا مختلفة كذلك .
إننا لا نمارس نضالنا لكي نضع أنفسنا مكان مستغلي و مضطهدي اليوم , و لا حتى نناضل في سبيل انتصار تجريد فارغ . لا يجمعنا أي شيء مع ذلك الوطني الإيطالي الذي أعلن :" ما الذي يهم جميع الإيطاليين أن يموتوا من الجوع ما دامت إيطاليا عظيمة و ماجدة !" , و لا حتى مع ذلك الرفيق الذي اعترف أنه لا يكترث فيم إذا فنى ثلاثة أرباع البشرية أثناء جعل العالم حرا و سعيدا .
في رأينا كل عمل موجه نحو تدمير الاضطهاد الاقتصادي و السياسي , و يخدم رفع المستوى الأخلاقي و الثقافي للشعب , و الذي يمنحهم وعيا عن حقوقهم الفردية و قوتهم , و يقنعهم أن يتصرفوا بأنفسهم لصالحهم الخاص , ( و بكلمة ) كل نشاط يحفز كراهية الاضطهاد و يوقظ الحب بين البشر , و يجعلنا أقرب إلى أهدافنا و بالتالي هو شيء جيد ( هذا يتوقف فقط على الاعتبار الكمي : للحصول على أفضل النتائج من القوى المتوفرة بتصرفنا ) . من جهة أخرى أي نشاط يجنح إلى أن يحفظ الحالة الراهنة للأوضاع , التي تميل للتضحية بالإنسان ضد إرادته في سبيل انتصار عقيدة , هو سيء لأنه نفي لأهدافنا . إننا نسعى إلى انتصار الحرية و الحب .
هل علينا لهذا السبب أن ننكر استخدام الوسائل العنيفة ؟ كلا على الإطلاق . إن وسائلنا هي تلك التي تسمح بها الظروف و تفرضها .
بالطبع فنحن لا نرغب في أن نضع إصبعا على شخص ما , إننا نريد أن نجفف كل دموع الإنسانية لا أن نكون مسؤولين عن دموع أكثر . لكن علينا إما أن نناضل في العالم كما هو أو نبقى حالمين عاجزين . سيأتي اليوم , نحن مقتنعون بهذا , الذي سيكون فيه ممكنا خدمة قضية البشرية دون إلحاق الأذى بالنفس أو بالآخرين , لكن هذا غير ممكن اليوم . حتى أنقى الشهداء و أكثرهم لطفا , أولئك الذين يسمحون لأنفسهم بأن يجروا إلى المشانق في سبيل انتصار الخير , دون مقاومة , و يباركون قاتليهم , كما فعل مسيح الأسطورة , سيتسببون بالأذى . إضافة إلى الضرر اللاحق بشخوصهم , التي يجب ملاحظته أيضا في النهاية , فإنهم سيتسببون بدموع مريرة سيذرفها كل من يحبهم . لذلك ففي كل أفعال الحياة هناك دائما قضية السعي نحو إحداث اقل أذى لتحقيق أكبر خير ممكن...
من الواضح أن الثورة ستكون نتيجة للكثير من المآسي و الكثير من المعاناة , لكن حتى لو أدت إلى مائة مرة أكثر , فإنها ستكون دوما نعمة مقارنة بالمعاناة التي توجد الآن في العالم نتيجة للتنظيم الظالم للمجتمع . ( إن ديرهوس , 17 أغسطس آب 1892 ) .
هناك , و قد وجد دائما في كل النضالات الاجتماعية السياسية , نوعان من المنومين :
هناك أولئك الذين يعتبرون أننا لسنا ناضجين أبدا بما فيه الكفاية , و أننا نرجو الكثير جدا , و أنه علينا أن ننتظر , و أن نكون راضين بأن نتقدم قليلا في وقت ما بمساعدة إصلاحات صغيرة يتم الفوز بها و خسارتها دوريا دون أن تحل أي شيء . و هناك أولئك الذين يشعرون بالازدراء نحو الأشياء الصغيرة , و ينادون بكل شيء أو لا شيء , و يقدمون مشاريع , ممتازة ربما لا يمكن إنجازها بسبب نقص الدعم الكافي , و تمنع , أو تسعى لمنع , البقية من فعل القليل الذي يمكن فعله .
بالنسبة لنا ما هو أكثر أهمية ليس ما نحققه ... بل كيف نحققه .
إذا , لكي يضمن تحسنا في الوضع , قام المرء بالتخلي عن برنامجه الأساسي و التوقف عن الترويج له أو النضال لتحقيقه , و إذا حث المرء الجماهير على أن تعلق آمالها على القوانين و الإرادة الطيبة للحكام عوضا عن أفعالهم المباشرة , إذا قام المرء بخنق الروح الثورية , و توقف عن تحريك السخط و المقاومة – عندها ستكون كل فائدة وهمية و سريعة الزوال , و في كل الأحوال سوف تعترض الطرق نحو مجتمع المستقبل .
لكن إذا عوضا عن ذلك لم ينس المرء أهدافه النهائية و شجع القوى الشعبية , بالإضافة إلى تحفيز العمل المباشر و التمرد , فقد ينجز فقط القليل جدا لبعض الوقت , لكنه قد قام بخطوة نحو التحضير المعنوي لجماهير الشعب , و نحو تحقيق مناخ اجتماعي أكثر ملائمة .
يقول القول الشائع " إن الدرجة القصوى عدوة الخير " : دعونا نفعل ما نستطيع , مفترضين أننا لن نستطيع فعل كل ما نريد , بل فعل شيء علينا فعله . ( أومانيتا نوفا , 25 يونيو حزيران 1922 ) .
مناقشة أخرى ضارة يقدمها الكثيرون , لكنها بالنسبة لآخرين مبرر كيلا يفعلوا شيئا , هو أن البيئة الاجتماعية الحالية لا تجعل الأخلاق ممكنة , و أنه بالنتيجة لا جدوى من القيام بأية جهود لا يمكنها النجاح , و لذلك من الأفضل أن يفعل كل فرد لنفسه دون أن يكترث للباقين , عدا عن أن يغير طريقة حياته عندما سيتغير النظام الاجتماعي . من الواضح أن كل الأناركيين و الاشتراكيين يفهمون الحقائق الاقتصادية للحياة التي تجبر الإنسان اليوم على النضال ضد الإنسان , و أي مراقب سيرى أهمية النضال الشخصي ضد القوة الساحقة للبيئة الاجتماعية الحالية . لكنه من الواضح أيضا أنه من دون ثورة الفرد , الذي ينضم إلى الآخرين من ذوي الفكر المشابه ليدخلوا المقاومة إلى البيئة كي يغيروها , فإنها لن تتغير أبدا .
جميعنا دون استثناء مجبرون على الحياة في تناقض مع مثلنا تقريبا , لكننا أناركيون و اشتراكيون لأننا عانينا من هذا التناقض حتى هذه الدرجة , و لأننا نسعى لأن نجعله أصغر ما يمكن . في سياق تكييف أنفسنا مع البيئة فيمكن أن نفقد بالطبع الرغبة بتغييرها , و قد نصبح برجوازيين عاديين , برجوازيين دون نقود ربما , لكن بكل ما تعنيه البرجوازية في أفعالنا و نوايانا . ( الأناركية أغسطس آب 1898 ) .
ترجمة : مازن كم الماز
نقلا عن prole.info
08-أيار-2021
09-كانون الأول-2012 | |
19-كانون الثاني-2010 | |
15-كانون الثاني-2010 | |
11-تشرين الأول-2009 | |
06-تشرين الأول-2009 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |