الجنس كمادة لجذب القراء
2009-02-03
يبدو ان الكثير من المواقع المحلية بدأ يأخذ بقصد أوبدون قصد منحى الصحافة الصفراء حيث بات الجنس وأخبار الاغتصاب بل وتأليف الأخبار والجرائم الجنسية مادة دسمة على صفحاتها بحيث لا يمكن أن تخلو الصفحة الرئيسية للعديد من المواقع السورية من خبر له صلة بالجنس أو يأخذ طابع الإثارة الجنسية حتى أن هذه الأخبار تتصدر عناوين الرسائل البريدية التي ترسلها مثل هذه المواقع إلى قراءها بل ويضع معدو هذه الحوادث جهدهم الجهيد لصياغة عنوان أشبه بالقنبلة المتفجرة بقصد تحفيز المتلقي على مطالعة الخبر.
هل الجمهور عايز كدة؟ عادة هذه المواقع لا تقدم الجنس كمادة علمية تثقيفية،أساسا معظم المواقع لا يملك الكادر العلمي المؤهل لإدارة بحوث كهذه وتقديمها بطريقة علمية بعيدة عن الغرائزية البحتة بل تقدمها كمادة لصيد القراء المتعطشين لمثل هذه الأخبار وللعلم فإن هنالك دراسة أجرتها غوغل تبين لها من خلالها أن أكثر الدول بحثا عن كلمة "سكس" هي دول الخليج العربي ومصر وإيران،وطبعا هي من الدول الإسلامية وربما يعود ذلك في معظمه إلى حالة الكبت والقهر الجنسي الذي يعيشه أبناء هذه المجتمعات والتي تتشابه أساليب تربيتها بحكم العادات والتقاليد والترابط التاريخي بينها،لذلك فإن مواضيع الإثارة وخاصة تلك المدعمة بصور وأخبار الفنانات تحتل المرتبة الأولى في عدد القراءات والتعليقات بحيث يمكن ان تطغى أخبار الفنانات وفضائحهن على الأخبار السياسية والاجتماعية الأخرى، ثم تأتي بعدها الأخبار التي تتعلق بعمليات الاغتصاب أو التحرش الجنسي وأذكر أن أحد المواقع المحلية ومن خلال اهتمامه بالبعد القانوني لمثل هذه الحوادث نشر خبرا عنوانه "بعد الخمرة دعوة إلى المعاشرة الجنسية" وسرعان ما تصدر هذا الخبر قائمة المواضيع الأكثر قراءة لعدة شهور حتى اضطر مدير الموقع للتدخل في برمجة الموقع لحذف هذا الخبر ثم ما لبث أن عاد هذا الخبرنفسه بعد عدة أشهر ليتصدر العنوان العريض لأحد المواقع الناشئة حديثا وطبعا وكالعادة ضمن خانة "الأكثر قراءة" ومنذ فترة قصيرة تصدرت الصفحة الرئيسية لأحد المواقع المحلية خبر نشر في أحد الجرائد الرسمية منذ أكثر من سنة في صفحة الحوادث عن قيام بعض الأفراد بتبادل زوجاتهم فيما بينهم والغريب ان هذا الخبر تم نقله عن موقع عربي دون تدقيق في تاريخه أو مصدره ونشر كما أن الحادث وقع لتوه؟
إن جرائم الاغتصاب موجودة في كل المجتمعات مع تفاوت بينها والصحافة وفي معرض تغطيتها لأخبار المجتمع تتناول هذ الحوادث بأساليب شتى وقد تتعمد بعض المواقع "رشرشة" بعض البهارات على الخبر بقصد جلب القراء وطبعا تكون دون ذلك محاذير عدة منها:
1- إن صياغة الخبر في العادة تكون غرائزية ولا تعنى بالنواحي الأخلاقية أو الدينية أو القانونية لمثل هذه الحوادث بحيث تنعكس سلبا على نفسية المتلقي ولا سيما المراهقين منهم أو الذين لديهم بعض الميول الجنسية القوية أو حتى الشاذة منها بحيث تحرك مثل هذه الحوادث غريزتهم وتجعل هذه الجرائم والممارسات مقبولة بالنسبة لديهم.
في دراسة أجرتها الباحثة كاترين شيروود لوفين من جامعة أنديانا قالت الباحثة المذكورة: إن وسائل الإعلام تلعب دورا كبيرا في تشجيع المراهقين على ممارسة الجنس ولذا يحتاج هؤلاء إلى مساعدة آبائهم لتفسير الرسائل التي تنقل إليهم.
2- إن الكثير ممن يتعرضون لحوادث الاغتصاب معرضون لأزمات نفسية حادة ومعظمهم يحتاج لإعادة تأهيل نفسية قد تستغرق زمنا طويلا وقد تؤدي بهم إلى العزلة أو حتى إلى محاولة الانتحار وإن شيوع خبر الاعتداء وتناقله إعلاميا بصورة غير مدروسة وغير مهنية قد يزيد وضعهم النفسي تعقيدا بالإضافة إلى ما قد يشكل ذلك من إحراج للأهل والأقارب نظرا لطبيعة مجتمعاتنا.
وحول هذا الموضوع سألنا الاستاذ بسام القاضي مشرف موقع نساء سوريا فقال:
المشكلة الكبيرة برأيي هي في الاستغلال البشع لأخبار الاغتصاب والاعتداءات الجنسية. فهذه الأخبار هي أخبار عنف واعتداء يجب أن توضع في سياق صحيح يرفع من سوية الوعي في مناهضة هذا العنف،ويؤكد على جزاء المعتدي، ويطرح ملابسات المسألة المعنية بهدف العمل على تجاوزها. وعندما يتم استغلالها "لجلب الزبائن" إنما تقوم هذه الوسيلة الإعلامية بمشاركة المعتدي المادي باعتداء معنوي قد يكون شديد الأُثر. ليس فقط لأنه يتناول تفاصيل خاصة لا يحق لأحد تناولها، بل أيضا لأنه يكرس وعيا مشوها غالبا ما يجعل الضحية في موقع الملام وفي أقل الأحوال سوءا هو يكرس التعاطف الشعوري ويحله محل العقل النقدي الوحيد القادر على المساهمة في تطوير المجتمع.
وحول امكانية نشر المواد التي تتضمن مواد فضائحية أو جنسية أو أخبارالاغتصاب أجاب الاستاذ بسام قائلا: "في مرصد نساء سورية" لا ننشر عناوين ولا مواد "فضائحية". بل نبتعد كليا عن "الإثارة" لصالح الموضوع المرتكز على مناهضة العنف من جهة، وعلى حق كل إنسان بالخصوصية والسرية من جهة أخرى وصياغة هذه الأخبار في مرصدنا تعتمد على تثبيت المعلومات الاساسية حسب توفرها: المنطقة، العمر، الحالة العائلية، الوضع التعليمي، والأسباب الرئيسية للحادثة. وحين تتعلق الأسباب الرئيسية بالحياة الجنسية للأشخاص المعنيين،نكتفي بالقدر الذي يسمح للقراء بمعرفة السبب دون أية تفاصيل أخرى".
ولمعالجة الامر من النواحي النفسية كان لنا لقاء مع الدكتور أديب علي حسين الاخصائي في الفيزيولوجيا النفسية حيث سألناه عن الجوانب السلبية في نشر الاخبار الجنسية دون ضوابط فأجاب: "إن سلبيات هذا الأمر تتعلق بالموضوع من جهة وبالمتلقي من جهة أخرى فبما يتعلق بالموضوع يفترض أن يكون الموضوع بعيدا عن الإغراء وخاليا من الصور والمشاعر الإباحية ويعتمد العلمية في الطرح وهو يحتاج إلى كادر متخصص فموضوع الجنس ما زال بمثابة "التابو" في مجتمعاتنا، أما الخطورة المتعلقة بالمتلقي فتكمن من حيث أن المعلومات قد لا تكون متناسبة مع المستوى العمري والثقافي له كما أن المتلقي نفسه قد يكون يعاني من أمراض نفسية سيئة ومن المهم أيضا معرفة كيفية تعاطي المتلقي مع المعلومة: هل هي للتسلية أو للمعرفة واكتساب الخبرة؟ إن أحدث نظرية في الطب النفسي حول سبب الأمراض النفسية هي النظرية المعرفية والتي تقوم على مبدأ أن أي معلومة خاطئة أو أية فكرة خاطئة تبنى عليها تقود إلى نتيجة خاطئة وأي شيء يبنى على تلك النتائج ستظهر آثاره النفسية والفكرية والجسدية بشكل مرضي أو بشكل سلوك غير سوي،وعليه فإن إعطاء أي معلومة جنسية لشخص غير مستعد نفسيا وفكريا قد تشكل رّضا نفسيا له".
إن الإبتعاد عن الغرائزية في جذب القّراء من خلال تقديم ما هو مفيد هو أفضل بكثير لهذه المواقع وبالطبع هذا لا يعني بأي حال من الأحوال أن يبقى الجنس بمثابة الخط الأحمر الذي لايجب الإقتراب منه لإعتباراتنا الشرقية بل يجب أن يكون ذلك ضمن أسلوب علمي ونفسي صحيح يحترم القارئ قبل كل شيء لا أن تشكل هذه المواضيع هدفا بحد ذاتها بحيث يكون الهدف منها الترويج للموقع فحسب.
المحامي لؤي اسماعيل: ( كلنا شركاء ) 1/2/2009
08-أيار-2021
10-شباط-2009 | |
03-شباط-2009 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |