حمدي قنديل.. قلم من رصاص
2009-02-10
في البدء كانت الكلمة.. ومن ذلك الوقت وأعداء الحياة يحاولون خنقها في مهدها خوفا من أن تقض عروشهم المبنية على القمع والإرهاب.. لقد دخل المال السياسي بكل ثقله إلى الإعلام فبات الإعلام واجهة لمساحيق التجميل وعلب المحارم والبطاطا والعلكة والأغاني الهابطة دون ان يجد في نفسه او نفس مموله مكانا للكلمة الحرة أو شهادة الحق في زمن العبودية، وكل ذلك بهدف تطويع الكلمة وجعلها إحدى حلقات النفاق والتسبيح بحمد أولياء النعمة أو النقمة حتى بات الإعلامي القابض على كلمة الحق كالقابض على جمر النار ليس له إلا المنفى قرارا يتنقل من فضائية لأخرى ومن زاوية إلى عمود ومن بلد لآخر حتى إذا أقض صوته وقلمه رقدة النّيام لا يجد سوى الترحال طريقا إلى الشقاء والغربة.
حمدي قنديل هو القلة الباقية ممن لا تهز نفوسهم بريق الأصفر والأخضر فبات بالفعل قنديلا ينير الفضائيات حيثما حلّ عليها، صوته الأجش القاسي المتهكم يأخذك معه بكل طواعية تحتفل مع المنتصرين، وتبكي مع المظلومين وتتفاعل مع المحرومين فتصبح كلماته أشبه بأزيز الرصاص وهو يتنقل بين اقوال الصحف يتفاعل معها بكل وجدانية وصدق، يؤمن بأن الاعلام قادر على تحقيق التغيير الاجتماعي والسياسي وتوعية الرأي العام لما يدور حوله من مكائد ومصائد مستعينا بالنقد اللاذع والمتهكم الذي يلامس قرارة المشاهدين.
عشق العمل الإعلامى منذ شبابه لذا التحق بكلية الآداب جامعة القاهرة قسم الصحافة وحصل على ليسانس الآداب عام 1960، مارس العمل الصحفي بعدة صحف مصرية منها " أخبار اليوم " ثم عمل كمعد ومقدم للبرامج السياسية فى التليفزيون المصرى منذ بدايته عام 1960 ومقدماً لنشرات الأخبار ومراسلاً عسكرياً، وقدم العديد من البرامج على شاشة الفضائيات العربية مثل " MBC
و ART " وكلها حققت شعبية كبيرة ويعتبر برنامجه "رئيس التحرير" الذي قدمه على شاشة الفضائية المصرية من أنجح البرامج على الإطلاق لكنه ما لبث أن واجه قنديل قرار توقيف البرنامج نظرا لإنتقاداته اللاذعة للعديد من أركان السياسة المصرية والعربية حيث كان يتوج برنامجه بالأقوال الماثورة التي يجمعها من الصحف بالإضافة إلى استقباله للعديد من الضيوف في البرنامج حيث يتم بحث ومناقشة إحدى الظواهر التى تثير تساؤلات المواطن العربى من خلال حوار شيق لا تنقصه أسئلة قنديل الذكية وتوجيهه الرائع لدفة الحديث، وبعد ذلك انتقل قنديل إلى فضائية دريم ومن ثم إلى قناة دبي حيث استمر في نفس السياق الإعلامي فقدم برنامج " قلم رصاص " حث أضفى عليه قنديل من روحه الثائرة المتمردة ما جعله لسان حال المواطن العربي من المحيط إلى الخليج،
وفجأة ومن دون سابق إنذار توقف البرنامج وتعددت التكهنات حول السبب فمنها من أرجعه إلى ضغوط سياسية مارستها دولة عربية لإيقاف البرنامج لم تملك إدارة القناة مناصا حيال هذا الضغط فتوقف البرنامج، ومنهم من أرجعه إلى الإنتقاد الحاد الذي وجهه إلى فضيلة شيخ الأزهر" رضي الله عنه " عقب مصافحته التاريخية لرسول السلام في قانا وغزة " شيمون بيريز " حيث توج قنديل إنتقاده اللاذع لشيخ الأزهر بقصيدة للشاعر أمل دنقل بعنوان "لا تصالح " حيث كانت العبرة الممتزجة بالغضب تخنق صوت حمدي قنديل الأجش وهو يخاطب "الطنطاوي " قائلا له:
لا تصالح ولو توَّجوك بتاج الإمارة لا تصالحْ! ولو منحوك الذهبْ لا تصالح على الدم.. حتى بدم! لا تصالح! ولو قيل رأس برأسٍ أكلُّ الرؤوس سواءٌ؟ أقلب الغريب كقلب أخيك؟! أعيناه عينا أخيك؟! وهل تتساوى يدٌ.. سيفها كان لك بيدٍ سيفها أثْكَلك؟ لا تصالح يا فضيلة الإمام لا تصالح لا تصالح ولو توَّجوك بتاج الإمارة كيف تخطو على جثة ابن أبيكَ..؟ كيف تنظر في يد من صافحوك.. فلا تبصر الدم.. في كل كف؟ إن سهمًا أتاني من الخلف.. سوف يجيئك من ألف خلف فالدم -الآن- صار وسامًا وشارة لا تصالح، ولو توَّجوك بتاج الإمارة إن عرشَك: سيفٌ وسيفك: زيفٌ إذا لم تزنْ -بذؤابته- لحظاتِ الشرف واستطبت- الترف يا فضيلة الإمام استطبت- الترف"
انتهى البرنامج واختفى صوت قنديل معه ولم تفلح جهود عضو مجلس الإدارة المنتخب بتلفزيون دبي أحمد الشيخ بتبرير التوقف المفاجئ للبرنامج تحت حجة دورة برامجية جديدة فكلامه لم يقنع أحدا.
إنها غربة المثقف العربي في وطنه، بل غربة الأنظمة عن شعوبها، تلك الأنظمة التي لن يكلّ رئيس التحرير وهو يخاطبها ويده على زناد قلمه قائلا: " لا تصالح ".
المحامي لؤي اسماعيل: ( كلنا شركاء ) 6/2/2009
08-أيار-2021
10-شباط-2009 | |
03-شباط-2009 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |