هل عثرت الصورة السينمائية على موطئ قدم لها في ذاكرتنا ؟
2009-03-02
(80%) من معلوماتنا ناتجة عن حاسة البصر.
حقيقة علمية تؤكدها الدراسات يوماً إثر يوم، ملقية بظلالها على تنظيرات زرعت على ألسنة المهتمين بسيميولوجيا الصورة، لتضعنا أمام احتمالات خطيرة حول مدى المقدرة على الاستمرار في مجاراة الصورة في رحلة الخضوع لها أو إخضاعها .
قد يكون مستقبل البشرية مجهول الهوية بعد الآن، لأن عصر الصورة لا يعرف الحدود ويخلق مشكلات عدة وسلبيات لا حصر لها نظراً لعجز المختصين عن إيجاد حلول لمعالجة الآثار الناجمة عنها .
فالصورة ككل والسينمائية كجزء إنما تفرضان أنماطاً معينة على سلوك الإنسان وتحددان توجهه في الحياة، وتتميز الصورة السينمائية بأنها ثلاثية الأبعاد ولاسيما بعدها الثالث (العمق) الذي يمنح المتفرج القدرة على التفاعل وهو جالس في الصالة، لكن السؤال هو : كيف استطاعت الصورة السينمائية التقاط أبسط التفاصيل من حياتنا اليومية وتقديمها برؤية بصرية مؤثرة ؟
الصورة كأيقونة تحمل نسبة معينة من المعلومات، وهي كأي بناء درامي أو روائي لها بداية وذروة ونهاية وتحتمل التفسير، وهذا ما أكسبها العظمة على مدار الزمن بدءاً بالفن التشكيلي وانتهاءّ بالصورة الافتراضية وبالتالي خلق مناخات دلالية رمزية يفسّرها كل على حدى، وبالتالي تكون مساحة النقد الموجه لها متشعبة للغاية .
فالإنسان يتعرض في اليوم الواحد للعديد من الصور التي تصادفه في الأزقة والمواصلات والمنزل، وهو قد لا يكترث بها، لكنها تُخزن في ذاكرته، ويتم استدعائها وقت الحاجة، وأبرز مثال على ذلك هو الملصقات الإعلانية الكبيرة التي نصطدم بها في الشوارع، لذا فهذه الصورة وغيرها يتم فلترتها بكاميرات سينمائية من خلال برامج مونتاج في ظل أنظمة ثنائية و ثلاثية الأبعاد لتتحول إلى صورة نقية نظيفة تؤثر في الوجدان مباشرة، وتأخذ مكانها في الذاكرة وتتمكن من تحقيق التأثير المضاعف، وهذا لا ينسينا براعة المخرج في ترتيب الصورة وفقاً لأولويات البشر وطبائعهم وتقديمها كوجبة بصرية تستنطق مواطن الضعف في الشخصية .
لا أحد يستطيع تجاهل دور الأفلام الوثائقية التي تعتمد على الصورة كأبرز محدداتها، وغالباً ما يتم عرض الصورة لوحدها دون الاستعانة بالموسيقا أو التعليق، فالصورة بحد ذاتها تعبّر كما يؤكد ذلك مختصو السينما، وتأتي الأفلام الروائية ضمن سلسلة التأثير الأقوى في مجرى العرض ويدخل العمق ليمنح ذلك الرونق أهم السمات الدرامية .
إذاً، فنحن لا نتأثر بالصور الواقعية قدر تأثيرنا بالصور المعروضة على الشاشة السينمائية، ونستطيع تخيل فيلم وثائقي عن الفقر في إحدى الأحياء الشعبية، لكن عرض تلك الصور بشكل مدروس وفقاً لزوايا ورؤيا إخراجية فنية تحدد الشكل وبالتالي مضمونه أي التأثر بمضمون المشكلة من خلال شكلها، وهذه الفلسفة البصرية تقود إلى حقائق عدة إن كانت هناك فعلاً حقائق مطلقة، لأن الشكل هو الذي يحدد المضمون، ويتم تحديد المضمون من خلال شكله (صورته) ,
ظروف التلقي في صالة العرض تختلف بالطبع عن مشاهد نفس الفيلم في المنزل بنسبة تقترب من (90%) ، لكن النسبة الغالبة تتجاهل هذه الحقيقة معلنة لنفسها رؤية خاصة تجلى بشكل خاص في ابتكار الفيديو المنزلي أو السينما المنزلية، وهذا الحل هو الأوسط بين المشاهدة في المنزل وصالة السينما، وكلما كانت الصورة كبيرة كثرت احتمالات التأثير لتقترب من الواقع، في حين أنها خيالية، وتزداد بالتالي فرص التفاعل بمساعدة الأداة المهمة الأخرى (الصوت) .
في عالمي (هوليود وبوليود) يتم إنتاج الملايين من الصور المتحركة، وليس المقصود هو الصور الموجهة للأطفال فقط، بل الصور الدرامية السينمائية التي تتحول إلى أفلام وتنال جائزة أحسن تصوير وأحسن إخراج، وهذا ليس إلا تتويجاً للصورة التي ترأس قمة العناصر والوظائف الدرامية الأخرى دون نسيان أداء الدورين الوظيفي والجمالي .
الصراع يأخذ مجراه التوسيطي بين هذين الدورين، ولا يمكن التحقق من أحدهما دون الآخر، أو الاعتماد على جانب واحد فقط، إذ تصل جمالية بعض الصور إلى حدود لا توصف، لكن معالجتها تكون غير موفقة والعكس صحيح .
أفلام سينمائية عديدة تميزت بصور صورها مصورون ماهرون بإشراف مخرجين بارعين، ولعل ما يخطر في الذهن فيلم ( مستر بن في إجازة ... Mr Beans holiday) الذي يحاول مراراً تأكيد فكرة كاميرا الديجيتال وإمكانية تصوير فيلم عالمي من خلاله يفوز بجوائز في مهرجانات سينمائية عالمية شرط أن تكون الصور واقعية تسجيلية وأن توضع داخل الكادر وفقاً لعبثية بناءة، وأيضاً فيلم ( التايتانيك ...Titanic ) الذي يبرز شدة العلاقة بين الصوت والصورة، وأفلام أخرى مثل ( البلد الجميل) وغيرها، مع ضرورة التركيز على الأفلام السينمائية التي تصور بكاميرات تعتمد لقطات وكادرات نقية ونظيفة ومريحة سيكولوجياً .
فالصورة السينمائية كفيلة بأن تدخل السرور في النفس وتجعل المتفرج يهرب من واقعه ليضع نفسه لمدة ساعتين و أكثر في رحم عالم آخر قد لايحاكي عالمه من جهة، وهي من جهة ثانية تترك جراثيمها الفتاكة في النفس وتخلع عن الإنسان رداء الرضا وتسلخه عن واقعه ليصل إلى مرحلة الهلوسة والإدمان على الصورة فيما بعد .
لذا، فبقدر ما يتعود الإنسان على الصورة السينمائية بقدر ما يبتعد عن واقعه الحقيقي، وببعده هذا لن يفرق بين الخيال والواقع، فالصورة قد تكون قبيحة وقد تكون جميلة، وهو أمر يرجع لذوق المتلقين الذين لن يستطيعوا بعد الإدمان التفريق كثيراً، لكن النصف الملآن من الكأس يخبرنا عن رهافة إحساس وعمق الصورة السينمائية وبحاجة الإنسان إليها .
آلجي حسين
[email protected]
08-أيار-2021
31-آذار-2013 | |
05-كانون الثاني-2013 | |
11-أيلول-2012 | |
06-كانون الثاني-2012 | |
16-أيلول-2011 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |