جولان حاجي في :«ثمّة من يراكَ وحشاً» غواية العنوان وفتنة القصيدة
2009-03-08
يظهر لنا الشاعر والمترجم جولان حاجي في ديوانه الجديد «ثمة من يراك وحشاً» أشد فتكاً وقسوةً على اللغة، فهو يقتحم قصيدة النثر من بوابة اللغة العربية الصافية موغلاً فيها، دون أن يخفى على أحد تأثره باللغات الأجنبية الأخرى، وهو بهذا التأثر يؤكد على مهارته في قيادة القصيدة النثرية والتلاعب بكلماتها لمصلحته، وهنا لابدَّ من الإشارة إلى تجارب الشعراء الأكراد الذين كتبوا باللغة العربية واثبتوا مهاراتهم، ولهذا فإن تجربة جولان الشعرية تشير إلى ولادة شاعر كردي أخر، سيسيطر اسمه على ملامح المشهد الشعري السوري وبقوة.
ومنذ أن نبدأ بقراءة الديوان سنواجه غواية العنوان الذي اختاره جولان كبدايةٍ لمرصد الانتهاك الذي يمارسه كبدايةٍ للقصيدة، وهذا ما يؤكد عليه د.خالد حسين في حديثه عن العنوان في الخطاب الشعري فهو يقول:«يكتسب الخطاب بـ "العنوان" فاعليته، ليمارس ضغوطه على المتلقي، وينخرط في العالم، به ومن خلاله تتأسس فاعلية المتلقي، أيضاً، ليتسلل والعالم إلى ردهات الخطاب ومداخله (...) وفي النهاية، تلك النهاية المستحيلة، يقعُ فعل الإبداع، وتنبثقُ القصيدة متبجسة من منحدرات عميقة، تنزلقُ القصيدة إلى حضن العالم، تعيشُ القصيدة، تذبلُ، ولا يبقى منها سوى "غبار الكلمات" الغبار الذريُّ الذي يعقبُ انفجار القصيدة في فضاء الثقافة» وبالتالي فإن العنوان الذي اختاره جولان حمل حرفية عالية في لحظة الاختيار، ومن خلال هذا الاختيار ندرك المتاهة التي استطاع أن يجعلنا نضيع فيها دون أن نجد منفساً للخروج «لا تنظرْ أحداً ولا تطرقْ / لا تبصقْ على بابي إذا صفقتهُ سهواً / لا تقفْ ولا تضحكْ ولا تتكلمْ / أمام الأبواب: / ثمة من تخفيهُ ولأنت تدنو / ثمة من يراكَ وحشاً بدون أن تدري ».
تضاريس نثرية رسمت بأدق التفاصيل، تضاريس متكئة على عتبة العنوان الإغوائية ( الابن الثامن، النائم، نظرة أخيرة إلى الغسق، أرقُ الملكِ أرقُ البوم ) استطاع جولان أن يستثمر الرشاقة الجمالية للغة ويسوغها في مشيئة نصه الشعري، ذاك النص الذي كثف المعنى من خلاله وأدرج في ثناياه المكان الواقعي «البندقيةُ تمزقُ الصفحات / نهود المراهقات تنضجُ بمداعباتِ الغرباء / والأنفاسُ تشيخُ بين الحجارة».
إنه العنصر الشفاف المثير المحير ذاك الذي نقرأه، فهي لغةٌ شبه أزلية في الحنين إلى الخلود والعزلة، وفيها الضجر من الفساد والنفاق الذي يسود حياتنا المعدمة، إنه رسمٌ بالكلمات لخريطة الحياة اليومية التي تسقطنا في دوامة المتاهة،لغةٌ بعيدة عن الركاكة مما يجعل إدراكنا يتجه إلى الرصانة واللغة المكثفة التي كتب فيها الديوان «كيف، في مُدن خطاياي / وسكوت الآثم يتعقّبني، / بتُّ عدوَّ روحي، / فارقتُ حبّي ورضيتُ بالعار» وكذلك أيضاً «الروحُ دمٌ حزين رقّطَ الأتربة / قانياً وخافتاً / كمُشحِ الطمثِ الأولى».
إثنا وعشرون قصيدة كتبت بحرفية شاعرٍ محبٍ للحياة، أنه عالم الشعر المتغلغل في الحياة، مما يجعلنا نتعرف على الحفر المرسومة لنا من قبل الغياب، إنها لعنة الحياة المهمشة، تلك اللعنة التي تتلاعب بنا من خلال بوابة الأفكار المسحوقة، إنه صراع الحداثة النثرية الذي يطلُّ من خلاله جولان، وهذه الإطلالة تُبشر بانتهاء الديكتاتوريات الشعرية، انتهاء أولئك الدين مهدوا الطريق لقصيدة النثر، فالساحة الشعرية برزت إلى الحياة من جديد، بأصوات شعرية شابة، هذه الأصوات التي تُعد نفسها لخوض الصراع الشعري الدائم.
وائل قيس
[email protected]
08-أيار-2021
31-تشرين الأول-2012 | |
25-أيار-2012 | |
10-أيار-2012 | |
30-أيلول-2011 | |
20-آب-2011 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |