في تفسير سورة الرعد
2009-05-08
أمومة
على حِجرها يرتَمي الطفلُ
يُلقي برأسٍ ثقيلٍ
يُغَطيهِ شعرٌ كثيفٌ
تُلَبِّدهُ خيمةٌ من دخانْ
قبيلَ دقائقَ منْ ساعةِ الموتِ
أفرغت الطائراتُ حمولتَها
فوقَ سربِ الحمامِ
فحطت على كرةِ الطفلِ
يقذفُها باتجاهِ الجدارِ الأخيرِ
الجدار الذي أخطأتُه القذائفُ وسطَ المخيمِ
ترتدُّ نحوَ الحذاءِ الممَزقِ
يقذفَها مرةً تلوَ أخرى
ويقذفها في الهواءِ بشكلٍ محايدْ
لقد خطفَ الموتُ أقرانَهُ
منذُ يومينِ
قبيل الأوانْ
يُدوِي انفجارٌ
فلا يدركُ الطفلُ أيَّ موتٍ
يجيءُ مع الصوتِ
يهرعُ نحوَ البدايةْ
تكون النهايةُ في حجرٍ أمٍّ
تملكها الخوفُ،
أمٌ،
وطفلٌ،
وطائرةٌ تزرعُ الموتَ كل مكانْ
ما تبقى منه
تَمُد يديها إلى مخبأٍ شبه سريّ،
قريبٍ من القلبِ جداً
وتمسحُ دمعتَها بالهشيمْ
تَمُدُّ يديها
لِتخرجَ (بيضاءَ من غيرِ سوءٍ)
تُحدِّق في صورةِ الطفلِ
وكان تصوَّر في السابعةْ،
وتبكي بصمتٍ وقورْ
مضى في الصباحِ وراءَ القطيعِ
تقولُ:
(ولم يشرب الشاي)...
يعود القطيعُ وحيداً
ويمضي الصبيُّ
تقول لنا أمُهُ الثانيةْ:
تلك صورتُه
ما تبقى لنا مِنْ فتى
كان يسقي الحمامَ بصحنِ يديهْ
ويحنو عليه...
ما تبقى لها
بدونِ استباقٍ
لسرد الذي كانَ
كانوا ثمانيةً في المساءِ الأخيرِ من الحربِ
وأمهم الخائفةْ...
تَلُمُّ الهشيمَ
وما يتساقطُ من ورقِ البرتقالِ
لتطردَ عن قلبها الرعبَ
لا كي تُعدَّ الطعامَ لهمْ
أو لتغلي الحليبَ
تضيءَ المكانَ
بدونِ استباقٍ
لسرد الذي كانَ
لقد أخطأتها القذيفةْ،
لتبكي عليهمْ ...
أرجوان
إلى البحرِ
نهرعُ هذا المساء بدونِ مجاديفْ
على رقعةِ الماءِ نكتبُ أسماءَ أسلافِِنا
نخطُ بِحِكمَتهم موعدَ الصيدِ
تقاليدَهم في اجتذابِ النوارسِ
إلى لمعةِ الرملِ
نرمي الشِباكَ
بدون ارتباكٍ
ونرقبُ ما سيجودُ به البحرْ ...
بحرُ غزةَ أنقى من الماءِ
من صفحةٍ في السماءِ
وأنقى من النفسِ بعد التَهَجُّدِ في ليلةِ القدرِ
وأنقى
وأنقى
وأنقى
وأبقى من الدهرْ...
إلى البحرِ
نهرعُ هذا المساء
بدونِ مجاديفْ
فالبحرُ أهدأُ من جدولِ الماءِ
نرقبُ ما سوفَ يُخرجُه من عطايا
ولكنَّ ضوءً
يفاجئنا من مكان بعيد
يُحوِّلُ زرقته أرجوانْ
على بعد مترينِ منهم
علا الموجُ فوقَ القواربِ
غاب القمرْ
لكم أيها الأصدقاء
(1)
لكم أيها الأصدقاءُ الأحبةُ أن تعتبوا
فغزةُ تغرقُ بالنارِ
تؤنسها عتمةُ الوحدةِ القاتلةْ
(2)
لكم أيها الذاهبونَ إلى الموتِ
في عتمةِ الوقتِ
أن تبحثوا عن أنيسٍ يُهَوِّنُ وقعَ الصواريخِ
فوقَ سطوحِ المنازلِ
بيارةِ البرتقالِ
حقولِ الورودِ
صفيحِ المخيمِ
دورِ العبادةِ
والنبتةِ الذابلةْ
(3)
لكم أيها الخائفون على طفلةٍ
غافلتكم للخروجِ إلى باحةِ الدارِ
أن تبحثوا عن صديقٍ يفتشُ عنها
يعيدُ إليها الطريقَ
يسابقُ غفلةَ موتٍ
ويسبقُها في الذهابِ بعيداً إلى الرملِ
في اللحظةِ الفاصلةْ
(4)
لكم أن يباغتُنا طفلُكم بالصراخِ علينا
وأنْ لا يؤنبه أحدْ،
لهُ أن يقولَ لنا ما يشاءُ من القولِ
يسألنا عن حدودِ الطهارةِ في النفسِ
والصلواتِ
وعنْ نجمةٍ آفلةْ
(5)
لكمْ أيها الباحثونَ عن النارِ وسطَ الجحيمِ
التساؤلُ عن كل شيء
وأنْ تعبثوا في التفاصيلِ
دونَ اكتراثٍ بما سوفَ نحكي لكم،
وأنْ تعتبوا
تغضبوا
تذهبوا
في سياجِ النصوصِ إلى منتهى القولِ
أن تنطقوا ما تشاءون
في خطبةٍ راجلةْ
(6)
لنا، أيّها القابضونَ على الجمرِ، أنتمْ،
وأنتم أناشيدُ مَنْ خرجوا من ثنايا الرمالِ
إلى جبهةِ الأرضِ
كي يسبحوا في الندى
وقد كتبوا في بياضِ الجراحِ الوصايا
القصائدَ دونَ عروضٍ
وخطّوا حدودَ الدروبِ
التي سوفَ تمشي على هديها القافلةْ
وما فعلوا
... إذا صبروا
وما فعلوا
وقد دفنوا أحبتَهم
بأيديهم
وهم يبكونَ في المنفى ضحايانا بصمتٍ
لا يقيمونَ الجنازاتِ المهيبةَ للأحبةِ
تحتَ ضغطِ الوقتِ
والطلقاتْ ...
وما فعلوا
وقدْ هاموا بأرض اللهِ
أرضُ اللهِ واسعةٌ
وإنْ ضاقت على خطواتهم يوماً
لقد ماتوا على الطرقاتْ...
وما فعلوا
بنوا للسادة النجباءِ
قصراً
تلو قصرٍ
ثم ناموا
تحتَ فيء الصخرِ
والشجراتْ...
وما فعلوا
وقد زرعوا
جبالَ الأرضِ بالتفاحِ والزيتونْ
وناموا ليلَهم جوعاً
وأعينهم على الثمراتْ...
وما فعلوا
وقد خرجوا إلى حربٍ
وتاهوا في رمالِ الوقتِ
تخطُفُهم رعودُ الموتِ
والخيباتْ...
وما فعلوا
وقد نُكِبوا
وقد نُكِسوا
وقد نزحوا
وقد ثُكِلوا
وقد قُتِلوا
وقد جُرِحوا
وقد أسِروا
وقد عادوا
على الأكتافِ في الأكفانِ
لم يجدوا لهم قبراً
لِيُسْكِتَ فيهم الأناتْ...
حدودٌ للفكاهة !!
عندما يخرجُ الجندُ
جندُ العدوِ إلى قتلِنا
يكتبونَ على صدرِ قمصانِهمْ:
(عيارٌ: قتيلانْ)
عيارٌ يساوي قتيلينِ دونَ التفاتٍ لرعشةِ طفلٍ
يموت قتيلاً على شفرةِ اللهوِ،
لَهوِ الجنودِ الذينَ يبثونَ أحقادَهمْ
يرسمُون على صدرِ قمصانِهمُ السودِ
أو البيضِ ـ لا فرقَ ـ
صورةَ امرأةٍ حاملٍ في قطارِ الولادةْ،
على بطنِها يرسمونَ الإشارةَ
من بابِ دقةِ تصويبِهم،
عندما تظهرُ امرأةٌ حاملٌ في الطريقِ
وتدخلُ في خانةِ الصيدِ يخطفها الموتْ،
فقد أخذوا رخصةَ القتلِ
قبلَ الخروجِ من القاعدة
[email protected]
ــــــــــــــــ
* شاعر فلسطيني مقيم في رام الله
08-أيار-2021
11-أيار-2009 | |
08-أيار-2009 | |
01-آب-2008 | |
14-تموز-2008 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |