هي : العتبة
2009-05-11
اللوحة : Darius Tatol (فرنسا)
أختنقُ شكّاً. تتشتّتُ صوَري وأفكاري في بعثرةٍ عاصفة. أتقلّبُ في الفراش. أسهرُ منتظراً، سوفَ تنطقُ بلسانِ الجبرِ. ستحدّثُني بشفاهٍ مطلسمةٍ، ومن عمقِ سُباتِها، عن أطوارِ فعلِها المشؤوم. سأحفظُ اعترافَها عبرَ هذا المسجِّل. سأعلنُ للجميعِ حقيقتَها الفاجرة. ها هي الآنَ تنامُ قريرةَ العينِ، و لا تدري بأنَّ طلسَميَ القديمَ سيُنطقُها بما تُخفي، فتتلفظ قسراً بسرِّها الدّفين. كنتُ غُفلاً معها، أنعم في مسرّةِ حياةٍ زائفةٍ، حتى أفاضَ القدرُ عليّ أخيراً بهديِ شيخٍ جليلٍ دَلّني إلى المعنى. يا إلهي، عاشرتُها كربٍّ، أرعاها بالحقّ، فأثابتني رجما. عاشرتها كسلطانٍ، أحكمها بالحقّ، ومع هذا، آثرتْ لدغي. الحقُّ الحقّ ما أردت، فانظرْ ما جنتْهُ عليَّ طيبتي البلهاء!
بادرني أخي بصوتِ الرجاءقائلاً: " رافقْني إلى بابٍ جديدٍ من أبوابِ التقوى ".
قلتُ ضاحكاً: " حسناً، عسى أنْ يكونَ في شرفِ لقاءِ هذا البابِ خلاصُك."
دلفنا إلى بيتٍ يغشاهُ ضياءُ الخشوع. أطلّ علينا شيخٌ وقورٌ بوجهِالحكمةِ والعبادة، يحدثنا عن بيانِ الدعوى، وفِتنِ الساعةِ، ورعشةِ الإيمان... صدّقتُ صوتَه الواعظ. قلت له بنبرة الخضوع: " و كيفَ السبيلُ إلى الصوابِ يا شيخَنا الجليل؟ "
ردّ بعد برهة تأمّل: " أمّا عنكَ أنت، ففي البدءِ، غيّرْ عتبةَ دارِك! " سَكتُّ مبهوتاً.
اشتدَّ عليّ غيابُ المعنى، فبحثتُ في شعابَ مهملةٍ عن آيةِ الظّهور. خبّرَني من لا أشكُّ في كلامهِ، قال: " العتبة؛ كُنِّيَ بها عن المرْأةِ فيما رُويَ أنَّ إبراهيمَ الخليل قال لامْرَأَةِ إسماعيلَ قُولي لِزَوْجِكِ غَيِّرْ عتبة بابك ". و قالَ لي أتقاهم: " مَن رأى في المنامِ أنهُ يركبُ عتبةَ الدارِ فإنه ينكحُ امرأة ". كنتُ ما بينَ الفهمِ واللافهم، أحوم في دورانٍ عنيف؛ فهمتُ أن المرأةَ مُلكٌ كالعتباتِ في مملكةِ الرّجال. فهمتُ أن المرأةَ لا تخرجُ - في أقصى جموحِها - عن حدِّ عتباتِ الدّيار. فهمتُ أن المرأةَ و العتبةَ سيَّان. ولم أفهمْ نسبةَ العتبةِ إلى التغيّر؛ تتبعتُ المعنى فلمْ أهتدِ حقّاً إلى غيرِ طلاقِها!
هكذا دلّني شيخي القويمُ إلى الصّواب. و تبينَ لي صلاحُ نهجِهِ، فاستسلمتُ طائعاً لصراطهِ المعلوم! ما كانَ عليها الرّدّةَ بعدَ أن بدّلتْ جهالتَها حقّاً، ولكن ماذا أقول؟ الأصلُ فيها الفُجور! بل لن تخرجَ خطيئتُها عن صفتِها الملعونة! لهذا تدبّرتُ من وحيِ المكرِ حيلةً أقتنصُ بها دليلاً على كفرِ ما اختارتْ.. طلسمٌ من غياهبِ سرٍّ عظيمٍ يفضحُ النّيام. طلسمٌ يخترقُ جدرانَها المخفيةَ بأعجوبةٍ معجزة، ليستكشفَ مقامَ الجرمِ والخديعة. يدنو من حافّةِ المطلقِ مسترقاً السّمعَ، لينشرَ طويَّتها النّجِسة. ستنطقُ بسرِّها. ستنطقُ حتماً...
أدقِّقُ السمعَ في حيرة. تبزغُ صورٌ تتشعّبُ في غليان. أرى شفاهاً تتلمَّسُها في حرقةِ اللقاء. يدٌ تعبثُ في ملكوتي فتشركُ بوحدانيَّتي. دربي الأمينُ يهتكُهُ كلبٌ من مجّّانِ الدهر. آآآآه، نهدُها يُيْنِعُ بينَ يديِّ لئيمٍ يفضُّ سِتري. إنِّي أرى عينيهِ في عتمةِ الرؤيا تحدِّقانِ فيَّ تشفِّياً. تسخر من ضآلةِ تَجبُّري. تحتقرُ هزيمَتي. يلجُ فيها عمودُهُ فتشتكي شهوةً! أبدو كقزم.. كرَوْث.. كخراب. أشهدُ احْتضاري. تتملّكُني صورٌ مجنونةٌ، أنهارُ على وقعِها. أهتفُمُستغيثاً. تأوُّهاتٌ من نارِ اللذّةِ تدكُّ عتبتي...
أشعرُ بشوقٍ ملعونٍ لوطئِها الحين. تنسابُ يديَّ إلى جسدِها. تشقُّ سبيلَها إلى الطاعةّ. تمتنع. أطلبُها في حنق. ترفض. أجذبُها بعنفٍ إلى ماتحتي. تحاولُ جاهدةً أن توقفَ هياجي. أمزقُ غطاءَها. أمسكُ بقبضتين قويتين معصميْها. أحاصرُها بثقلِ جسدي. أدخلُ - بعسرٍ - إلى مدى اللذّة. تصرخُ بيأسٍ. أتحرّكُ سريعاً. أردِّدُ بلهجةٍ سافلة: " اصْمتي يا عاهرة! ". تزدادُ حركتي عنفاً. تستسلمُ و هيَ تبكي...
أنهضُ غيرَ مبالٍ. أطوفُ في فضاءِ الدار. أحْكمُ غلقَ أقفالِ البابِ و النوافذ...
08-أيار-2021
24-كانون الثاني-2011 | |
20-شباط-2010 | |
11-أيار-2009 | |
26-نيسان-2009 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |