لا تُلقوا بالوليد مع الماء القذر، أيها "الغيورون"!
2009-05-23
نشر السيد اسماعيل مروة في جريدة "الوطن" (الأحد 26/4/2009) مقالة (وكرر الكتابة غير مرة) حول ترجمتنا كتاب "سورية في رحلات روسية خلال القرن التاسع عشر" وصف فيها الكتاب بأنه "ينتقص العرب وعقائدهم ومذاهبهم". بينما وصف نفسه بـ "الباحث العلمي الذي يتحرى الصواب والدقة". على أن أقلّ ما يُفتَرض بـ "الباحث العلمي" أن يعرفه جيداً هو أن هذا الكتاب ليس "دراسات استشراقية"، أي أن يميز بين الدراسة واليوميات وأدب الرحلة...؛ وأنه لا وجود لمنهجية أو طريقة في البحث البحث العلمي تسمح بـ "التدخل في سياق النص"، ولا معنى لقوله: "التدخل الإيجابي العلمي"؟!
أمّا اتهامنا بأننا تركنا "القضايا الإشكالية دون أي تدخل، ودون أي حاشية" فمردود عليه سلفاً وبقوة في مقدمتنا للكتاب! ذلك أننا، احتراماً لعقل القارئ قبل كل شيء، ما زلنا مقتنعين بأننا في غنى عن التعقيب في الهامش ( وليس في سياق النص!) على كل كلمة أو جملة أو معلومة بالقول: انظر أيها القارئ، هذا غلط ، وهذا كذب، وهذا حقد... إلخ!
وما دام كاتب المقالة يقف، وإنْ لفظياً، ضد "حذف أي جزء من كلام المؤلف"، فإننا نستغرب أيضاً طريقة الاجتزاء "لا تقربوا الصلاة"، وحذفه الجزء المهم من كلامنا في المقدمة:
"ولما كنا نرى أن أحد الأهداف الرئيسة لنقل كتابات الأجانب عن بلادنا هو معرفة نظرة الآخر إلينا في زمن معين، إذاً ومعرفة ذلك الآخر وطريقة تفكيره أيضاً، بما لتلك النظرة وما عليها...، وليس الاستماع إلى أنشودة مديح وتملق، فقد قررنا الإبقاء على جمل وعبارات ومعلومات جارحة بما فيها من حقد وجهل وتجنّ، لأن حذفها – في تقديرنا – لن يكون إلا تضليلاً للقارئ وتجميلاً للنصوص يعادل خيانة الأمانة".
1) استغرابَه وجود عبارة "أرض الميعاد" في الترجمة، وكأنها من تأليفنا، ونؤمن بها، وجرم لا يغتفر!
2) استغرابه القول: "ظهرت في فلسطين المملكة اليهودية في القرن العاشر قبل الميلاد"، وكأنه لم يكن في تاريخنا لا نبوخذ نصّر ولا سرجون الثاني... ولم تقم على الساحل السوري يوماً دويلات صليبية عابرة طواها التاريخ، لأنه "لا يبقى في الوادي إلا أحجارُه"، كما يقول المثل الجزائري.
3) استغرابه أيضاً أننا لا نعلّق على قول رحالة روسي عام 1844إن المرأة في بلادنا لم تكن تعيش "إلا حياة جسدية فقط ، أمّا الجانب المثالي الرائع من الحياة فيظل مغلقاً أمامها". عذراً! وهل عليه أن يقول إنها كانت يومها تتعلم، وتعمل، وتسافر، وتشارك في الحياة الاجتماعية والسياسية... في الشرق (أو حتى في الغرب الذي يشرِّحه أحمد فارس الشدياق أواسط القرن التاسع عشر خير تشريح)؟
وفي الوقت نفسه يتجاهل الكاتب ما يذكره المؤلف بإكبار عن حشمة زي النساء العربيات "لا فرق بين المسلمات والمسيحيات من أي مذهب كنّ" (78)، وعن دلالة احترام الموتى وقبورهم، هذا "الاحترام الذي لا يشبه في شيء أخلاقنا الأوروبية يستحق منا في جميع مظاهره الإعجاب والتمعن" (80، وأيضاً ص 81 و 82)، وعن طريقة احتفال العرب بأعيادهم (82 و83)...
4) ليس من الأمانة العلمية في شيء، بل هو تضليل للقارئ لا يسنده منطق، أن يتعمد اجتزاء جملة ظالمة هي "إن العرب السوريين لا يعرفون شروط (كلمة) الشرف..." (ص75)، ويهمل ما يقوله المؤلف المتناقض عن وحدة السوريين الذين "يمثلون قدوة تحتَذى من حيث ما بينهم من تشابه في التقاليد والعادات وقوة القدرات الذهنية والعواطف الحسية"(74)، والذين تتميز شخصيتهم بـ "الروح الحربية وكرم الضيافة والميل إلى التجارة (...) واحترام الأكير سناً (...) حتى إن الحمّال الجاهل الذي لا يحيد بحمله عن الطريق أمام أبهة موكب الباشا، يفسح الطريق دائماً لمعوقين" (74). ويبتر السيد مروة الجملة السيئة التي يذكرها عمّا بعدها تماماً، وهو: "إن السوريين شجعان كلهم، ولكنهم متواضعون، متسامحون، لبقون، ومهذبون. والعربي يتفادى النزاع دائماً، ولكنه لا يغفر الضيم ولو لم يكن مقصوداً. وهو لا يسخر من الضعيف، ولكن قوة العدو لا تخيفه أيضاً" (75)، و: "تجد العرب شعباً متقداً، طيباً ونشيطاً، لا يوقفه شيء، ولا يستصعب شيئاً، بل يحضّه الإخفاق على مزيد من الإصرار. ونادراً ما تقنع رغباتهم ببلوغ النجاح نفسه (...) والعربي له نظرة صقر. إنه حادُّ الذكاء، أريب، سريع البديهة، ولا ينقصه شيئ إلا التعليم (...) يتقدم بشجاعة لمواجهة الأخطار، ويتحمل صروف الدهر غير مبال بشيء، فينسى مطلب الراحة في ظروف الحرب، وينسى العطش والجوع المضني، ولكنه يعرف كيف يكابد بإباء أكثر مما يعرف كيف يكون معتدلاً في السعادة ورحيماً مع عدوّه المغلوب" (76)... "فبأيّ آلاء ربكما تكذّبان"؟! ورحمة بالحقيقة والناس والوطن، يا جريدة "الوطن"، ولنكن جديرين، ولو قليلاً، بصفات "العرب السوريين" الذين يتحدث عنهم هذا الروسي قبل أكثر من مائة وخمسين عاماً!
إنه لحمل ثقيل على السيد اسماعيل مروة، ومن يتلاعب بالحقائق وعواطف المواطنين مثله، أن يصف نفسه بـ "الباحث العلمي الذي يتحرى الصواب والدقة". لأن من يكتب بروح الوشاية والتضليل والتشهير قائلاً: "سيجد القارئ أن المستشرق لم يوفّر في بحثه (!) أي دين أو طائفة أو جماعة سورية (...) ويوافقه المترجمان!!" هو من تليق به التهمة التي يريد إلصاقها بالمترجمَين: "بثّ روح العداء بين أبناء سورية (...) والإساءة لسورية جملة وتفصيلاً"!!!
إذاً، هكذا يكون "المواطن الصالح"، وإلا فلا!
وبعد، فإن الكتاب مؤلَّف من مقدمة، وعرض تاريخي تعريفي موجز (من مرجعين اثنين)، وست مقالات مختلفة الغايات والأسلوب والنظرة. ولكنّ من يكتبون عن هذا الكتاب يختزلونه جملة، ولسبب نجهله، في اقتباسات معينة (سفكنا دم قائليها في مقدمتنا!) من مقالة واحدة هي: "يوميات مسافر زار سورية وفلسطين 1844- 1847"، فلماذا؟
حقاً، هناك من لا يزال قابعاً في القرن التاسع عشر، يخاف ما يعيشه في أوهامه، فيرى في كل كلمة ناراً تستطيع أن توقِد حرباً طائفية، و في كل رأي معادٍ، أو مخالف فقط ، خطراً ماحقاً "لشرائح المجتمع السوري" (فالمجتمع السوري في نظره "شرائح!!!" وليس شعباً تجمعه وحدة وطنية يؤكد على وجودها ورسوخها ذلك الروسي المغرض!).
كأننا، في نظر هؤلاء، كتلة جامدة في الزمن، لم نخرج من الدولة العثمانية، ولم نحرر بلادنا من الاستعمار، ولم نصبح دولة حديثة تعيش زمانها وتحدياته في القرن الحادي والعشرين، وإنما "كلمة تقيمنا وكلمة تقعدنا"، فلا يبقى لنا إلا أن نعيش في كابوس الرُّهاب والتشكيك، وأن نُلقيَ بالوليد مع الماء القذر!
واللافت أن الكاتب لا يشير ولو بكلمة واحدة إلى ما يقدمه هذا الرحالة، قبل دهر، من تحليل عميق لدور الغرب والتبشير الأمريكي بالعداوات والحروب الطائفية في الشرق العربي، وهو تحليل تزداد قيمته وراهنيته العالية اليوم، أمام ما يجري في لبنان والعراق وفلسطين!.. ما يهم الكاتب ويؤرِّقه هو الاتهام والشعارات الفارغة من أي مضمون فعلي:
"لم تستطع كل التحديات أن تنال من المجتمع السوري، فكيف نسمح في وزارة ثقافتنا المتنورة أن نهدي كل بيت ما يفسد عليه حياته"!
يا للتجنّي، ياللعار! اخجلوا من التضليل والتهويش أيها "الغيورون"!
مقدمة الترجمة
سطر صفحات هذا الكتاب ، الذي نضعه بين يدي القارئ العربي ، عدد من المواطنين الروس زاروا سورية ، أو أقاموا فيها ، أواسط القرن التاسع عشر . منهم الدبلوماسي ، والطبيب ، والرحالة ، والشاعر ، وعاشق التاريخ والآثار ... وبينهم من تحدوه رغبة بالاطلاع والبحث والمعرفة توخياً للفائدة الشخصية والعامة ، فتراه على قدْر مهم من الموضوعية في تسجيل انطباعاته وإطلاق أحكامه حول هذه المسألة أو تلك . وفيهم من تدفعه حمية دينية ثقافية ، ويغريه تاريخ من الوشائج بين مسيحية المشرق العربي والكنيسة الأرثوذكسية الروسية ، فيبدو كمن يحث القارئ على الشعور بعمق العلاقة بين الجانبين وتحسس أهميتها ، والتمعن في ما تعنيه روسيا ، أكبر دولة أرثوذكسية ، للمشرق، وما يمثله هذا المشرق من أهمية وقداسة لهذه الدولة ورعاياها . ومنهم من تراه مولعاً بالتعبير عن علاقة قديمة مفعمة بشوق دافق عند أبناء الشمال البارد المكفهر إلى سناء هذا الشرق ودفئه الروحي فيأتيك حديثه مشحوناً بعاطفة من نوع خاص . ومن هؤلاء من لا تسعفه معلوماته فينحو منحى يجانب الصواب والحقيقة فيتبعد عن مشقة البحث والسؤال . ومنهم من تختلط عليه التسميات فيقع في الخطأ البريء . وبين هؤلاء جميعاً نرى الباحث المتشبث بتقاليد البحث العلمي وأصوله فيأتيك حديثه سلساً متماسكاً يقيم الحجة على ما يورده من نظرات ويبديه من مواقف . وسواء اتفقتَ معه أم عارضته ، لا يسعك إلا أن تحترم جهده وسعة اطلاعه .
ولا بد لنا من الإشارة إلى واقع العلاقات الروسية – التركية في الفترة التي شهدت زيارات هؤلاء الكتاب إلى سورية وتأثيرها أحياناً في تسجيل مشاهداتهم وانطباعاتهم وأقكارهم عن بلادنا ، وفي التعبير عمّا اعتمل في نفوسهم من مشاعر تجاه شعب يرزح تحت حكم خصومهم . ولا يفوتنا بالطبع ما يتركه ذلك من بصمات على ما تخطّه أقلامهم ، وهم يخاطبون أصلاً أبناء جلدتهم وأخوتهم في الدين ، لا أبناء المشرق العربي ، مسلمين كانوا أم مسيحيين . إن الكثير من الوصف والتعبير عن هذه المشاهدات ينطلق على سجيّته، ونادراً ما يلقي بالاً لكلمة قد تجرح الشعور القومي عند أبناء هذه المنطقة التي يتناولونها بالوصف . وإذ يتحسرون ويتألمون لما يعانيه هذا الجزء العريق من العالم تراهم ينحون باللائمة على الحكم العثماني ، ويحمّلونه وزر ما يرونه من سيّئات ، ولكن بعضهم لا ينجو منه أبناء البلد الأصليون أيضاً ، سواء بصفتهم عرباً أو بصفتهم مسلمين ، أو ينتمون إلى هذه الطائفة أو تلك ... فيكيل لهم ما لا يخطر على البال من صفات قد تكون فيهم ، وقد لا تكون ، مع كامل إدراكنا لواقع التخلف الذي كانت ترزح سورية تحته آنذاك . ولا يفوتنا أن نشير إلى أن هذه النصوص لا تخلو من استشهادات مأخوذة من مصادر لسنا متأكدين من دقتها التاريخية ، بل ربما كانت تنطلق من مواقع العداوة والتحامل ، ناهيك عمّا فيها من جهل ببعض وقائع التاريخ .
ولمّا كنا نرى أن أحد الأهداف الرئيسة لنقل كتابات الأجانب عن بلادنا هو معرفة نظرة الآخر إلينا في زمن معين ، إذاً ومعرفة ذلك الآخر وطريقة تفكيره أيضاً ، بما لتلك النظرة وما عليها ... ، وليس الاستماع إلى أنشودة مديح وتملّق ، فقد قررنا الإبقاء على جمل وعبارات ومعلومات جارحة بما فيها من حقد وجهل وتجنّ ، لأن حذفها في تقديرنا ، لن يكون إلا تضليلاً للقارئ وتجميلاً للنصوص يعادل خيانة الأمانة . فمقالة سينوفسكي التي تمثّل قطعة أدبية حارّة وساحرة تتضمن جملة واحدة فيها وصف للمسلم ينضح بحقد لا مكان لإظهاره ، هنا في الأقل . أمّا الرحالة (ن. ستـ ـ ن) فينفث في بعض من كلماته تجنّياً على العرب والمسلمين ونبيهم الكريم ، ويطلق على الدروز في لبنان أوصافاً متأثرة على نحو جليّ بالصراع الذي كان قائماً يومذاك بينهم وبين إخوانهم المسيحيين الذين ينحاز إليهم بدافع انتمائه الديني . وحتى الدبلوماسي الروسي الشهير بازيلي لا تسعفه دبلوماسيته للتخلص من داء العصبية الدينية المقيت أو حجبه أو التخفيف منه ، ولا من التناقض حين يعزو النظافة في بلدة البترون المارونية "ربّما لأنه لا وجود فيها للمسلمين" ، ثم يعود بعد صفحة واحدة ليتغنّى بطرابلس التي ثلثاها مسلمون بوصفها : "من أجمل وأنظف مدن الشرق العربي" ! وفي مكان آخر يجامل بازيلي العثمانيين مراعاة لـ / وانسجاماً مع سياسة روسيا التي كانت مع إنجلترا والنمسا تؤيد الباب العالي ضد دخول ابراهيم باشا سورية (1830 – 1840) ، فيدّعي أن سورية ازدهرت أيام العثمانيين ، وتخلصت من الهجمات الخارجية والصراعات الداخلية ، في حين ينطق كتابه الشهير "سورية وفلسطين تحت الحكم التركي" (وهذا الفصل منه) بما يتعارض مع ذلك تماماً .
على أن هذه المآخذ ، المبثوثة هنا وهناك ، لا تشغل إلا حيّزاً شديد الضآلة ، ولا تقلل البتة من قيمة المعلومات والملاحظات والاستنتاجات الثمينة التي تنطوي عليها كتابات هؤلاء الرحالة جميعاً . ذلك أننا إذا ما نحّينا آثار التعصب الديني من هذه الكتابات جانباً عثرنا على نصوص أدبية ساحرة وعميقة (سينكوفسكي و الشاعر فيازِمسكي) وعلى حب وتقدير وفهم للعربي وصفاته ، وللدور العظيم الذي لعبه سكان سورية القدماء قبل الإسلام... وحتى مقالة ن . ستـ - ن التي أشرنا إلى ما يسيء فيها أعلاه تتضمّن مقاطع مفعمة بحب كبير لهذه البلاد ولكثيرٍ من عادات أهلها الذين يقدِّر عالياً ما فيهم من طباع وصفات ومواهب ...
وأياً كان حجم النواقص أو المثالب ، وقوة أثرها السلبي في النفس ، فإن في الكتاب ما يستحق القراءة والتمعّن والاطلاع .
المترجمان
مواضيع متعلقة:
وزارة الثقافة السوريّة تصادر كتابا من إصداراتها! -اقرؤوا ما الذي تريد حذفه !
http://all4syria.info/content/view/8823/110
سورية في رحلات روسية خلال القرن التاسع عشر...فلسفتنا تفرح بشهادات الآخرين ومديحهم
http://all4syria.info/content/view/7742/110
نوفل نيوف: ( كلنا شركاء ) 21/5/2009
08-أيار-2021
باموق والتأرجح بين الشرق والغرب بقلم: صلافا سيرغييف / ترجمة: |
07-حزيران-2009 |
23-أيار-2009 | |
13-أيار-2009 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |