باموق والتأرجح بين الشرق والغرب بقلم: صلافا سيرغييف / ترجمة:
2009-06-07
سنكتفي بتكرار موجز لما يمكن للقارئ نفسه أن يعرفه ببساطة، فنحن نتحدث عن رواية "جودت بك وأولاده" التي كانت أول ما نشره الكاتب التركي أورهان باموق في شبابه، (قبل بلوغه الثلاثين) ، ثم نال جائزة نوبل للآداب سنة 2006. يمكن أن نضيف أن هذه الرواية التي تشغل سبعمئة صفحة تحيط عملياً بالقرن العشرين كله، أو أقلُّه ثلاثة أرباعه الأولى، وأنها ملحمة عائلية مبنية في معظمها على مادة السيرة الذاتية. وهي إذ تقدم قصة عدة أجيال من عائلة تركية كبيرة تصف عملياً تاريخ البلاد الجديد، بعد سقوط الدولة العثمانية. على أن هذا كله ليس بالشيء الرئيس.
عندما سألْنا إحدى من نعرفهن لماذا هي تحب باموق، وتشتري عملياً جميع كتبه، أجابت باختصار شديد: إنه يكتب عنّا. وكانت على صواب تماماً. ذلك أن ما يصبح جلياً للغاية بعد قراءة كتب باموق (بما فيها "جودت بك وأولاده") هو أننا، كما يقال، "لسنا وحدنا في هذا الكون". فالتأرجح الأبدي بين الشرق والغرب، إذن، ليس سمة قومية فريدة تخصّنا وحدنا. يمكن ألا يكون شعار الآخرين (عَلَمهم الوطني) يحمل نسراً برأسين، وأن يكون لديهم وعي مزدوج ونزعة تطور لا تكف عن التأرجح...
ثمة إمبراطورية أخرى، أيضاً، هي جارتنا الجنوبية وغريمتنا فيما مضى، انهارت في بداية القرن العشرين، شأنها شأن روسيا، تنتمي جغرافياً إلى أوروبا، وتسعى جاهدة للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، إلا أن 95% من مساحتها، ويا لسخرية الأقدار، يقع في شبه الجزيرة المعروفة باسم آسيا الصغرى، تشبه روسيا في مصيرها شبهاً يدعو إلى العجب. والمضحك هو ليس أن تفهم، بل على الأرجح أن تشعر أنك تعيش على أرض مميزة، لا مثيل لها، إذن على أرض غير قابلة للإصلاح، ما عليك "إلا أن تؤمن بها"، أنك تعيش في بلد من بلدان العالم الثالث اعتيادية للغاية، لا تختلف إلا بمساحتها الواسعة، تتطلّع نخبـتها ومثقفوها في معظمهم إلى أوروبا، فيما يرتبط شعبها ودينها وبضعة قرون كاملة من تاريخها ارتباطاً وثيقاً بآسيا.
إن الأبطال والشخصيات في هذه الرواية التي صدرت في تركيا مطلع ثمانينات القرن الماضي معروفون للقارئ الروسي في روسيا العقد الأول من الألفية الثالثة. فلنأخذ، مثلاً، مهندس السكك الحديدية الذي تعلم في أوروبا وعاد إلى وطنه مفعماً بمشاريعَ طموحة لا تلبث أن تتغير كثيراً في البيئة الآسيوية التي تزداد ضعفاً، بصرف النظر عن جميع الإصلاحات و الأحاديث؛ أو لنأخذْ أيضاً الشاعر الشاب الذي لم يغيِّر شيئاً في حياته صدورُ أول ديوان له بعد طول انتظار، إذ لا يلتفت أحد إلى ذلك الديوان، فيلتحق بالقوميين على أمل كسب قوة الـ "نحن" الجبارة عوضاً عن الـ "أنا" الوحيدة الفاشلة، ولكنه بالطبع لا يجد من يفهمه هناك أيضاً. ثم فلنأخذ كذلك معلم المدرسة الثانوية العصبي الذي يدعو الجميع "إلى الإحساس بأنهم أتراك قبل كل شيء"، ويَعُدُّ أقلّ انتقاد أو حتى مزاح إزاء هذا الموضوع "إهانة للأمة"...
إننا نعرف هؤلاء جميعاً، أليس كذلك؟
عندما زار أورهان باموق موسكو صيف 2006 وقفنا في صف طويل بانتظار الحصول على توقيعه، ونحن نراقب حركة القلم على الورقة في يد من فاز بجائزة نوبل بعد سنتين، طرحنا عليه هذا السؤال الذي ربما سبق له أن سمعه غير مرة: هل هناك، حسْب رأيه، "صراع حضارات"، صراع بين الحضارتين الآسيوية والأوروبية، أو الحضارتين الشرقية والغربية؟ فردَّ باموق بطريقة انفعالية غير متوقَّعة: "Bull shit!..No" ، بالطبع، لا يوجد! كل ذلك من تخرصات السياسيين، رجاءً، لا تصدقوهم!".
ولكن المضحك هو أن كتب باموق جميعها، وللأسف، هي برهان على نقيض ذلك تماماً، بطريقة غير مباشرة.
لا يبقى لنا إلا أن نضيف أن أورهان باموق كان، قبل عام ونيّف من الآن، مجبراً على الهجرة مع أسرته إلى الولايات المتحدة الأمريكية بسبب التهديدات السياسية.
08-أيار-2021
باموق والتأرجح بين الشرق والغرب بقلم: صلافا سيرغييف / ترجمة: |
07-حزيران-2009 |
23-أيار-2009 | |
13-أيار-2009 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |