عزف منفرد على إيقاع البتر / إيقاع قصصي
2009-05-31
في الطريق،...
الطريق الخالية المبللة بمطر الشتاء...
في الطريق إليها...
موالٌ...
حزينٌ...
موال حزين ليس يدري من أين يأتي..
و لعله من تلكَ النافذةِ المفتوحة،
المسدولة الستارِ..
يأتي...
الستارِ الوردي الذي،
تناوشه ريحٌ هادئةٌ..
ريحٌ مسالمة...
في الطريق إليها،
اسمعُ
موالا حزينا...
يتغنى بامرأة نفذ صبرها من طول انتظار،
فانهارت كجبل من جليد
سال ماء عذبا،
شربه غريب كما تُشرب الخمرُ العتيق...
في الطريق، ...
الطريق المبللة...
زعيقٌ،
حادٌّ...
كنداء استغاثة..
تخيلَ أن ثمة على فرع شجرة من أشجار الرصيف المتراصة كعساكر في دورةٍ يومية بليدة..
ثمة،
عصفورةٌ...
تلقم صغارها طعامهم اليومي دون أدنى تأفف أو تذمر...
لا أحد غيره على الرصيف..
طرقاتُ الحذاء،
الحذاء الأسود الثقيل،..
حذاؤه...
كما لو أن الأذن اللعينة...
الأذنين اللعينتين،..
أرادتا استفزازه،..
فجندتا لاقطات الصوت لديها لالتقاط طرَقاتِه..
الطرقاتِ وحدها...
و لا شيءَ غيرها...
طرقاتِ الحذاء ذي الإيقاع العسكري،...
الإيقاعِ المكسورِ،
المبتورِ حدَّ الوجع...
طرقاتُه،...
على الرصيف،...
أعادته قهرا،
إلى هناكْ...
هناكَ،...
حيث الوحلُ،
الوحلُ..
الأدرانُ...
و تلكَ الروائحُ...
تلك الروائحُ العطنةُ، كروائح الجلود المسلوخة،..
المرمية،..
المهملة،
المتروكةِ للتحلل و التعفن في خلاءْ...
حيث السحابُ...
السحابُ..
الضبابُ...
ضبابٌ يُعيق مسار الأكسجين إلى الرئتين..
ضبابٌ،
يَرجم الرؤوسَ و الخوذاتِ و المعاطفَ الخشنةَ الوسخةُ،..
الممزقةَ أحيانا من بعض أطرافها،...
يرجمها بالرذاذ الدسمِ،
اللزجِ الممزوج بروائح البارود و الطاعون...
ضبابٌ صدِئٌ
سامٌ،
يتسلل إلى داخل الجسم..
إلى القهوة المرة الرديئة...
الشاي المر الرديء...
في طاسات من قصدير جرباء..
ضبابٌ،
يتسلل إلى الخبز البارد الصلب المترب..
إلى شرائح لحم الجاموس الغليظة المقززة.....
ضبابٌ...
سحابٌ كثيفٌ،...
قاب قوسين أو أكثر من الأرض..
سحابٌ أسودُ سوادَ نمرِ الليل...
إلى هناكْ...
هناكَ،
حيث الجراحُ، الجراحُ..
النزفُ، النزفُ..
السقوطُ،
الكبو،
النهوضُ،...
الموتُ،
الموتُ العاجلُ،
الآجلُ...
حيث الجثثُ،..
الجثثُ تملأ الخنادق،
المفاوز،
الحفر، المنعرجات...
حيثُ الدم،...
الدمُ كانَ،...
كفأر القبو، يتسلل في خفة بين الشقوق،
بين أكياس الرمل المشبعة بكل أنواع السوائل الآدمية و غير الآدمية..
حيث الدم كان،
كماء المجاري و القواديس النتن...
اعتراه دوار عنيف و رغبة في التقيؤ..
استجمع قواه، عبّ نفسا طويلا من الهواء البارد، ملأ به الرئتين الملوثتين، و واصل سيره، في محاولة غير مضمونة النتائج للتخلص من صور الماضي التي لم تبهت ألوانها بعدُ...
الشتاءُ،...
شتاءُ هذا العام، عنيفٌ...
عاصفٌ،
غاضبٌ،
ساخط،
كمجنونٍ أوقِظ مرغما من نوم هادئ ضاج بأحلام الجنون و الغرابة...
هكذا ظهر فجأة بعد قحط طويل ممل...
الطريق،
مبللة بمطر الشتاء...
جاهد ، في سيره،
جاهد ألا يسمع طرقات الحذاء العسكري الوحيد...
حذاؤه...
في السماء غمامة كبيرة،...
منتفخة كبطن حامل...
بعد قليل ستمطر...
تمطر مطرا غزيرا...
طق،.. طق،..طق...
ذاكَ،...
كانَ،
صوتُ العكاز...
العكازِ المعدني الذي يتكئ عليه...
يتكئُ عليه كرجل عجوز فقد القدرة على السيرِ بخطوات متزنة،
ثابتة...
طق،.. طق،.. طق...
صوت العكاز،
الآن،
طغى على صوت طرق الحذاء...
لعل أذنه قرفت من لعبة الاستفزاز...
ارتاح لطقاته...
طق،.. طق،.. طق..
طقات العكاز...
أخف وطأ من طرقات الحذاء بكثير...
طقاته،...
بعد قليل من الارتياح و الاطمئنان،
ما عادت طقات...
صارتْ،
و الغيظ يخنقه،
طرقاً...
أو هكذا خيل إليه...
المسافة إليها بدت له اللحظةَ،
طويلةٌ...
تٌرى ماذا ستقول لهُ حين تراه!؟....
ماذا سيقول لها حين يراها!؟...
......................................
.............. و ذاك الصوتُ...
الصوتُ الآخرُ...
الصوتُ العذبُ،
الصوتُ الرؤومُ الأثيرُ...
الصوتُ الروحُ،
القلبُ،
الحياةُ...
الصوتُ الشذا..
الصوتُ الصدى...
المعزوفة التي رافقت تكوينَه...
كينونته...
الصوت العِطرُ،
عطرُ صدرها..
الصوت الحليبُ،
حليبُ صدرها...
" لو أراكَ عريسا قبل أن أموتَ يا...ولدي..."
آتٍ إليكِ..
بغبارِ،
برمادِ،
برائحةِ الحرب..
الموتِ...
بآخر ابتسامةِ أملٍ لا تزال مصرة على التشبث بشفتي...
آتٍ..
آتٍ...
طقْ،
طقْ،
طقْ،
طَ....
08-أيار-2021
31-أيار-2009 | |
15-أيار-2009 | |
27-نيسان-2009 | |
24-نيسان-2009 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |