لماذا سيخسر أدونيس مع ناصر قنديل بالضربة القاضية؟
2006-08-08
الاتجاه المعاكس مظاهرة في المنزل: لماذا سيخسر ادونيس مع ناصر قنديل بالضربة القاضية؟
كل الظروف العربية منذ الاحتلال الأمريكي للعراق، وحتي الهجوم الاسرائيلي علي لبنان تخدم الدكتور فيصل القاسم، فجيشا الولايات المتحدة الأمريكية واسرائيل يمدان البرنامج بالمواضيع الحارة والحساسة بالتناوب كل أسبوع، بحيث أصبح المشاهد يعرف موضوع الحلقة القادمة من البرنامج قبل ظهور إعلانها، بتذكره لموضوع الحلقة السابقة، فإذا كانت الماضية عن العراق، فلا بد أن تكون التالية عن فلسطين، والعكس بالعكس، ولو قرر هذان الجيشان ايقاف برنامج الاتجاه المعاكس فباستطاعتهما فعل ذلك ببساطة متناهية، ولن يكونا بحاجة لأي ضغط علي حكومة قطر، ولن يلزمهما وضع خطط عسكرية لقصف قناة الجزيرة، وكل ما عليهما فعله هو إيقاف أعمالهما العدوانية ليتوقف البرنامج فوراً.
ورغبة مني في عدم الوقوع في شرك المبالغة، لن أقول بأن المستفيد الأكبر من احتلال العراق هو الدكتور فيصل القاسم، بعد أن تحول ثلاثة أرباع ضيوفه في البرنامج إلى عراقيين، بحيث لم يبق عراقي مسيحي أو يزيدي أو صابئي أو مسلم، سني أو شيعي، كردي أو عربي أو تركماني، إلاّ وظهر في الاتجاه المعاكس ، وأستغرب فعلاً من الاتهامات التي زعمت بوجود علاقة بين الدكتور القاسم ونظام الرئيس العراقي المخلوع صدام حسين، ولديه مثل هذا الدليل الذي لا يرد ـ وهو انه المستفيد الاكبر من انهيار نظام صدام حسين، لكني أظن أن الأمريكان لو احتلوا مصر بدلاً من العراق، لكان أفضل بكثير للدكتور القاسم، لأنه بوجود سبعين مليون نسمة لن يضطر حينها لإعادة استضافة نفس الضيوف عدة مرات، كما يفعل مع العراقيين الذين مرّوا جميعاً في برنامجه.
يعرف د. فيصل القاسم بلا شك أن برنامجه مشاهد علي نطاق واسع، لكن أسباب مشاهدته في رأيي تختلف عن أسباب مشاهدته من وجهة نظره بالتأكيد، فأنا أظن أن السبب الرئيسي الذي يدفع المشاهدين العرب لمتابعة التكرار الممل في بعض الموضوعات، لايعود لكون هؤلاء المشاهدين لم يفهموها بسبب تعالي الصراخ والردح وشد الشعر وتشريط الثياب بين ضيفي البرنامج، ولذلك يقبلون علي مشاهدة الحلقات التالية عسي أن يفهموا شيئاً مما يحدث في المشاجرة العلنية التي تعقد مساء كل ثلاثاء علي شاشة قناة الجزيرة ـ كما قد يظن الدكتور القاسم ـ بل لأن مشاهدة الاتجاه المعاكس تكاد تشبه طقس التطهر في التراجيديا الاغريقية، فالعرب الذين لم يعثروا منذ ثلاثين سنة علي قائد يستطيع أن يحقق لهم الانتصارات، أو يعيد لهم ولو سنتيمتراً واحداً من أراضيهم المحتلة، أو يمنحهم حق التفكير في الحرية حتي وهم تحت الدش دون خوف، وجدوا في الواقع التلفزيوني الافتراضي بديلاً مناسباً ومريحاً يعوضهم عن خيبتهم السوداء في واقعهم الحقيقي، ويمكنهم من النشوة بحلم الانتصارات، ويعدهم بأمل عودة كل الأراضي العربية المحتلة وصولاً إلي الأندلس، ويمن عليهم بساعة نعيم من الحرية التلفزيونية.
ومن هنا تأتي شعبية البرنامج الذي يدغدغ عواطف شعب يائس بائس غارق في الذل والمهانة والطغيان، حيث يجد فيه المشاهد العربي فرصة مريحة ـ خاصة وأنه يصله ديليفري إلي المنزل مجاناً ـ توفر عليه تكبد عناء الخروج في الطقس الحار أو البارد للمشاركة بأي مظاهرة حماسية عربية، سواء كانت للتضامن مع فلسطين أو لنصرة العراق، أو لشجب الهمجية الاسرائيلية أو للتنديد بالسياسة الأمريكية، فما عليه إلاّ أن يسترخي أمام الشاشة وبالشورت لو أراد، ليعيش نفس الحماس والانفعال وارتفاع ضغط الدم وتسارع نبضات القلب التي يحسها المشارك الحي في أي من تلك التظاهرات، بل ربما وبسبب من براعة القاسم في رفع مستوي انفعالاته إلي حدودها القصوي (والتي تصلح لتقديم إعلان ترويجي لمشروب الطاقة Red Pull أكثر مما تصلح لإدارة حوار بين شخصين راشدين يتمتعان بكامل قواهما العقلية) يمكن أن يصل الايهام التلفزيوني بالمشاهد إلي حد الاعتقاد بأنه ليس مجرد مشارك عادي يمشي علي أطراف المظاهرة أو في مؤخرتها، وإنما في مقدمتها وملاصقاً لهتّيفها.
مشكلة برنامج الاتجاه المعاكس أكثر من واحدة، فالساعة التي كان يتم نقاش وجهتي نظر فيها بقضايا فكرية وسياسية بألوان مختلفة، وتمس خلالها مسائل جوهرية حول أوضاع الحريات والديمقراطية في الدول العربية أو تسلط فيها الأضواء علي الاتجاهات التي تتحكم بالفكر العربي اليوم، وحتي مناقشة قضايا فنية مثل الدراما أو المهرجانات، تحولت منذ احتلال العراق إلي قضية سياسية بلون واحد تعاد كل مرة بمقاربة مختلفة، وكل مشاهديها يعرفون منذ بداية الحلقة أن البرنامج سيصل في نهايته إلي اعتبار الاحتلال الأمريكي كلب ابن كلب، والعدو الاسرائيلي ابن ستين كلب، وكل هدفهم من متابعتها هو إعادة الطقوس الكربلائية في جلد الذات وتدمية الأجساد.
ومشكلته أيضاً أن خطوطه الحمراء سواء الشخصية أو تلك التي تعني السياسة القطرية هي التي أصبحت تتحكم بالبرنامج، وأي مزاعم حول السقف المفتوح تجعل أبسط مشاهد عادي يتساءل، وهل أبو غريب هو السجن الوحيد في العالم العربي، ولماذا غابت مصر وسورية وباقي الدول العربية عن موضوعات البرنامج، ومن غير المنطقي أن يكون شعار لاصوت يعلو فوق صوت المعركة مبرراً لممارسة نوع من الحرية الانتقائية، بحيث تكون مع الحرية في بلد، وتتغاضي عن انتهاكاتها في بلد آخر.
ومشكلته الثالثة أن اختيار ضيفي البرنامج يتم علي أساس أن يكون الأول الذي يقف في صفه د. فيصل القاسم عادةً من حزب (خذوهم بالصوت أحسن ما يغلبوكم)، والثاني من فريق (كلما ضعفت حجتك علا صوتك)، وبمثل هذين الضيفين يتحول الحوار إلي مقابلة شخصية مع صاحب الصوت العالي، فلا يمكن أن يكون نجيب محفوظ مثلاً رابحاً في مواجهة وئام وهاب، وسيخسر أدونيس فيما لو كان مواجهه علي سبيل المثال ناصر قنديل، وهذا ما يعتبر قاعدةً لـ الاتجاه المعاكس .
أما مشكلة د. فيصل القاسم كمقدم للبرنامج فهي في اعتقاده بأنه يفتح جبهة أسبوعية على حسابه الخاص، وهو امر مقبول فيما لو صدر عن تنظيم أو حزب سياسي أو مناضل أيديولوجي لا عن إعلامي، وهي أيضاً مشكلة ممثل قدم دوراً في يوم ما وسمع تصفيق الجمهور لأدائه، فاختار أن يكرره لباقي عمره، دون أن يشعر بتغير الزمن والمزاج والقبول وحتي الموضة، ولهذا لم يعد لديه أي عمل في البرنامج، سوي التربيت علي يد الضيف الأول طالباً فرصة للكلام، ورجاء الضيف الثاني بمنحه دقيقة ليتحدث، فتصبح إدارته للندوة أقرب إلي مروّض الحيوانات الذي يطلب من الأسد أن يقوم بتمثيل عجين الفلاحة، ولكن الأسد للأسف لا يطيع دائماً!
القدس العربي 7/8/2006
08-أيار-2021
22-تشرين الثاني-2008 | |
تقرير العربية نت السينمائي الأسبوعي: فيلم "مطلوب": أكشن محكم لحدث مفتعل |
18-آب-2008 |
22-شباط-2007 | |
19-شباط-2007 | |
رقابة سورية التلفزيونية: معركة ذي قار تحتاج لموافقة السفارة الإيرانية |
04-تشرين الأول-2006 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |