وصلنا من الأستاذ الدكتور أبو يعرب المرزوقي هذه الدراسة المتعلقة بوجهة نظره في طرفي المعادلة ؛ العلمانيوين ، والمتشددون الإسلاميون. الموضوع معقد، وهام .. ولكي نفتح صدرنا لجميع الآراء الجادة وغير المتجنية والموضوعية .. ننشر فيما يلي الرسالة والموضوع ( وجهة النظر) منتظرين من المهتمين مناقشة الموضوع الهام الذي يطرحة الباحث الدكتور أبو يعرب المرزوقي ..الهام في الموضوع، والذي يسعدنا، أن هذا الموقع المتواضع استطاع أن يجذب شخصا كأبي يعرب المرزوقي وكثيرون مثله راسلونا دون أن يكتبوا شيئا خاصا حول الموضوع وإنما وجهات نظر هي في الغالب شتائم لاتسمن ولا تغني من جوع ..
نشكر أبا يعرب المرزوقي على اتساع صدره لقراءتنا .. والتعليق على ما ننشره من موضوع نعتبر أنه من أولوياتنا .. العلمانية ، الدين، السياسة، الجنس، ونتمنى فعلا اهتمام ذوي الاختصاص بوجهة نظر المرزوقي ومناقشتها .
ألف
تحية وسلاما
لست أدري من المشرف على الموقع حتى أتوجه إليه بالإسم لذلك فتوجهي سيكون للموقع دون تحديد تابعت تقززات بعض المقالات التي وردت في هذا الموقع قد يفهم منها أمران: أحدهما هو الغيرة على قيم الإسلام الحقيقية بالمقابل مع تشويهاته الشعبوية عند الفقهاء وهذا إن صدق أمر يذكر ويشكر والثاني هو الغيرة على قيم الحداثة الحقيقية بالمقابل مع تشويهاتها السطحية عند المقدلدين لقشور الحضارة وإذا كان الموقف الأول يعني أنكم تميزون بين الدين والشعوذة والموقف يعني أنكم تميزون بين الحرية الشخصية والتسيب المحسوب على الحداثة والغرب والحداثة منه براء فإني أود أن أعرض عليكم دراسة للظاهرتين تبين أن تركيز بعض كتاباتكم على ساخفات الفقهاء تجعل مواقف الموقع بهذا التركيز من نفس وهي ناتجة عن التخلي عن قيمة الحداثة الحقيقية قصدت فهم الظاهرات الشعوذة التي يكاد المجتمع الأمريكي والأوروبي وهو قي قمة الحداثة يفوق المجتمعمات العربية الانثروبولوجية في مجال الجسن فيما هو مثلها أو اكثر.ولو كان فكركم بناء حقا لتعلق بفهم الظاهرة وتفسير ها أنا أعرض عليكم الوصف الدقيثق لطبيعة الظاهرة وصلتها بالأدب والفن اللذين يبدوان هم موقفعكم الأول بل وبالعلم الذي يمكن من فهم هذه الخاصية الانثروبولوجية عللها للتمكن من تجاوزها التي لا يخلومنها مجتمع إنساني سواء كان متقدما أو متخلفا علكم بذلك تتحررون من التهويل: فالعلاقة بين الدين والشغوذة وبين الحب والبرنوجرافيا ووحدة هذه العناصر المتناضرة
اثنين اثنين من التجربة التي يختلط فيها المقدس والمدنس اختلاطا يتعالى على القيم منبع كل التجارب الروحية التي قد تكون أسمى ما في الإنسان أو أدنى ما عنده بحسب الرسمية ليكون قدراته التعبيرية عنها بوضفها مكونات التحربة الصوفية كما يتبين من التصوف الشعبي
أما الميل إلى التحليل السطحي الذي تمثله السيدة وفاء سلطان مقومات التي وجدت لديكم الترحيب المتواطئ حتى وإن بدا في إيرادكم اعتراضات محاورتها شيء من النقد وعدم الموافقة على مواقفها المغالية من الإسلام فإنه لا يليق بجماعة تدعي الفهم العلمي والتأويلي لأهم ظاهرات الوجدان الإنساني فتحولها إلى معركة مع الأزهر بنفس المنطق المتخلف الحداثة وتتخلى عن
والسلام
أبو يعرب المرزوقي
سبق فحللت خطاب بعض الناطقين باسم السلفية التنويرية (الإرهاب الرمزي) وخطاب السلفية التثويرية (الإرهاب المادي) دون أن أبين وجهها الدونكيخوتي بصنفيه الديني والعلماني التقليديين الدنكيخوتية التي تعبث بالرأي العام الشعبي من خلال مصارعة نواعير الهواء جبنا يحول دون أصحابها ووقوف الموقف الشجاع المناسب لأفكارها. فهم بصنفهيم يؤرجحون شباب الأمة بين توهمات البطولة و تهويمات السفولة كدنكيخوت مع تقليد ينسون فيه القولة الشهيرة بأن التاريخ عندما يتكرر ينحط في الثانية من شمم المأساة إلى حضيض الملهاة: فلا فولتير أو روسو ولا شي جفارا أو جياب بقابلين لأن يتكرروا إلا في نسخ مشوهة هي ما نراه عند غلاة التنوير والتثوير العربيين!
لذلك فأغلبهم هو في الحقيقة الحليف الموضوعي والذاتي لعقيدة أنظمة الاستبداد المحلي ونظام الاستبداد العالمي الذي يحكم العالم مباشرة أو بواسطة أنظمة بلدانهم الاستبدادية. وهم لو فرضناهم جدلا بلغوا إلى سدة الحكم لكانوا من جنس الحكام الحاليين أو ربما أشأم. وما معارضة بضعهم الصالونية للأنظمة المستبدة في الداخل واستعمال معولهم الدائم لتهديم الحصانة الروحية مهما أوهموا بأنهم يجادلون في تشويهاتها لا حقائقها بقادرة على مخادعة أي كان لما تبين من حلفهم الذاتي والموضوعي مع أسيادهم في الداخل المتحالفين مع سيد أسيادهم رب العالم في حربه النفسية على الشعوب المستضعفة.
فها نحن نرى متزعمي التنوير بعد أفول عصره يجمعون بين سوء التدبير وكثرة التقعير- تماما كما حدث لدونكيخوت بعد أفول عصر الفروسية- فيتصرفون تصرف المعتزلة سعيا إلى تأسيس دكتاتورية إيديولوجية رسمية خدمة للطغيان دون مشروع المأمون والمعتصم قد يشفع لهم ولم يبق إلا فقدان الحكم شرعيته الطوعية وآل إلى سلطان مرتزقة الجيش. هاهم يصارعون النواعير التي لم يعد أحد يطحن حبه فيها ويغازلون الدكتاتورية الاستئصالية على المستويين الوطني والدولي. وها نحن نرى متزعمي التثوير بعد أفول عصره كذلك تماما كما حدث للخوارج يعودون إلى تهديم كل معالم الحضارة ليأفغنوا الشعوب الإسلامية ويصوملوها خلطا بين المقاومة التي تبني شروط الحضارة والتهديم الذي ينكص إلى قيم الجاهلية والبداوة رغم طلائها الظاهر بقشور الفقه الإسلامي.
يعلم كلا الحزبين أنهم قد خسروا المعركة بكل أبعادها منذ أن بدأت ثورة التحرير العربية الثانية الثورة التي كانت علامتها الأوضح بداية الاستعمار المباشر الثاني في العراق وأفغانستان ومنذ أن عادت إلى كل بلاد العرب بلا استثناء القواعد العسكرية. فالتنوير والحداثة والتثوير والحرية تغير صفهما وأصبحا بيد ثلة من مخلص العلمانيين والإسلاميين المؤثرين في التاريخ الكوني إيجابا بسعيهم لتحقيق القيم السامية وسلبا بحرب أعداء هذه القيم عليهم.
فبمجرد الانخراط في هذه العملية التحريرية الثانية تركت الحثالتان تنحطان إلى احتراف الثرثرة في ما يظنه أصحابهما معركة التنوير فإذا هي صراع بينهم وبين بعض المتخلفين من فقهاء الأزهر إذ يفتون في إرضاع الكبير وشرب البول المقدس. وإذا قصدهم الحقيقي الحملة المسعورة على كل قيم الأمة دون أن يعلموا-للجهل المطبق بزعمائهم- أن كل التنوير الغربي الذي يلجأون إليه في مصارعة الخرافة تجاوزتهم إليه الأمة منذ القرن الرابع عشر الميلادي لما كتب ابن خلدون مقدمته. كما تركوا الثانين ينزلون بمعركة التثوير إلى ما يشبه حروب القبائل كما في دولة طالبان ودولة المحاكم ومصارعة بعض المتخلفين من أمراء الحرب إذ يعودون بالشعوب إلى ما دون البداوة البادية.
ما أريد وصفه في هذه المحاولة وصفا يحدد طبيعته الفلسفية فييسر علاجه استكمالا لتحليل خطاب القاعديين ودنكيخوتيتهم في غير موضع هو تحليل خطاب بعض التنويريين ودنكيخوتيتهم لبيان معضلتهم الأساسية منطلقا مما يبدو لهم أكثر الأشياء دلالة على عمق فكرهم وعلى صحة نظرتهم أعني من الفتويين الأخيرتين اللتين تفضحان طبيعة نقدهم فضحها طبيعة الموقف الذي يقفه القائلون بهما: فتوى رضاع الكبير وفتوى شرب البول المقدس. ويقتضي ذلك تحقيق غايتين أولاهما تمهد للثانية منهما وهي القضية الأساسية التي تتفرع عنها مسائل هذه المحاولة:
الأولى هي تصنيف هذه النخب التي تركز على التفاهات لتلهية الجماهير عن قضاياها المصيرية ومن ثم فأصحابها يوجدون على هامش التاريخ.
والثانية هي تحليل طبيعة الظاهرة التي لو فهمت على حقيقتها لتبين أن ما ليس بعادي هو عدم اعتبارها أمرا عاديا.
تصنيف النخب الدنكيخوتية
قل أن تجد من يجهل أن دونكيخوت الاسبان من مخلفات أمراض الخيال الوسيط: فروسية وهمية يصارع صاحبها أذرع النواعير في هضاب أوروبا الوسيطة وسفوحها. ولا أظن مثقفي التنوير والتثوير الاستبداديين بدرجتيهما (بالاستبداد الداخلي وعند اللزوم بالدبابة الأمريكية) رغم خلو الوطاب يجهلون ما شاع في أدبيات الجدال بين الفرق من وصف المعتزلة بصفة مخانيث الخوارج دلالة على كونهم مثلهم من حيث القصد ودون شجاعتهم في الذهاب إلى غاية موقفهم. ويبدو أن لكل عصر وحضارة دونكوخوتهما ومخانيثهما رمزا إلى الفروسية الوهمية في النزال والجدال: أحدهما يرمز إلى اضطراب في العمل الفعلي والثاني إلى اختلال في العمل الرمزي فيشوشان على فعل التاريخ الحر والمستقل بتعطيل الإبداع الرمزي والمادي وتشجيع التقليد إما للماضي الذاتي أو للماضي الأجنبي.
ذلك أن شعوبنا أصبحت حالها تتردد بين نوعين من الإرهاب أحدهما مادي وتمثله القاعدة المعلومة وهي في مصطلحنا هنا سلفية التثوير التي تخلط بين الأصالة أو ماضينا ومثال الحياة الدينية الأعلى والثاني رمزي ويمثله ما يناظر القاعدة حتى وإن لم يجتمع تحت اسم واحد وهي في مصطلحنا هنا سلفية التنوير التي تخلط بين الحداثة أو ماضي الغرب ومثال الحياة الدنيوية الأعلى وذلك منذ أن توقفت الحرب الباردة:
فالإرهاب العلماني الذي لم يبق منه إلا بعده الرمزي ممثلا بسلفية التنوير من الليبراليين الجدد وهم في الحقيقة ورثة اليسار اليتيم بعد وفاة الإشتراكية السوفياتية والأنظمة العربية القومية التي كانت تحالفه.
والإرهاب الديني الذي لم يبق منه إلا بعده المادي لسلفية التثوير من القاعديين الجدد وهم في الحقيقة ورثة اليمين اليتيم منذ ولادة الإمبراطورية الأمريكية التي لم تعد بحاجة للحلف مع الأنظمة العربية الدينية.
أما غالبية التيارين العلماني والديني أعني المخلص منهم لقضايا الشعوب والإنسانية فإنهم كانوا ولا يزالون يحاولون المشاركة في تحقيق شروط النهوض إلى أن باتوا اليوم يشاركون مباشرة في عمل التاريخ الكوني كما يتبين من صراعهم المقاوم لإمبراطورية الشر الرمزي (إسرائيل) وإمبراطورية الشر المادي (أمريكا) في الأرض العربية خاصة والإسلامية عامة وفي العالم بصورة أعم. لكن دناخيت العرب أعني حثالة العلمانيين وحثالة الدينيين الذين صاروا يتامى منذ نهاية الحرب الباردة فإنهم يترددون بين الإرهاب الرمزي باسم التنوير والإرهاب المادي باسم التثوير كما ترددت الخوارج ومخانيثهم في الماضي بين الإرهابين.
لكنهم يضيفون إلى هذين المرضين ما بات بينا للعين المجردة الحلف الموضوعي بل والذاتي مع أمريكا وإسرائيل على تهديم كل مقومات الأمة. فكلا الفريقين يستمد وجوده من ثمرات تطرف الفريق الثاني والضحية ليس هو إلا الوعي الشعبي الذي يتلاعب به قسم من المثقفين القدامى بفتاواهم السخيفة وقسم من المثقفين المحدثين بتركيزهم الأكثر سخفا على هذه السخافات. فقد حولوها إلى نقد للدين ذاته بأسلوب هو أيضا من جنس الفتاوى وإن بمرجعية مختلفة: فقهاء السلطان الداخلي في المؤسسات الدينية والثقافية المحلية وفقهاء السلطان الخارجي في المنظمات الدولية والمؤسسات الثقافية الدولية. وكلاهما يدل موقفه على الخلط بين الدين والشعوذة أساسا لفتاوى رجال الدين ونقدها العلماني وعلى الخلط بين الحب والبرنوغرافيا أساسا لفتاوى رجال العلمانية ونقدها الديني.
وبذلك فإن البعض من النخب العربية يشبه دنكيخوت في ما يريد أن يقحم الأمة فيه من معارك وهمية وهي نخب تقبل التصنيف السياسي التالي الذي يصح عليها منذ نهاية الحرب الباردة. فهي تتألف من صنفين مضاعفين بعد أن تميزت في النخبتين الحاكمة والمعارضة معايير الفرز الواضحة بين الإخلاص للقيم الإنسانية والعمالة لأعدائها ليس في مستوى الأوطان فحسب بل في كامل المعمورة وخاصة منذ أن زالت الحجب التي تخفيها بما تمثله المقابلة بين القطبين في صراع الحرب الباردة.
فصنف نخب الحكم والمعارضة الرسميين وصنف أدواتهما في الزعزعة المتبادلة حسب صنفي الأنظمة العربية الحاكمة باسم الإسلام والحاكمة باسم القومية العربية قد تخلق فيهما صنفان جديدان يقبلان التحديد بمعيار لم يعد خاضعا للمقابلة بين القطبين بل ينطبق عليه معيار المقابلة بين الإخلاص للمصلحة الوطنية والقيم الإنسانية والعمالة الصريحة للقطب الواحد عداء للمصلحة الوطنية والقيم الإنسانية (مباشرة أو بصورة غير مباشرة) ذي الرأسين الرمزي (إسرائيل) والمادي (أمريكا):
صنف النخب ذات التوجه السلبي بفرعيها: أعني بقايا النخب التي كانت تؤدي دور أداة الأنظمة الدينية وحليفهم الأمريكي في زعزعة الأنظمة القومية وبقايا النخب التي كانت تؤدي دور أداة الأنظمة القومية وحليفهم السوفييتي في زعزعة الأنظمة الدينية.
صنف النخب ذات التوجه الإيجابي بفرعيها: أعين النخب اليسارية الحقيقية التي كانت متحررة من التبعية للاتحاد السوفياتي واليمينية الحقيقية التي كانت متحررة من التبعية للولايات المتحدة وكلتاهما كانت ولا تزال تسعى إلى تحقيق شروط النهوض المنظم وعلى علم بأدوات الفعل التاريخي الوحيدة الممكنة أعني الاجتهاد (العمل على علم) والجهاد (استعمال القوة الشرعية مقاومة وقياما).
طبيعة الظاهرة وطابعها العادي
سيتبين لمن يحلل الأمور بموضوعية أن العلمانيين يشتركون مع الأزهريين في حصر همهم الأسمى في مواضع نواقض الوضوء حتى وإن كانت الغاية مختلفة: كلاهما تدور فتاواه حول هذه المواضع بل لعلهم يشتركون في ممارسات تجعل هذه المواضع الهم الأول والأخير لفكرهم ووجدانهم.
والمبدأ الأساسي الذي يفهمنا هذا التماثل هو المبدأ الذي ينتج عنه المعادلة التالية: فنسبة الشعوذة إلى الدين السوي في فتاوى الدينيين ونقد العلمانيين لها هي عينها نسبة البرنوغرافيا إلى الحب السوي في فتاوى العلمانيين ونقد الدينين لها. ومن ثم فلمواضع نواقض الوضوء نفس المنزلة في إيديولوجية الحزبين وفي النقد المتبادل بينهما. وهذه قضية كونية: عندما ينكص الإنسان إلى هموم الحيوان الأولى فإنه يعود إلى ما له علاقة بأهم مقومات الحياة من حيث هي حياة سواء في تصورها الرمزي الذي ينحط إلى حد يجعل الدين شعوذة أو في تصورها المادي الذي ينحط إلى حد يجعل الحب برنوغرافيا. فيصبح البرنوغرافي مصلحا دينيا ويصبح المشعوذ مصلحا خلقيا ! تلك هي الحال التي تردى إليها دنكيخوت العرب من المثقفين الذين فقدوا دورهم في معركة التحرير الوجودي بالمعنيين التاريخي وما بعد التاريخي !
وإذن فالفرق الوحيد بين الموقفين هو أن مفتيي الشرع المتخلفين يتحدثون عن بعض ظاهرات الشعوذة وهي تدور حول مواضع نقض الوضوء ومفتيي الوضع المتخلفين يتكلمون على بعض ظاهرات البرنوغرافيا وهي تدور حول نفس المواضع ويخلطون ذلك مع معركة الحريات الأساسية: بل هم يعطلون هذه المعركة لأن الأنظمة العميلة مكنتهم من كل فنون الرذيلة حصرا للحريات في ما يدور حول مواضع نقض الوضوء التي صارت مباحة في الساحة بل هي أصل البديل من العمل والفلاحة قصدت التبزنيس والسياحة. لكن الجميع يخلطون بين الدين والشعوذة في فتاوى حقوق الله ونقدها وبين الحب والبرنوغرافيا في فتاوى حقوق الإنسان ونقدها.
لذلك ترى هؤلاء في كلامهم على الحب بمفهومهم الحديث يفتون بما هو أبشع من رضاع الكبير ومن شرب البول المقدس معتبرين ذلك من علامات الحداثة والتحرر فيعجب المرء من استبشاعهم كلام الفقهاء الذين يتكلمون في نفس الموضوعات وإن بمعنى مقابل. ولست أبين ذلك من باب القبول بالشذوذين في الشعوذة والبرنوغرافيا البديلين من الدين والحب ولا من باب عدم استسخاف الفقهاء ونقادهم المتكلمين في مثل هذه التفاهات بل من باب بيان تساوي الحزبين في التفاهة والانحطاط الفكري إذ يركزون على انحرافين يدمنون عليهما ويكادون يحصرون فيهما معركة الأفكار.
فالخلط بين الدين والشعوذة عند فقهاء الشرع من هذا الجنس وعند نقادهم من العلمانيين والخلط بين الحب والبرنوغرافيا عند فقهاء الوضع من هذا الجنس وعند نقادهم من الدينيين هما طبيعة الظاهرة الأساسية التي يدور حولها هذا الجدل وفي تبادل التهم بين الحزبين اللذين يستحقان من ثم الوصف بالدنكيخوتية بل هما السمة الأساسية للحزبين ليس في تبادل التهم فحسب بل وكذلك في حقيقتهما الفعلية. ويكفي للاقتناع بهذا مراجعة مواقع الحزبين وإحصاء ما يدور من كلام على فتاوى فقهاء الشرع المزعومة (والمواقع لا تحصى) وفتاوى حكماء الوضع الموهومة (مثل موقعي ألاف والأوان). وسأميز في هذه المحاولة بين أمرين:
الأول هو الفتاوى التي يسخر منها النقاد ودلالة هذه السخرية إذا حللناها بموضوعية.
الثاني هو الظاهرات التي يتعلق بها الإفتاء والنقد ودلالة عدم فهم طبيعتها إذا حللناها بموضوعية.
فأصحاب الفتوى من الحزب الديني وأصحاب النقد من الحزب العلماني (وهو نقد مستند إلى فتاوى ضمنية سنرى طبيعتها وطبيعة مرجعيتها) لا يخلو الأمر من أن يكونوا صادقين وذلك حد "عقلهم" أو منافقين ويستعملونها لغاية في النفس هي خدمة الأنظمة التي تستخدمهم. وكذلك الشأن عندما يفتي أصحاب الحزب العلماني وينقدهم أصحاب الحرب الديني. كما أن الظاهرات التي يدور عليها الكلام في الفتوى والنقد في الحالتين لا تخلو من أن تكون ذات دلالة حقيقية (وهي دلالة مطابقة لحالة الصدق في الفتاوى ونقدها) أو ذات دلالة مجازية (وهي دلالة مناسبة لحالة النفاق في الفتاوى ونقدها) عند كلا الحزبين. وتحليل هذه المعاني الأربع يؤدي إلى بيان العلل التي أوجدت هذه الدنكيخوتية العربية عند بقيتي التوظيف الإرهابي بعد نهاية الحرب الباردة: بقايا توظيف الدين لزعزعة الأنظمة القومية وبقايا توظيف العقل لزعزعة الأنظمة الدينية خلال الحرب الباردة. وبذلك تكون المسائل التي تحتاج إلى فحص كما يلي:
الفتاوى الصادق أصحابها من كلا الحزبين الديني والعلماني ماذا تفيد ؟
الفتاوى المنافق أصحابها من كلا الحزبين ما ذا تفيد ؟
الظاهرات التي تتعلق بها الفتاوى عند أخذها في دلالتها المجازية ماذا تفيد؟
الظاهرات التي تتعلق بها الفتاوى عند أخذها على حقيقتها ماذا تفيد ؟
وأخيرا علل وصفنا لهذه الظاهرة والفتاوى المتعلقة بها إيجابا وسلبا بالدنكيوخوتية العربية ودلالته.
الفتاوى الصادق أصحابها من كلا الحزبين الديني والعلماني ماذا تفيد ؟
ليس يمكن لأحد أن يجزم بأن كل المدمنين على الكلام في هذه الأعراض العجيبة التي وصفنا ممن يشك في إخلاصهم للدين أو للعقل بل يمكن أن يكون بعضهم حقا من الصادقين حتى وإن كان ذلك دالا في الأغلب على نكوص أصاب النهضة حتى كادت تصبح مدار حرب أهلية بين سلفيتين إحداها تريد العودة إلى ماض أهلي ترفعه إلى درجة التطابق مع المثال الأعلى من قيم الدين فتحطه إلى الشعوذة أو الفيتيشيزم الأخروي (تقليد الصدر الذي هو ماض ذاتي وهو أمر مستحيل) والثانية تريد السعي بنا إلى ماض أجنبي ترفعه إلى درجة التطابق مع المثال الأعلى من قيم العقل فتحطه إلى الشعوذة الدنيوية أو الفيتيشيزم الدنيوي (تقليد الحداثة التي هي ماض أجنبي وهو أمر مستحيل).
ويكاد كلا الحزبين يجمع أغلب معتنقيه بأن حربهم تصدر عن تناف مطلق بين الدين والعقل بعد أن انحطا إلى شكلي الشعوذة والبرنوغرافيا في حين أنها ناتجة عن طلبهما المستحيل إذ يزعمون اللحظتين التاريخيتين من ماضينا أو من ماضي الغرب ممثلتين الدين بإطلاق والعقل بإطلاق تمثيلا يتطابق فيه المثال والواقع وما آل إليه موقفهم الذي ينطلق من منطق الفعل ورد الفعل منذ أن استحوذ نواب الاستعمار الثقافي على مقاليد الأمور فسعوا إلى التحديث الاستبدادي فكان أن انكمشت الشعوب في ردود فعل تراوحت بين اللامبالاة والعنف الشعبيين وما ينتج عنهما من توظيف في المعارك الدنكيخوتية.
لا شك إذن أنه يوجد في المنتسبين إلى هذين الحزبين من هو صادق في معتقده وهؤلاء لا يمكن أن يكونوا مصدرا لإشكال يمتنع علاجه. فلا العقلاني ولا الروحاني يمكن أن يكونا مستبدين إذا صدقت منهم الطوية في طلب الحقيقة والعمل بالروية. ذلك أن كل صادق عقده دينيا كان العقد أو عقليا يمكن لمجرد صدقه الكلام معه كلاما قد يبعده عن خطأ وقع فيه بغير وعي أو لجهل أو لسوء فهم. فلا تكون الظاهرة ولا ما يتعلق بها من فتوى ونقد من الأعراض المرضية بل هي من عودة الوعي التاريخي إلى التنافس القيمي الذي هو من محركات التاريخ الأساسية. لذلك فكلامنا لا يتعلق بهؤلاء الصادقين من كلا الحزبين إذ هم يمثلون السواد الأعظم في التيارين بل الكلام مع المتلاعبين بالرأي العام الشعبي بالفتاوى التي تقدم على أنها تثوير وبالرأي العام المثقف الذي يقدم إليه النقد وكأنه فعل تنوير في حين أنه عين التغرير في حربهم على المقومات باسم الرد على ما يعلم الجميع أنه من الشعوذات.
ويعلم الجميع أن الخلط بين الدين والشعوذة وبين الحب والبرنوغرافيا ليسا بالأمر الجديد في حضارتنا فضلا عنهما في الحضارات الأخرى بل هما يمثلان ظاهرة واحدة عرفتها حضارتنا وكانت عملية التنوير قد بدأت بها منذ القرن الرابع عشر للميلاد لإصلاح مفهوم التنوير والتثوير: إنها ظاهرة التصوف الشعبي الذي يختلط فيه الدين والشعوذة والحب والبرنوغرافيا لواطا وسحاقا وسلطان كرامات وأولياء (تحليلات ابن تيمية) وبين العمل السياسي المنظم والحركات الثورية الفوضوية باسم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر (تحليلات ابن خلدون). ويعلم كل من هو مطلع على فكر هذين الرجلين أنهما قد حاولا تحرير الدين والسياسة من الخرافة والوهم والعودة بهما إلى ما يمكن أن يحررهما من الشعوذة والبرنوغرافيا ومن توظيفهما في السياسة. وبفكر هذين الرجلين بدأت النهضة لما كانت سوية وقبل أن تنكص بتأثير من الحرب الباردة التي صنعت لنا الإرهابين في الوطن العربي: فالإرهاب الديني كان حربا من الأنظمة الدينية وحليفها الأمريكي على الأنظمة القومية وحليفها السوفياتي والإرهاب العلماني كان حربا من الأنظمة العلمانية وحليفها السوفياتي على الأنظمة الدينية وحليفها الأمريكي. والدنكيخوتية العربية هي بقايا هذين الإرهابين رغم أن الإرهاب العلماني لم يبق منه إلا بعده الرمزي والإرهاب الديني لم يبق منه إلا بعده المادي.
الفتاوى المنافق أصحابها من كلا الحزبين ما ذا تفيد ؟
لكن هذه الظاهرة بفرعيها والتي نحللها لنبين طبيعتها ما هي صارت مطية للبعض ممن يفسد التنافس القيمي الصحي في المجتمع فيوظفه في معاركه السياسية الداخلية أو في معركة الهيمنة العالمية على الثقافات التي بحصانة أهلها شيء من الضعف والوهن. فالفتاوى الدينية (باسم حقوق الله أو الشرع) والفتاوى العقلية (باسم حقوق الإنسان أو القانون الوضعي) لم تعد إلا مجرد أداة وسلاح يرفعهما المتصارعان في المعركة الدنكيخوتية التي نتلكم عليها. ويلجأ أحدهما إلى الرأي العام الشعبي المحلي لتهييجه ضد كل فعل تنويري حتى عندما يكون صادقا في حين يلجأ الثاني إلى الرأي العام النخبوي الغربي لاستعدائه ضد كل تأصيل حتى عندما يكون صادقا. فلا يكون القصد في الحالتين البحث في شروط التطوير السوي والسلمي لقيم الشعب والنقد المتزن لكلتا المرجعيتين بل مجرد استفزاز الشعب ومعاملته وكأنه أمة بهائم احتقارا واستهزاء.
وهذه هي جماعة الأعراض المرضية التي ينبغي علاجها لأنها هي التي تمثل علامات النكوص الذي أشرنا إليه. فمن حق كل النخب وفي كل الشعوب أن تتجادل حول مسائل القيم دينية المرجعية كانت أو عقليتها لكن ليس من حقها أن تحولها إلى مجرد سلاح لتهديم مستقبل التطور السوي والحر لثقافات الشعوب المضطهدة واضطهادها باسم مرجعية الدين أو مرجعية العقل اللتين صارتا معصومتين: فالناقد لتوظيف المرجعية الدينية يصبح في عرف أصحاب الفكر التبسيطي خائنا للأمة والناقد لتوظيف مرجعية العقل يصبح خوانجيا. ومثلما أن تهمة خوانجي أصحبت عند الحزب التنويري المزيف ليس مجرد تهمة فكرية فحسب بل هي باتت وشاية تحرض الأنظمة الحاكمة على الخصوم لإزاحتهم فإن تهمة الملحد تمثل عند الحزب الديني المزيف وشاية تحرض الشعب على الخصوم لإزاحتهم. أما من اجتمع عليه الحزبان فوجهت إليه التهمتان مثلي فحدث ولا حرج !
الظاهرات التي تتعلق بها الفتاوى عند أخذها في دلالتها المجازية ماذا تفيد؟
لم ينتبه الدنكيخوتيون العرب إلى أن تصوراتهم تقتضي بالجوهر أمورا تتنافي مع العصر رغم أن ريقهم البارد لم يمكنهم من فهم أنها تؤول جميعا إلى التنوير أو التأصيل القسريين اللذين يفترضان نخبة استبدادية تحقق أمانيها بالانقلابات العسكرية كما بدأت منذ الثورة الفرنسية عند التنويريين ومنذ الخميني عند التأصيليين إلى آخر مراحل الحرب الباردة وأنها مبينة على عبادة أوثان سواء كانت باسم الدين أو باسم العقل وهي تؤدي في الواقع الفعلي عند الفريق الأول إلى ما هو أبشع مما يستبشع الفريق الثاني والعكس بالعكس. وليكن مثالنا قضية البول المقدس التي يتكلم عليها التنويريون نقدا لفتوى مفتي مصر الذي كنت أعرفه أستاذا حكيما قبل أن يبتلى بخطة الإفتاء.
ولنبدأ بمفعولها الرمزي فهو أبشع من مفعولها المادي. فإذا كان الكلام عن شرب البول المقدس رمزيا فإنه لا يكون إلا من أساليب التعبير عن النفاق السياسي لمن بيده السلطان (أي إن فاعليها كانوا يتقربون سياسيا إذ لا يمكن أن يكون حب النبي بهذا الغباء) بعبارة موقع ألاف أو الأوان أو غيرهما هو المنقود عند المنافق من مفتيي الحزب الديني من أجل تحالفهم مع بعض الأنظمة فإن الكلام عن شرب بول أنجس خلق الله لنفس الغرض السياسي يثبتها طبيعة صلتهم المعلومة بأولياء نعمتهم في بعض الأنظمة الأخرى بل إن نفس الأنظمة قد تستعمل كلا الضربين من المفتين لئلا يجد أحد النوعين ما يضحك به من الآخر لكونهما في الهوى سواء أو ليستفيد من تنافسهما تفانيا في خدمته: حتى إن الذل والمهانة التي عرف بها هؤلاء المثقفون من الحزبين في تمسحهم على أعتاب أرباب السلطان قد تصل إلى القبول بأكثر من شرب البول بالمعنى الرمزي من أجل البقاء يوم زائد على كرسي حتى بعد أن فقد ما هو في العادة من مغرياته.
فإذا كان الفقيه المنافق يبرر بفتواه السخيفة شرب إنسان عامي من بول من يعتقد أنهم من أولياء الله- عله يستمد من ذلك سلطانا بوصفه القيم على البول المقدس !- فإن ناقده المنافق لا يكتفي بتبرير شرب بول من يعتقد أنه مثله من أولياء الشيطان بل يساعده في إشراب ما هو أكثر من البول نجاسة لشعبه. فأنت تراهم في الصحافة الرسمية وفي أجهزة الدول التي تستعملهم استعمالها للفقهاء يسقون شعوبهم ما هو أنتن من البول. ثم هم يضيفون إل انحطاط الفقهاء وغبائهم في مثل هذه الفتاوى خدمة العدو الخارجي بهذه الحرب التي ليس المقصود بها نقد الفقهاء إذ هم من نفس الطينة بل هم يشنونها على ما ترمز إليه الأحداث التي يساء تأويلها بردها إلى سوء استعمال الفقهاء لها في ردود من لا حيلة له في الصراع مع دنكيخوات التنوير الاستبدادي العربي.
الظاهرات التي تتعلق بها الفتاوى عند أخذها على حقيقتها ماذا تفيد ؟
لكن الأحداث نفسها فضلا عن الفتاوى التي يسيء الغبي من الفقهاء استعمالها كان ينبغي للتنويريين ألا يستغربوها من العامة وفي عصر غير العصر بل وحتى في كل العصور: فليس للشعوذة والخرافة في أذهان العامة حد أيا كان مستوى الأمة التي ننظر في سلوك شعبها من الولايات المتحدة إلى أدغال إفريقيا أو آسيا. لكن التنويريين رغم انتسابهم إلى الخاصة يؤمنون ببعض ما يتصورونه من أهم علامات الحداثة وقيمها يؤمنون بها قولا وفعلا وهي أمور عند التحليل وحتى بمنطق العصر أكثر مما يستغربون منه وبالمعنى الحقيقي وليس بالمعنى المجازي فحسب. وليس عجبي من سلوك الحداثيين ولا من سلوك العامة. فقيم الأشياء يحددها أفق الفهم العام والحال التي عليها نفسية الذات العامة المحددة لخاصيات الإدراك العاطفيةBefindlichkeit سواء كانت هذه الذات فردية أو جماعية بل أعجب من عدم انتباه الحداثيين إلى وجه الشبة بين سلوكهم مع ما يعتبرونه جديرا بأن يعبد ويقدس من منظورهم وسلوك من يسقذرون منه ما فعل مع ما يستأهل أن يعبد ويقدس من منظوره إن صح أنه قد وجد من كان يستلذ بالشرب من بول الرسول: فكلتا الظاهرتين تفسران بنفس الدافع حتى وإن اختلف موضوعه اعني الحب الجنوني للمعبود أو لما له به صلة.فهذا الجنون هو الذي يؤدي إلى الخلط بين الدين والشعوذة عند العامة والى الخلط بين الحب والبرنوغرافيا عند الخاصة.
كل إنسان يمكن أن يصل به جنون العشق إن كان صادقا وخبث التوظيف إن كان منافقا إلى مثل هذا السلوك لأن الاستقذار والاستعذاب ليسا ناتجين عن صفة موضوعية في الأشياء المستقذرة أو المستعذبة بل عن حال القائم بالتقويمين اللاإرادي وقصده الإرادي. فإذا كان الشيء في محل المعبود أو في محل ذي الصلة به حقا أو كان القصد إظهار الأمر وكأنه كذلك نفاقا حصل ما هو اغرب مما يهزأ منهم سخفاء التنوير بل نحن نراهم يعملون ما هو دون ذلك عقلا ورشدا.
ولنسأل متنورينا في المواقع والصحف التي يعتبرها أصحابها وكيلة العقلانية والذين يتجاوز هزؤهم الفتوى إلى الظاهرة التي تتعلق بها الفتوى ألستم تستقذرون شرب البول المقدس ؟ وإذن فليكن الكلام في الظاهرة نفسها: هل فيها ما يستغرب الاستغراب العامي إذا كان المرء للحق طالبا؟ فمن منكم لا يعتبر من علامات الحداثة بعض الممارسات التي هي بكل المقاييس أقذر من ذلك ولكن من منطلق عبادة ضرب آخر من المقدسات عندكم ؟ أليس من فنيات الحب الحديث عند البعض منكم ممارسة المتنورات أكثر من شرب بول الرسل؟ ألا تذهب بالملاعبة الإعدادية للجنس ما يتجاوز أحيانا البرنوغرافيا فتلحس المتنورات عضو عشيقها إلى حد الاستمناء ؟ من أدراها أنه ليس فيه من البول مع المني بقية ؟ ألا يفعل بعض المتنورين بفرج الإناث ما تفعل الإناث بفرج الذكور ؟
أليس من حريات المثليين عند البعض منكم بل ومن حقوق الإنسانية التي تفاخرون بالتذكير بنصوصها أن يكون اللواط حقا وأنه لا مانع أن يذهب إلى ما يشبه ما وصفنا فيكون اللحس من قبل ومن دبر ؟ أو ليس من عادات المتنورين المقلدين لفنون الحب من يلحس كل الأعضاء المستلذة عندهم بما فيها الشرج حتى ولو غسلوه بالخمرة ؟ أليس الفرق هنا في طبيعة المعبود رغم أن العبادة من نفس الجنس فلم يستقذر فعل العامي ويعتبر فعل المثقف تقدما وتحررا ؟
وليس القياس بين أطراف المقارنة بل بين السلوكين لأننا نربأ بأنفسنا فنعتبر الأمرين من نفس الجنس بل ونشك في الخبر نفسه إذ حتى لو كان ذلك يحصل من العامة كما نراه في كل الشعوذات فإن النبي لم يكن ليسمح به على الأقل وهو حاضر إذ هو قد أسس لأهم ثورة في النظافة و "الهيجيان" العامة. لكن وجه الشبه موجود إذا ذهبنا بالمقارنة إلى الغاية وسلمنا بحصول الظاهرة المستقذرة هناك. أما وجودها هنا فلا حاجة لإثباته لأنه جزء من الحريات التي لا جدال فيها بين التنويريين المدافعين عن حقوق الإنسان. كلاهما فيه تعبير عن حب "فتيش" بلغ درجة عدم استقذار ما يستقذر لو عمل من غير الحال التي يؤدي إليها هذا الحب الجنوني. ولعل هذا الأمر من السلوك الإنساني الجنوني أشبه بما في حالات الضرورة الطبيعية التي تغير حال الإدراك عند الإنسان فلا يستقذر ما يستقذره في حاله الطبيعية: فمن يعطش بحد معلوم قد يشرب بوله ومن يجوع بحد معلوم قد يأكل خراه !
والفرق الوحيد أن من يهزأ منهم المتنورون يؤمنون بقيم أخروية فيقدسون ما يستقذره التنويري وأن ما يمارسه التنويري أساسه الإيمان بقيم دنيوية فيقدس ما يستقذره من يهزأ منه الديني. فيرجع كلام التنويري إلى كلام سخيف يعلق على أمر عادي يحصل عند كلا الفريقين وكل ما يمكن أن يكون العجب منه مقبولا هو استعمال الفقيه إياه في غير معناه الأصلي. فما كان يردعه الرضاع-عندما نصح به النبي- لم يعد موجودا فضلا عن كون الرضاع صار جزءا من أفعال الحب وهو أمر لم يكن موجودا عندما كان الرضاع رادعا للصلة الجنسية بالمرأة التي تصبح بعد الرضاع من الحرم. فبعد تغير دلالة الرضاعة يكون من السخف اعتمادها حائلا دون ما صارت أحد مقوماته بعد غلبة الخلط بين الحب والبرنوغرافيا !
وأخيرا لماذا وصفنا هذه الأعراض بعلامات الدنكيخوتية؟
ماذا يفيد ظهور هذه الأعراض الإرهابية بفرعيها الرمزيين وبفرعيها الماديين؟ ذلك هو الوجه المرضي من النهضة العربية الإسلامية التي يحاولون النكوص بها إلى معارك دونكيخوت بعد أن تحررت منهما في بداية النهضة فكانت تنويرية (ضد الشعوذة والخرافة رمزا إليها بالحرب على الزوايا والتصوف الشعبي في حركات التحرير) وتثويرية (ضد الاستبداد والظلم رمزا إليها بمحاولات تدريس مقدمة ابن خلدون في المعاهد الدينية) بحق لتحررها من صراع الحزبين المتقابلين اللذين كانا يتعاونان في معركة التحرير والتنوير؟ فالتنوير والتثوير اللذين يتكلم باسمهما مفسدو الحزبين العلماني والإسلامي لا يمثلان إلا البقية الباقية من الحرب الباردة. وهي بقية رغم استعمال العدوين الأمريكي والإسرائيلي لها في حربهما على مقومات الأمة وصمودها تبقى أمرا تافها على هامش التاريخ الفعلي الذي يصنعه التنوير والتثوير الفعليان.
فمن فهم هذه الحقيقة من شباب الأمة سواء كانوا علمانيين أو إسلاميين اتحدوا في صنع التاريخ بأداتية السياسيتين الوحيدتين أعني بأداتي السياسة الشرعيتين الشارطتين للنجاح في الصراع التحريري الجاري في كل مواقع البناء بدءا بالمقاومة (ساحات النزال لربح الحرب المادية) وتثنية بالقيام (ساحات الجدال لربح الحرب النفسية) من أجل إحياء قيم الأمة ورفع ما انحط من وعيها القيمي إلى مراتب الممكن من المثال دينيا كان أو عقليا في المستويين الرمزي والفعلي للإسهام في التاريخ الإنساني من منطلق الفعل لا رد الفعل.
أما هؤلاء الذين يحاربون نواعير الطواحين فإنهم بحزبيهم يرددون أسخف كلام ثم يتساخفون بعضهم البعض في مسرح يبكي أكثر مما يضحك لأن التقدمي فيه يتبين أنه أكثر رجعية من الرجعي والتأصيلي فيه يتبين أنه أكثر اغترابا من المغترب. إن هؤلاء الدناخيت التنويري منهم مثله مثل التثويري ليس عملهم بمختلف في شيء عن عمل أتباع القاعدة. لذلك اعتبرناهم مخانيثها. فهم الوجهان المرضيان من ساحة المعركة الرمزية مثلما أن التابعين للقاعدة هم وجها المعركة المادية المرضيان إذ الإرهاب المادي الذي تقوده يجمع مجانين اليمين واليسار السابقين من ذوي العنف المادي جمع الإرهاب الرمزي لمجانين إرهاب اليمين واليسار السابقين من ذوي العنف الرمزي حتى وإن لم تجمعهم بعد قاعدة لظنهم أنهم يمثلون القمة.
وليس ذلك كله إلا من ثمرات الفراغ الذي حصل بعد نهاية الحرب الباردة. فهم بصنفيهم ليسوا إلا خلايا الإرهاب التي أنتجها قطبا العالم والأنظمة العربية خلال تبعيتهما للقطبين سعيا منهما كليهما إلى التقويض المتبادل ومن ثم إلى تقويض مقومات الوجود السوي للأمة. وقد كانا متلازمين تلازم بقاياهما الحاليين في المعركة الدنكيخوتية التي وصفنا إذ إن أحدهما يتوجه إلى القطب الروحي وحصانة الأمة الروحية باسم قيم الدنيا والثاني إلى القطب المادي وحصانة الأمة المادية باسم قيم الدين دون أثر يذكر على التاريخ الفعلي الذي يجري في الساحة الثانية رغم ما يقدمانه من خدمات للدكتاتوريات الداخلية وللإمبراطوريتين الأمريكية والإسرائيلية مباشرة أو بتوسط خدمة الدكتاتوريات المحلية.
الخاتمة
إذا كان القصد بالتنوير تحقيق ثورة قيمية وكان ذلك يجري في عصر الديموقراطية فمعنى ذلك أن كل مدخل آخر غير مدخل التغيير الذي ينطلق من القيم التي تحرك الجماهير بطواعية لن يكون قابلا للنجاح وسيبقى دونكيخوتية مطلقة. فسواء نادوا بالديموقراطية الشعبية أو بالديموقراطية البرجوازية يبقى تحريك الشعوب للفعل الطوعي أي الذي لا يعتمد على العنف فعلا يقتضي أن ننطلق من التثوير الداخلي للقيم التي تؤمن بها الأغلبية دون استفزاز يدل على غباء المستفز وعدم فهمه غرائب الوجود الإنساني التي يدل استغرابها على ضيق الحوصلة وليس على سعة الأفق المعرفي فضلا عن الخلقي: إرهاب القاعدة الرمزية (غلاة السلفية العلمانية) يغذي إرهاب القاعدة المادية (غلاة السلفية الدينية) واستفزاز الشعوب في مقدساتها بحجة الثورة على الشعوذة حتى لو كان صادقا هو من الغباوة الإستراتيجية خاصة إذا كان ممارسه ممن يمارس ما أكثر منه شعوذة إذ لا فرق بين خلط الدين بالشعوذة توظيفا لحقوق الله في المعركة السياسية وخلط الحرية بالتسيب القيمي توظيفا لحقوق الإنسان في نفس المعركة.