الثقافة الآنيّة في سوريا.. وحدها تستمر
2009-06-15
إنذار بسيط يسبق الترويج الأبسط لأي نشاط تحتفي به الأمة السوريّة.. هذا البروتوكول الذي اعتدنا عليه منذ نعومة أظفارنا، اعتدنا على نعمة النسيان التي تليه مباشرةً، وبعد أي انجاز طبّلنا له وزمرّنا ليالٍ طوال، لننساه بعد ذلك ويتحول إلى ملفٍ من الورق المُصفرّ المُنتج وفقاً للمواصفات القياسية السورية، نودعه رفوف مؤسساتنا العتيدة مع التحذير من إتلافه ولو بعد ألف سنة ضوئية!!
الحديث عن أي ذكرى سنوية في سوريا يجرجر الأذهان إلى الاحتفال السياسي بالمرتبة الأولى، فهو الأبرز منطقياً وهو خارج دائرة النقاش حتى، لكن أين نحن عن الاحتفال أو التذكير بالمناسبات الأخرى التي توالت علينا منذ عشرات السنين؟؟ سؤالنا هنا لا يقتصر على المؤسسات التي تغفل عاماً بعد عام عن ممارسة دورها في التذكير بأي نشاط كان له وقعاً مؤثراً على تاريخنا، بل يتجاوزه للسؤال عن دور الأفراد وترسيخهم لهذه النشاطات لتصبح جزءاً من تراثنا السوري.
مؤخراً، أشهر محمد خلف المزروعي (مدير عام هيئة أبو ظبي للثقافة والفنون) مجموعة "فزعة" للعمل التطوعي، وهي مجموعة من الشباب الإماراتي المتطوّع لتقديم المساعدة والعون في تنظيم النشاطات والفعاليات التي تقيمها الهيئة بالإضافة للعديد من الجهات الأخرى التي لا تنحصر بالعمل الثقافي، كما يتجه عمل هؤلاء الشباب لخلق "تلاقح" ما بين ثقافة إمارتهم أبو ظبي وثقافات العالم المختلفة. ووفقاً لما جاء في الإعلام، تقوم الهيئة بتدريب المواطنين والمواطنات من ذوي "نزعة" الحفاظ على تراث بلدهم وثقافته، وبذلك يتميّز عناصر هذه المجموعة بأنهم على كفاءة عالية بالتدريب وفقاً لأساليب علمية متّبعة في تأهيلهم، لذا يقومون بدورهم في التنسيق للأحداث الهامة في إمارتهم التي يعتزّون بها.
هي مجموعة تضم الشباب وتعمل بدماء الشباب بالرغم من تطوّع العديد من المتقاعدين إلى جانبهم، تجمعهم رغبة واحدة في تمجيد تراثهم على ضآلته (مع احترامنا الشديد) أمام التراث السوري الغني الذي وقف هنا عاجزاً بأكمله أمام إمارة واحدة من الشقيقة العزيزة، لا تملك شيئاً يختلف عما نمتلكه نحن، عدا التفكير "اللوجستي" في إحياء الرموز الوطنية، والترتيب العلمي المُتـّـزن المقترن بمنظور على المدى الطويل!!
ربما نستبعد فكرة العمل التطوعي في تنسيق نشاطاتنا السوريّة والاحتفاء التذكيري بها، ليس كوننا شعب مُهمل كسول، بل لأننا نستبعد فكرة العمل ككل هنا!! يبقى الواجب المُلقى على أكتاف من لهم الصلاحية في تقرير احتفالنا وهم يقبضون رواتبهم لهذه الغاية، فهل من الصعب مثلاً إصدار طابع بريدي بين الفينة والأخرى تذكيراً بمناسبة هلل لها الشعب السوري يوماً؟؟ فيما سبق، "كنا" نقرأ -بمحض الصدفةً- سطراً يتيماً في صحفنا المحلية عن هكذا إصدار، لكن الأمر ليس بقصاصة بريدية، بل نحن نحتاج لحقنة أدرينالين لا تنشّط ذاكرتنا وأجسادنا فحسب، تدفعنا للقيام بـ فزعة" شبيهة بتلك الإماراتية. وكلمة "فزعة" الخليجية هذه تعني الهبوب للنجدة، وهنا يكمن الوقع الرائع حتى في اختيار اسم المجموعة التي قررت القيام لنجدة تراثها وثقافتها من الاندثار، دون انتظار التصفيق من حكومتها، بينما تتوقع حكومتنا منا التصفيق لها استباقاً لما قررت أن تودعه الأرشيف.
منذ فترة، كنت أنتظر صديقاً لي في كراج البولمان، ولأنني لست من النوع الذي ينتظر بصمت، تحرّشت بأحد عناصر شرطة الكراج الذي كان واقفاً بجانبي. في سياق الحديث، سألته: من هو رئيس الحكومة السوري؟؟ أجابني بعد أن تأكد أنني لا أمزح: وزير الداخلية!!
لا بأس، حديثي هذا كان عن تعاطي مسألة يومية مع شخص يُفترض به أن يكون على درجة عالية من الثقافة "الحكومية" لأنه يمثّل "واجهة" الوطن، وربما غياب الجهات الراعية لأي نشاط من شأنه رفع السوية الثقافية للمواطن السوري، ربما كان السبب الرئيس للتدهور الفكري الذي يعاني منه "واجهة الوطن" ذاك؛ وإن كانت هذي هي ثقافته الآنية، فلا عتب على ثقافته حول السابق. لا بد لنا من البحث "آنياً" عن طريقة تُحيي كل ما يتذكّره العالم عنا ونسيناه نحن، طرفة واقعية!!
سؤال وحيد ما زال ينخر قلبي منذ سنوات دون أن أفلح بالعثور على إجابة له حتى الآن: أين هو رائد الفضاء السوري محمد فارس؟؟
* نُشر المقال في مجلة "شبابلك" قبل استضافة محمد فارس على شاشة "المشرق" بستة أشهر.
رافع هزاع
[email protected]
08-أيار-2021
20-تشرين الثاني-2009 | |
13-تموز-2009 | |
15-حزيران-2009 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |