عبق الياسمين نص مشترك "الشاعرة الدكتورة هناء القاضي والأديب الروائي
2009-07-10
قالت العرافة:
كلما حضر الفتي تسكنني رجفة ويغادرني الكلام..يذهب النور عن عينيَّ.. لا أرى على كفه سوى بياض مثل دمع الصبح.. لا خطوط على الكف تأخذني إلى مفاتيح الدروب..
اقذف الودع على صدر الرمل.. يسقط الودع صريعا.. لا ينبس عن وشوشة ولا يصدر عنه همس ريح..
هل يموت الودع بعد الموت؟!!
أم أدرك الودع الصيام!!
يسحب الفتى كفه من يدي.. ترقص على شفتيه تمتمة ضاحكة مغمسة بإكسير الياسمين..
حال الفتى
كل مرة تغلق العرافة عينيها على عجز.. ترتجف, وتشيح عني.. يخرج صوتها من سرة الموت:
- أنت المرجوم بها يا فتى..
وأعود مع خسارتي, قابضا كفي على ريح غزتني وأقامت فيَّ..
تصبح الريح زوبعة..
تصبح عاصفة من ياسمين..
من يصدق أنني أعاشر امرأة من ريح بعيدة..
ومن مثلي, يقتات على العبق حتى ذروة الصهيل.. كلما اقترب من حافة الشبع يأخذه الوجد إلى جوع جديد..
هل يدركني الشبع يوما..
هل يخذلني الياسمين يا امرأة تسكنني زوبعة..
لا سحابة تحمل المطر إلى أرضي..
يا إلهي هل يغادرني الشتاء على جفاف..
أم تراني أنثر في فلوات الروح بذور الانتظار, وأقضي العمر على جوعي.. أقتات على رجع صدى تمطره ريح الجفاف مع همس امرأة بعيدة تنتظرني..
" يدي الممدودة لمساءاتك
أرهقها الانتظار
وأنت..
لم تعد..تسمع غنائي
ترتشفنا المسافات
إلاّ حضورك الدائم..
بين المدى والمدى
حكايات..نالها الشحوب
والصدى يتسول الذاكرة
شوقٌ محمومٌ..إليك
وموجٌ يشتهي الاحتضار
عند شواطيء عينيك "
متى تزهر بذور الحلم, وتصبحين سيدة الورود في حقولي..
أين أنتِ..
عبق الياسمين
يا بعيدي المسربل بالغياب, الراعف وجداً عند عتبة اللهفة.. هل حاصرتك الريح مثلي.. هل عشت العطش أوج الشتاء.. وهل دفعتك اللهفة إلى دروب الهذيان!!
اليوم يا أميري البعيد, الثلج يغطي الطريق, والشوق في قلبي حريق.. قدمي غاصت في الطرقات.. تصفر الريح من حولي.. والدروب خالية إلا مني ومنك.. أبحث عنك/ عني/عن بيتي العتيق..
لكنه مازال..
اسمك رغم الثلج محفورا على ذاكرة الطريق..
لن يضللني يباس الوقت عنكَ..
وإن غادرني العمر سأعبر الحلم إلى عمر جديد
فلا تأخذك الظنون, فأنا لا أتقن النسيان.. وقلبي مليءُ بك/ بالألوان..
أم تراكَ قد ذوى الحب في قلبك
وغاب عن عينيك البريق!!
فالريح من حولنا عاتية.. ليس لي غير الأمنيات..
" لو يتساقط بعضٌ من هذا المطر
في صحراء روحي
لأنبت..نخيلا وأشجارا...
وأزهيرا
وفجرّ أنهارا..
.تتغنجُ فيها المشاحيفُ
على ضؤ القمر "
حال الفتى
أغمضت العرافة عينيها, جاست أصابعها في دروب كفي.. شهقت دمعة على صفحة خدها.. راحت العرافة في الصمت حتى أدركها نوم قل هو الموت.. فتسمرت على رجفة بين النوم والموت.. فحضرتِ شاحبة.. دمعكِ على صفحة وجهكِ بلور غادره البريق..
صحت العرافة من نومها أو من موتها لا ادري.. قالت بصوت أعياه التعب:
- كل الدروب سد يا فتى.. كل الغيوم بلا غيث..
- لكنه الموسم شتاء ومطر؟!!
- انه وقت الغواية وموت الرحمة بين بني البشر..
- هي لي... تنتظرني.. تعبرني وشوشة ريح عند الغفوة أو عند السحر..
فجأة نهضت العرافة امرأة عفية.. صارت غزالة.. أخذتني إلى صدرها صارت نخلة تضرب جذرها في بلاد الرافدين.. هامتها مطرزه بعناقيد من نساء راغبات.. يصدحن غناءً وطرب..
فجأة صمتت العرافة.. فجأة داهمني الذهول قبل أن يأخذني الهيام..قالت العرافة:
- ما بك يا فتى؟
- هي ليست هناك.. غادرت عنوة بلاد الرافدين!!
ألقت العرافة الودع على بساط الرمل.. أرهفت السمع مليا.. ربتت على عين قلبي, قالت يوجعها الكلام:
- هي في دروب الحلم تنتظر عند ناصية الوجد, في وقت الحصار..
ومضيتُ كل الدروب يصادرها العسس.. وركبت إليكِ حصان الحلم الذي لا يخذلني.. حملني إلى ضفافك ونزفتُ على نزفك..
"..للرحيل أوان..
وللقاء مكان
هل جربت النوم..؟؟
فوق فراش القلق...
هل جربتَ الكتابة...
والحبر..ينزفُ
فوق ..الورق؟؟ "
عبق الياسمين
وحدي أسير في طرقات الذاكرة, لو تفتح لي نافذة للنسيان, لو امسح كل الوجوه من دفاتر الأيام, وأطبع وجهكَ على صفحات الدفاتر..
آه.. من وجع الآه في الصدر..
كم هو مؤلم يا سيدي, الجفاف في فصل الشتاء..
كم هو مفجع ربيع ما بعد الصقيع.. و..
" كل شيء يتطاير كالدخان..
وذاكرتي لا تجيد..
غير المشي في الهذيان
رذاذ.. ناعم
يبللُ معطفك الشتوي..
غير آبه..
تمرُ بأرصفتي!! "
قالت العرافة:
في غيبة الوقت يغلف الضباب وجه الأمكنة, وترحل المدن بعيدا.. ويهرع العشاق إلى مطارح محفورة في القلوب, يقتاتون بالذكريات حتى تخمة الفقد.. يصرخون بوجع لا يصل سواهم..
هل أدركها وجع الفتي, وهل نظرت في بياض كفها لتراه وقد تسلل إلى ما تحت الجلد, وعبر من بوابات خطوط الكف, وامتطى دفق الدم.. صار رجفة شوق.. صار نسمات من لهاث.. قلت أدلها إليه:
- افتحيي كفك يا بهية..
حال الفتى
من الذي يحملني إليك..!!
حصان الفرح يأخذني إلى ناصية الحلم, يقطع المسافات في رفة عين, فأراك في ذات اللحظة تمضغين تمر الفرات, وتشربين ماء النبع عند غرة عسقلان.. أنت هناك وهناك.. وأنا وأنت لم نطأ الأرض هناك.. أو هناك..
لكنه حصاني يصهل جامحا.. لا يتوقف عن المسير تحمل الريح صدى وشوشة بعيدة .. ارهف السمع..
" ثمة من.. يمتهن انتظار العابرين
هو..أنا
يتملكني..يقين
أنك ستمرّ بي..
ولو..
بعد حين.. "
فجأة ينبت على رأسي بعض ريش.. يصهل حصاني..
- ما الذي تعتمره يا فتى
- كيف لي أن اعرف يا حصان الوهم
صهل الحصان.. وتوقف عن العدو.. وهبطتُ عن ظهره.. كان الحصان يلهث كمن دخل السباق.. قال:
- رفة الحلم انتهت..
وصحوت.. كانت العرافة تسأل الودع عن حالي.. قالت:
- تلك ريشة الفينيق.. تلك إشارة وبشارة.. يا أمير..
عبق الياسمين
قالت العرافة:
- إفتحي كفك يا بهية..
صار كفي في بياض الصبح.. صار حقلا من سنابل..
ورأيتك ترفل بالوجوم, ورأيتك تحبس الدمع أهات أسيره..أخذت العرافة كفي وضعتها إلى بؤرة القلب.. هتفت بي:
- تذوقي بعض نبضك..
ووجدتني أهتف/ أترنم.. أستجير به منه
" توّقف هنا..
ارم ِ للسائل
قطعة...وجد
تلملمُ شظايا العمر
.....
أغفُ..على ترانيم البوح
لك في القصائد الخلود
ولي ..الانتظار..
وشهد الموت..
بين السطور "
قالت العرافة
يا ألهي صارت المرأة غيمة.. دلقت أحمالها غيثا لطيفا..
ومضت.. تحمل في كفها وشم أمير..
حال الفتى
وهبطت عن ظهر حصان النوم, كان الوقت يتمطى بانتظار رعونة صباح من زمهرير.. الريح عاتية ونصل الوجد يقطع مني اللحم يشويني على نار الصقيع..أصرخ على ذهول تبعثرني العتمة ولا ضوء يلوح.. والغيوم ملبدة بالغياب, ولا مطر.. كدت أصرخ..
أين المفر..
وتحسست رأسي.. يا إلهي.. نبت الريش على رأسي صار تاجا..
ضحكت العرافة قالت على غنج:
- تاج رأسك من ريش الفينيق هل نسيت أم تناسيت الإشارة والبشارة..!
فجأة حطت على رأسي يمامة. نزعت من تاج رأسي ريشة وطارت شقت الغيم.. لمع برق.. ثم رعد وانهمر المطر.. رقصت على نافذتي قطرات المطر.. رقصت القطرات.. صارت سربا من صبايا مثل بدور الحكايات.. كلهن أنتِ.. إلا أنتِ.. وفردتُ كفي.. وصرختُ من وجدي أستجير بكِ منكِ
- أين أنتِ ؟
فهبطتِ على كفي قطرة من هيام.. ورقصت على كفي.. صرت غزالة.. صرت يمامة.. صدقيني أني رأيتك في وجه يمامه.. وسمعتكِ تهدلين من وجعٍ على وجعي..
خيول رحيلك.. لا تكف
عن الصهيل
ومساءات الصمت يداعبها..
رجع ناي.. مواويل
قلقي.. يمتطي صهوة طيف
كالرمح
يخترق قلب الأصيل
القشعريرة تسري في تلالي
وموج البحر.. يعلو
أفرد جناحيَّ.. أطير
فوق هيكل أسرارنا..
أبني عشا من الوهم
انتظر كل مطلع فجر احتضاري
فتلوح أنت..
من بعيد تلوح..
عبق الياسمين
أنا وفناجين القهوة, أسألها عنكَ.. تجبيني تارة, وتغلق أمامي النوافذ تارة.. تزيد من لوعتي.. واليوم يحملني عصفور شوق يلهث.. يبحث عن حدود عينيك لتراني.. يحتضر النرجس في حضني.. ماض ألاحقك ومساءات تشكو الغياب.. تولد القصائد على رفة الروح تسطر موتي فيكَ وتسير على كفي يلسعني صقيع الشتاء.. و..
غيم رمادي يهرول في السماء
وحبات المطر.. تتراقص
على بركة ماء..
تقلق نوم الطحالب..
من قال..
أن الصمت وديع
من قال أن الوحدة بلا مخالب؟
من قال أن الوحدة بلا مخالب؟
أني لو متُ وجدا
قد أُبحر اليك..
دون قارب!!
حال الفتى
من يصدق أنني فرخ يمام, حملني الفينيق تحت إبطه طار بي.. حلق بي فوق الغيم.. صارت الدنيا من تحتي بحجم م قطرة وجد.. وشربت من ماء الغيم شهدا, فحضرت وليفة تشع بالعبق.. كانت تنتظرني..
هبطت علىَّ من غيم بخار الياسمين.. هتفت بي:
- أني انتظرتك.. لا تبتعد.. حاصر فؤادك واقترب..
- كيف لي أن اقترب وأنا المرجوم بالمنفى منذ وعيت على الدنيا..
ضحك الفينيق وقال:
" أنت الآن في مدى الأحلام تقطع المسافات في رفة عين.. "
وصحوت..
كانوا في انتظاري.. خرجوا علي من كل الشعاب من كل الرزايا قيدوني وأقاموا المحكمة.. كانت التهمة حاضرة:
- أنه المرجوم بها منذ الأزل!!
- هو أنا, ومع سبق الإصرار إني أعترف..
شق السياف صدري, نفر الدم من قلبي صار غيمة من بخار الياسمين.. وكنتِ أنتِ حورية ترقص على إيقاع نبضي وتغني..
لا غربة للروح, وإن اغترب الجسد..
لن ينالوا منك..
إني على بعد رفة عين منك
فالروح عن مدار الروح لا تغترب
هيا اقترب.
عبق الياسمين
كم يشبهني الشتاء.. كلانا يحترف الغيم والمطر.. لكن مطري هذا الموسم انحسر.. أخاف أن تضربني الريح.. أن يدركني الخريف, وأنا لا زلت وحيدة كما الأشجار واقفة انتظر.. هل تدرك الريح يا أني على موعد مع طيف لطالما تفيء بظلي ,انه ما زال على سفر.. من المسافر يا ظلي وأين المستقر.. متى تدرك أن الرحيل يمزقني, وأن ما تبقى مني مسافر على الدوام خلفك..
هل تدرك معنى الوقوف في وجه الريح بلا وليف.. زادك بعض شظايا من حروف مازالت مطبوعة على مرايا القلب.. هل تصبح لو سطرتها ربيعا ولو على الورق.. وهل سيحضر طيفك كما كنتَ بكامل الألق..؟؟
صاخب..رائع..
مليء بالفوضى..
مساءاتك سحر..
قصار لياليك..
مداك..منفى لا يعرف الاختصار..
يمضي سريعا..
ولا يبقى منه غير غفلة حلم..
أو بقايا طيف
***
ويقال أن العرافة, لم تعد إلى قراءة الكف, ولم تعد توشوش الودع, واحترفت أخبار الذين يلوذون بالحلم من عسف البشر, وينتظرون رحلة الفينيق في مواسم الجوى.. وقيل أن العرافة أقامت مجلسها بعد نهاية الفصول الأربعة وعند عتبة دخول الفصل الخامس..
وقيل في كتاب أخبار المكان والزمان, أن الله خلق الجسوم من طين ووزع أمزجتها على أربع حالات تتجلى في الفصول الأربعة, وأن الله خلق الروح وجعل لها فصلا خامسا لا يدرك كنهه إلا من أدركه الوجد وعاش عبق الياسمين..
08-أيار-2021
14-نيسان-2018 | |
30-تموز-2015 | |
13-تشرين الأول-2012 | |
16-أيلول-2012 | |
18-نيسان-2012 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |