الجهل في عصر المعرفة
2009-07-28
في كتابه (القوة الناعمة) يتحدث جوزيف ناي عن تشويش الأذهان الذي نجم عن ثورة المعلومات، ملخصاً المسألة في عبارة بليغة: ((وفرة المعلومات أدت إلى ندرة الانتباه))، ليستنتج بالتالي أن الأولوية اليوم لم تعد في إطلاع الناس على الوقائع، بل في لفت انتباههم إلى الجوهري منها..
ناي لم يكن الوحيد الذي أثار هذه المسألة، ففي مقال نشرته جريدة الشروق المصرية يتوسع الكاتب جميل مطر في شرح الأعراض الجانبية لانفجار المعلومات، مؤكداً أن عصر المعلومات الذيتوَّجهالانترنت قد خلق جيلاً كاملاً من فاقدي الذاكرة.
غير أن كاتباً بريطانياً كان أكثر تطرفاً، إذ كتب مقالاً تحت عنوان حاد (كيف جعلتنا غوغل أغبياء)، يتحدث فيه عن محرك البحث الأشهر على الانترنت الذي يغمرنا يومياً بآلاف المعلومات والصور عن شتى الموضوعات ومن مختلف دول العالم، ما يجعلنا نودّع كمبيوتراتنا ونحن في حالة من العماء التام..
ورغم أننا ـ نحن السوريين ـ نجونا من جميع الكوارث التي عصفت بالبشرية، وامتلكنا حصانة ضد كل أعراض الحداثة، فإننا لم ننج من ظاهرة الفيضان المعلوماتي، ورغم أن الحكومة تشملنا برعايتها وحنوها، مبدية حرصاً شديداً على عذريتنا الفكرية، ما جعلها تشفّر الكثير من المواقع وتوصد الكثير من الأبواب التي تأتي منها الريح.. رغم ذلك فنحن نتعرض يومياً لسيل من المعلومات يرهق ذواكرنا، ويحولنا إلى أناس مشوشين.
لكن ثمة تفصيل خاص يجعل مشكلتنا مع وفرة المعلومات أكثر تعقيداً، ففيما نقف يومياً أمام آلاف الأرقام عن معدل النمو في ماليزيا، وخسائر شركة سوني، وعدد العمال الذي سرحتهم إي بي إم، ومعدل ازدياد إنتاج الغاز في روسيا، ومعدل التضخم في زيمبابوي، وتراجع إنفاق اليابان على البحث العلمي نسبة إلى إنتاجها الإجمالي... فإننا تقريباً لا نعرف شيئاً عن بلدنا: معدل البطالة.. مؤشر الفقر.. معدل النمو.. حجم إنتاج النفط.. الغاز..
وفيما تتيح لنا المعلومات الفيضانية اليومية أن نغدو (دكاترة) في اقتصاد دول جنوب شرقي آسيا، ومحاضرين بارعين في ازدياد العنف في أمريكا اللاتينية، وخبراء في انهيار التعليم في أفريقيا جنوب الصحراء.. فإننا لا نعرف شيئاً عن عدد تلاميذنا المتسربين من المدارس، ولا عن معدل الجريمة عندنا..
(فيض المعلومات) هي المشكلة التي نتشارك فيها مع العالم، لكن مع تفصيل إضافي خاص بنا: (فيض من المعلومات التي لا تعنينا ولا نحتاجها).. وإذا كان الكاتب البريطاني يعتقد أن غوغل جعلت الناس أغبياء، فإنها جعلتنا (نحن تحديداً) حمقى، نثرثر في شؤون العالم، في الوقت الذي لا نعرف فيه شيئاً عن أنفسنا.
النشر الألكتروني خاص ألف
النشر الورقي جريدة الخبر
08-أيار-2021
28-تموز-2009 | |
كلمة السر ما زالت سراً / ماليزيا: من حضن الغابة إلى قمة البتروناس |
03-أيار-2009 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |