( النموذج الأوديبي عند زكريا تامر)
لا يمكن للقصة ( الفن و النوع ) إلا أن تتورط في حوار.
إن المساحات اللغوية ، التي تتألف أصلا من مفردات ، تشتبك في علاقات و سلوك يمهد للتحاور مع الذات أو مع آخر غير متصل ، باستثناء ما يأتي ضمن هوامش افتراضية ، تؤثر فيها أنماط الغياب و التجاور ، و كأنها جسم مفقود يعاني من تفكك صوري أو مادي أو كليهما.
هذه الحواريات بأنواعها تعمل على إنتاج اللغة ( من حيث هي بنية أو كائن ) ، و تنتقل بها من الفرضيات إلى الإثبات و التحقق ، إلى ما هو غير موجود و يعاني من آثار الصوتيات ( كصدى – هنا ) ، أو ( كجدل غريب ، و لكن يرتبط بالمنشأ – هناك ) ، أو بـ " ما ليس هو " بتعبير الأب سارتر.
إن النص الصحي و غير المعتل هو الذي يعقل المكان و يؤنسنه بأسلوب حوار حدسي ، و إليه يعود الفضل بتحقيق وحدته و سلامته من أي خلل ذهاني أو فصامي ، و ما قد ينجم عن ذلك من سقوط عضال في مستوى البنية و مستوى الدلالة .
إن الحوار في اللغة مشتق من الحَوْر : و هو الرجوع عن الشيء إلى الشيء . فحار إلى الشيء و عنه حَوْرا: رجع عنه و إليه . و المَحار : الرجع . و كلمه فما رجع إلي حَوَرا و مُحاوَرَةً : أي جوابا . و أحار عليه جوابه : رده. و الاسم من المحاوَرَة الحَوِيرُ . تقول : سمعت حَوِيرَهما و حِوارَهما . و المحاورة : المجاوبة. و استحاره : استنطقه . و المحاورة مراجعة النطق و الكلام في المخاطبة ( انظر لسان العرب ).
و في القصة تتوفر أدلة على عدة طبقات حوارية هي :
السررد ( أولا ) : على اعتبار أنه رسالة موجهة إلى قارئ له أفق انتظار خاص به ، و يشارك في الفعل الكلامي. أي أنه ليس مجرد كتلة جاهزة للتلقي فقط. إنه يبتكر المعاني انطلاقا من نبرته و خبراته.
الديالوج ( ثانيا ) . و هذه وظيفة عبر لغوية بها تعبر الموجودات الخيالية عن أداتها ،أو أنها صلة الوصل بين المؤلف و القارئ . إنه من الممكن لها أن تهبط من الديالوجات الحقيقية إلى واحد مونولوجي ( بتعبير باختين ).
و أخيرا الاستطراد في القول ( أو الخطاب إن شئت الاحتكام إلى فلسفة علوم المعرفة ). و هذا يتشعب بدوره إلى اتجاهين : أ – تناص تتقاطع فيه النصوص و المرجعيات المعرفية و الخبرات السابقة ،و ضمن حدودها ( طبعا ) .ب – مثاقفة . و لذلك ظلال حضارية داخل البنية الاجتماعية المحرضة و المنتجة.
الحوار الأسلوبي / الأب و ابنه الأوديبي :
في بداية الستينيات ( أو في عام 1960 تحديدا ) أصدر زكريا تامر أول مجموعاته القصصية بعنوان ( صهيل الجواد الأبيض) و التي استعمل فيها لغة شرسة كانت تدل على القلق و على العصاب النموذجي. و بها استطاع أن يحقق الانقلاب الدامي ضد أب قاموسي و متغطرس، أب تسلط على اللغة الأم لقرون طويلة في ظروف سوداء و تجريبية و حالكة. لقد حول هذا السلوك الاستبدادي الأم و مخزونها في الروح و الوجدان إلى مساحة حرة مفتوحة على الجفاف ، و إلى عرش تتربع فيه أمراض و أوبئة ألسنية و تداولية . غير أنه ، شأن الأوديبيين جميعا ، احترقت أصابعه بهذه النار التي أضرمها ، و لم يتبق أمامه غير العودة إلى ظل الأب ، إلى شبحه و إلى قواميسه ، إلى تاريخه القهري.
و إن قصة ( الذي أحرق السفن ) المنشورة في مجموعته الثانية ( الرعد - 1970 ) دليل قاطع على هذه العودة الميمونة ، و على أثقال الخطيئة التي تعيش في الذاكرة. لقد أراد زكريا تامر في ( الرعد ) أن يمحو عار جريمته السابقة ، و التي بها طوى صفحة من سيرة الأب اللغوي و الأب الدلالي و تحت سنابك ( جواده الأبيض ) الأول . و هذا ينسجم ( في الواقع ) مع سياق لاحق سوف تعود به الحياة إلى أحضان الموت أو حتى العدم. و فيه سوف ينشد السادة الأحياء أغنياتهم داخل مقابر يقطنها الموت. إنه حوار آخر ميتافيزيائي ( بطبعه ) ، و أساسه التضاد ، بمعنى النفي أو التقابل ، و لربما كان زكريا تامر بذلك يؤكد على :
استهداف لغة القاموس التي أصابها الجمود و الانحطاط و التخلف.
تفكيك علاقاتها في البنية و الأسلوب.
ثم تبرئة الأب و ذكراه ، أو بالأحرى إعادة الاعتبار للقانون اللغوي و لنحو الجمل و العبارات في واقع جدلي و لذواكر نفسية هي بدائل للثابت و المتحول في أساليب التعبير.
و أخيرا تعويم الأداة نفسها ، على اعتبار أن الأب كان نائما و لكنه غير ميت.
و في هذا النموذج الذي يفسر تلك السلوكيات اختار ( طارق بن زياد ) ليدل به على إرادة الحياة رغم الحرائق و الرماد.
شكل ( 1) – و يبين التعارضات في البنية
1 – الفضاء : شارع ، زنزانة ، ليل | ≠ | المكان : مدينة معروفة ، حي محدد |
2 – الحيز : العناصر العاملية ( شرطة ، محققون – و هي إشارات مرجعية دالة ) | ≠ | الجسد : الأشخاص ( طارق بن زياد فقط ، و هو بلا مرجعية واقعية ). |
3 – القول : إيقاعات ، مقتطفات من خطاب أو إلقاء | ≠ | التسلسل : أفعال متتالية و مشروطة |
يتألف الشريط اللغوي من 458 مفردة مقسومة إلى خمس فقرات غير متساوية ، لكل منها إيقاع مختلف ، و لكنها تخضع لوحدة الموضوع و وحدة الأسلوب أو السرد ، و تركز على مفهوم البطولة بمعناها الاسمي ( الدلالي الثابت ) و ليس التاريخي. و هي لا تشعر بوحدة العناصر الفنية و تسلسلها إلا من خلال الحوار و تسلسله . إن مثل هذا الأسلوب يهدم و ينفي ( في آن وحد ) البنية الأساسية للحكائيات العربية لأنه لا يحققها بأفعال مستمرة لفظا و مضمونا . لقد استبدل تكنيك زكريا تامر ( و لا شك – في هذه الحالة ) المكان المحدد بفضاء لا شكل له ، و التسلسل بالكولاج ( شكل 1 ).
و هذا دفعه إلى التعامل مع الفقرات بطرائق متدبلة. فقد بدأت فقرة واحدة فقط بجملة فعلية ( هربت النجوم ) ، و ما عدا ذلك بدأت بجملة إسمية مباشرة أو مقدرة مثل ( الأشجار الخضراء ، في اليوم الأول ، و من أجل ، إلى السيد . انظر : جدول - 1 ).
و ربما كانت الجملة االفعية التي افتتحت بها الفقرة الرابعة ( و هي : الإعدام ) إيقاعا السردي إشارة إلى الأصل الأوديبي للحكاية. كما لو أن إعدام طارق بن زياد هو النية المبيتة لدى زكريا تامر ( و جيله ) و لدى جهازه الفكري. إن للإفتتاحيات في الثقافات المذكرة قيمة يعوّل عليها ، كما أن للأفعال في اللغة العربية أهمية لا يمكن إنكارها. فالفعل عند سيبويه يحتاج إلى اسم ، و لا يكون إلا خبرا ، لذلك هو ينوب وظيفيا عن اسم له معنى نكرة . و ذكر ماتيزيوس ( في عدة مناسبات ) إن الأسماء النكرات هي نواة الكلام ، لأنها تؤدي دور العنصر الجديد غير المعلوم ( انظر غراتشيا غبوتشان ).
كما أن الجملة ، و هي أصغر وحدات الخطاب التامة في اللغة الإنكليزية، ليس لها بنية دون فعل. و في علم النفس الأساسي نعزو للفعل توازنا أو حراكا بين عناصر المكان : الداخل و الخارج.
و من وجهة نظر بنيوية : تتألف هذه الفقرة من 52 مفردة بما فيها حروف الطف و الجر و التحقق. و هي ، أيضا ، نقطة تقاطع الأحداث ، أو بالأحرى الخاتمة الفعلية التي تنتهي معها مدلولات القصة. و هي (معنى المعنى – أو الذروة ، و بعدها .
جدول ( 1 ) :و يبين مستهل الوحدات البنيوية
السلسلة المعجمية ( البدايات ) | الوحدات البنيوية ( الفقرات ) |
جملة إسمية جملة إسمية جملة إسمية جملة فعلية جملة إسمية | الاعتقال الاستدجواب مشروع خطبة الإعدام من مواطن مثالي |
نوع من العطالة السردية أو الانحدار ، أو ما يسمى بلغة النقد الفني التقليدي ( التنوير ). فالفقرة التالية ( رقم 5 – و بالمناسبة هي الأخيرة ) تأتي بمثابة هامش تنوير يحدد فضاء الحكاية و يمدده بكولاج آخر ، دون أي ترقية للأحداث. و فيها لا يتجاوز عدد الأفعال سوى ( 2 ) من أصل ( 14 ) مفردة هي طول الشريط اللغوي ، أي بنسبة 1 : 7 فقط . و هذا مقدار غير معنوي ، و يمكن إهماله دلاليا ، و ذلك يؤكد الطبيعة اللاسردية لإيقاع القصة بمجمله.
حوار الثقافات / صراع الآلة و حدود الجنس
يتعامل فرويد مع الموجود البشري على أنه وحدة تامة ، و تماميته في ذكورته بمقدار ما هي في تعويض الأنوثة لنقصانها. و يعتقد لاكان أن اللاشعور هو من إنتاج الآخر ، و ربماهو الآخر الذي لا نفكر به كما يقول فوكو. و هذا ينفي النظام الأنوي أو العالم النظيف و المعقم ، و يقود إلى حوار ثقافات مستمر ، من خلالها تتحقق المعادلة التي تسمي جودي نيومان حديها باسم" غير المحكي " و " المحكي له " . و لكن في نفس الوقت إنها تحول الآخر ( و هو هنا الإشارات المرجعية البريئة لطارق بن زياد ) إلى مجموعة من الشِفرات و الخطابات التي سوف تندمج في النظام المعرفي الخاص بالخطاب الأقوى. إنه خطاب يحقق مشروعه بابتلاع الآخر ثم محوه ، أو غزوه حضاريا و ثقافيا.
فاللغة (و هي الطرف غير المحكي ) لا تجد حيزها الخاص و لا حضورها المتجسد إلا من خلال أسلوب و إيقاع ( المحكي له ). و إن هذا التقاطب و الذي ينشئ في الواقع التوتر و الصراع و التضاد بين متحاورين إثنين ، هما اللغة و أسلوبها ، و بكلمة أخرى :موضع الرغبة و دوالها بالتعبير اللاكاني ، على اعتبار أن هذه اللغة تتحدث من خلال صوامتها ، وهي مدلول يعبر عنها دال تستعيره من خطاب آخر ، له أطماع استعمارية و تبشيرية.
إنه ( في النهاية ) خطاب لحداثة تقف مع ثقافاتها ضد خطاب أصولي ورجعي تعلن هذه القصة نبأ إفلاسه ( في فقرة الاعتقال ) ثم موته ( في فقرة الإعدام ).
و في هاتين الفقرتين بالذات يبلغ العدد الكلي لأفعال الحركة أعلى نسبة بالمقارنة مع الفقرات الأخرى ( جدول – 2 ).
و هذا ينقل الأفعال من واقعها الافتراضي : أداء واقعي يحرك القصة ، إلى مجالاتها الدلالية : أو لحدود المعاني و حدود القول كالمشاعر و الأحاسيس و العواطف ( أو الأشواق بلغة المتصوفة ) ، كأنها تؤكد غياب ( غير االمحكي) و ثقافته ، و حضور ( المحكي له ) من خلال فضاءاته و حيزه و كولاجه.
الحوار السيكلوجي / الجسم المفقود والتفكك الصوري
إذا اعتبرنا الفقرات (في القصة ) وحدات بنيوية ، فهي وحدات لها أطراف ( حتما ). و هي في تسلسلها تبدو باردة ( حتى بقاموس مفرداتها ) ، و ليست مثيرة ، باستثناء الفقرة الرابعة (الإعدام ) ، و التي يستهلها الكاتب بجملة فعلية على عكس ما سبقها و ما يتلوها. و فيها أيضا يفوق عدد الأفعال نسبة الملفوظات الإسمية ( و يبلغ ذلك : 14 فعلا مقابل 12 نعتا و مصدرا – انظر جدول : 2 ).
إن اللغة هي شبكة من العلاقات بين الألفاظ التي ترسم الموجود في المكان و تفهمه و تحققه. و إن وعي وحدة الوجود ( كما يرى شارل فورنييه ) في المكان يتم من خلال : الأفعال التي تنخرط بحركة ديناميكية مستمرة باتجاه الهنا ( أو الداخل ) و الهناك ( أو االخارج ). و ما بين قوسين يعود أصلا لهيدغر.
إنها من خلال حركتها بين خصوصيات الثقافة المنتجة و الأغيار تحقق للموجود توازنه ، و تلم شتاته ، وتصنع منه وحدة جوهرية. و لكن الأسماء المصادر هي التي تعيّن و تسمي ، و ترد المفهوم ترانسندنتاليا إلى فكرته ، إلى ذاته ، أو إلى هويته المطمورة في غياهب الأعماق و ظلماتها.
و لكن بالأسماء و الصفات تهبط الفكرة إلى جدل الواقع ، و تتحول إلى صورة جزئية مشخصنة، نراها بالعين على مسافة منا . و على ما يبدو إن السلسلة اللغوية كانت تحبذ الأسماء بنوعيها في أربع وحدات – أو فقرات من القصة ، هي (1 – 2 – 3 – 4 - 5 ، انظر جدول : 2 ). و هذه إشارة تدل على تفكك صوري ، و كأن هنا – و هناك – الموجود في حالة انفصال ، إنه بالأحرى حصار بين طرفي الشيزوفرانيا التي لا تفهم ( في واقعها النفسي ) معنى الجدل الإيجابي بين أعضاء الجسم الواحد الذي تفكك مكانيا ، و تكسر.
و لعل شعرية القصة تبدأ من هذه الحقيقة المرضيّة، حيث تغلب فيها عدديا ( ثم وظيفيا ) الأسماء و المصادر ذات الفحوى أو الظل الخارجي. فالإشارات الباردة التي يعوزها التشويق سرعان ما تذوب أمام الذات ، و بداهاتها الشعرية ، أو العناصر الداخلية.
و لم يتحقق التوازن إلا في الفقرة الرابعة ( الإعدام ) حيث الأفعال تتغلب على الأسماء ، و حيث ينهي أوديب رحلته المحتمة إلى أقداره.
الحوار اللغوي / المفردات و مرجعياتها القاموسية
ليس من الممكن لغيرالمحكي في اللغة إلا أن يخضع لثقافة أنتجت أسلوبها. لقد فرض الأسلوب حصارا آخر على اللغة ، و أجبرها على الدخول في غيبوبة مزدوجة : الغياب و النفي. وهنا باستطاعتنا أن نعد ( 10 ) عشرة مفردات على الأقل غير موجودة في المعاجم الأساسية. و هي إما كلمات مولدة أو مقتبسة ، من ذلك :
المواطنون : اسم فاعل من " وطن " بمعنى ساكن و عايش. و يعتبر صيغة مولدة. فمادة " وطن " لم تنصرف إلى هذه الصيغة من قبل ( انظر : إبراهيم السامرائي ).
الإعدام شنقا : و هذا غير وارد . فقد شرع الكتاب القصاص و جعل وليَّ الدم أقرب عاصب للإنسان. أما الحدود فهي عقوبات مفروضة يؤديها الإمام ( انظر : محمد الخضري ) . و في المنجد أعدم إعداما الرجلُ : افقر ، و أعدم فلانا : منعه.
المحققون : لم ترد أيضا. و صحيحها القضاة . و كان الخليفة العادل عمر بن الخطاب ( رض ) أول مسؤول في الدولة يعين قاض ليفصل بين الناس.
و من المفردات الدخيلة و المولدة كذلك : المقاهي ( مصدر ميمي بصيغة الجمع ) ، السجائر ( معربة ) ، الهوية ( مستحدثة ) ، المخفر ( اسم مكان ، مكان ). ، و سواها.....
و هذه جميعا شواهد على الرحلة الشاقة التي تقوم بها المفردات لصناعة معانيها أو حتى للتطابق معها أحيانا. فالمعاني ( وهي من غير وجود متعين ) ، تنمو في حقول دلالية متى استطاعت أن تصنع دوالها من صوتيمات و غرافيمات. إنها بحركة مستمرة من فوضى المعنى إلى نظام الكلام ، ثم إلى الثورة الدلالية التي تكاد أن تؤسس لفوضى أخرى. و لو لا هذه الانزياحات المستمرة التي تشبه في آلية تكوينها و تشكلها تكاثف و انزياح الأحلام ، لما استطاع أوديب الصغير أن يسنّ و يفرض قوانينه البديلة على لغة هي من غير قانون أصلا.
إن الحوض الألسني و المعرفي متصل من طرف و مغلق من طرف آخر. و هكذا هي الكلمات التي تعبر عنه ، نشاط فكري ذو حدود يجب إعادة ترسيمها باستمرار . إن الكلام هو بئر من المعاني ، و يشير إلى عمر الكلمة في اللغة من جهة ( كما يقول بورشفيلد، 1989 ) ، و إلى موقع المفردات في السياق و الزمن من جهة أخرى.ثم إن هذه الوحدات الدالة ، على مستوى إدخالاتها القاموسية ، تتقاطع مع مدلولات لا يمكن للمعاجم أن تخصصها إذ كانت اللغة تمثيلية. فالكلمة ( هوية ) على سبيل المثال لها أربعة وجوه ( الشكل 2 ).
هوية بضم الهخاء و كسر الواو من الضمير هو ( المنجد ) ↓ | بضم الهاء و كسر الواو ( مختار الصحاح ) ↓ | بضم الهاء و كسر الواو ( المنجد ) ↓ | بفتح الهاء و كسر الواو ( لسان العرب ) ↓ | حقيقة الشيء و جوهره ↓ | السقوط إلى أسفل ↓ | مؤنث هوي : عاشق ↓ | بئر عميقة الغور ↓ | منذ عام 1908 و ما بعد ( بطاقة شخصية ) ↓ | ↓ | ↓ | ↓ | تفيد التصور | تفيد الحركة | تفيد التعيين | تفيد التعيين | شكل ( 2 ) : تفريعات معنى هوية و دلالتها في اللغة |
إن الفردة الواحدة تتحرك في أثير من الاشتقاقات ، و تكون :
متبدلة ، أو ديناميكية و هذا هو عنصر التشويق و الإثارة.
و لها قيمة تخصيصية ، فنسمي الموجودات و الشيء بالاعتماد على عنصري الغياب و الاختلاف ( أو النفي و نفيه ).
أو أنها ذات قيمة تصورية. فالهوية كما يقول الشيخ محي الدين بن عربي في الفتوحات معلومة غير مشهودة . و ربما كان التصوف الإسلامي في مجمله نشاطا تصوريا. و بذلك يكون قد تشابه في عودته إلى الغياب الجوهري مع اللاشعور عند فرويد كفكر له جذر فيما هو غير مفكر به.
و لكن مقارنة التفريعات الدلالية للمفردة ( هوية ) مع مقابلتها باللغة الإنكليزية ، و هي ( identity ) كما يحددها لنا قاموس أكسفورد يبين الفارق الجوهري الذي يعزى لأصل اللغة ( شكل 3 ).
[identity] اسم معدود ↓ | اسم غير معدود ، اسم معدود ↓ | اسم غير معدود ↓ | بطاقة شخصية ↓ | تعريف ، تحديد ↓ | مماثلة ↓ | تفيد التعيين | تفيد التعيين | تفيد التمثيل | شكل ( 3 ) : تفريعات معنىidentity و دلالاتها في اللغة |
فالعنصر التصوري غير موجود على الإطلاق في جذر الكلمة . إنها مفردة لها في ذاتها قيمة تعيينية و أخرى تمثيلية ، و لا يمكنها أن تكون فعلا. لذلك هي مفردة من غير مشاعر ، ولا يمكن لها أن تمارس نشاطها إلا ضمن شبكة من العلاقات المتسلسلة، فالبتمثيل المضاعف و باضطرابات التسمية و التعيين ، تنتقل اللغة من التناص – كوظيفة إلى القانون – كشعرية. إن زكريا تامر يقطف ثمار هذه المغامرة الأخيرة التي تعوزها الأشواق إلى الأسمى و إلى الذات و إلى الحضرة الكلية ، دون أن تفتقر إلى التضاد ما بين مزدوجة فعل / اسم ، أو إلى الحركة بين باطن و ظاهر، متناهٍ و غير محدود. و هذا منشأ عصاب آخر ( مرشح للتطور إلى ذهان ) ، يباعد بين اللغة و مساحة دلالاتها.
إنه من الضروري الإشارة إلى أهمية هذا التكنيك الذي بدأ زكريا تامر بتوظيفه في قصصه عام ( 1970 ) بنسب متفاوتة و غير ثابتة و الذي يتألف أصلا من سلسلة نفي وإثبات جدلية تمنح الأفعال : الإيقاع الداخلي الخاص مع حساسية حديثة تنفي الخطاب الأصولي و لا تترك منه غير ظلال بلا معنى...
و شكرا..