في دقائقه الست .. ماذا يقرأ العربي؟
2009-09-23
كثرت الإحصاءات والأرقام القياسية التي تجزم بأن العرب قوم لا يقرؤون, وبأن نصيب الفرد من القراءة في السنة 6 دقائق فقط! ليس لدي شك بالطبع بأن القراءة ليست عادة ضمن المنظومة السلوكية للعربي, ولكن ينبغي ألا نقسو عليه كثيراً, وهو الغارق في تفاصيل الخبز والمحروقات, وهموم حماية بعض التراث والعادات التي تشده للمراوحة في المكان, وشحذ السيوف والرماح لمواجهة العولمة الباغية! ولابد له من وقت مستقطع لإرضاء رغباته – الطبيعية طبعاً- بإنجاب الذكور وجمع الزوجات والمعجبات ولا مانع من المصادفات!
لكن يبدو أن لبعض المفكرين العرب وجهة نظر مختلفة, فهم يؤكدون بأن العرب يقرؤون, وأن السؤال الآن تجاوز صيغة ما إذا كانوا يقرؤون إلى صيغة ماذا يقرؤون! ويبررون هذا بقولهم إن كتاباً مثل ( لا تحزن ) للشيخ عائض القرني بيعت منه مليونا نسخة – على ذمة الدكتور عبد الله الغذامي – ووصلت بعض الكتب إلى طبعتها العشرين, هذا إلى جانب كتب في الطبخ والموضة والأبراج... إذاً من يشتري هذه الكتب ومن يقرؤها؟
هنا يقول الغذامي الناقد السعودي: إذا عرفنا ماذا يقرأ الناس عرفنا واقعهم الثقافي بصورته الحقيقية! يحيلنا مثل هذا السؤال ورقم مبيعات الكتب إلى مسألة أخرى أراها هامة, وأعني الكتب الأكثر مبيعاً في العالم التي يسمونها ال best sellers ما هي المعايير التي تجعل من كتاب ما يحتل مركزاً ريادياً في المبيع, هل هو المضمون أم الموضة أم ذائقة دور النشر وبريق التسويق؟
يقدم موقع «الموسوعة الحرة» الشهير على الإنترنت (ويكيبيديا) عدة إحصائيات فريدة لأكثر الكتب مبيعاً عبر التاريخ حسب النوع: كتب ذات جزء واحد (غير متسلسلة)، أو عدة أجزاء (متسلسلة)، أو مجموع أعمال المؤلف، وغيرها. وجميع الأرقام بالطبع تقريبية خاصة الكتب المقدسة. أكثر الكتب مبيعاً عبر التاريخ كما وردت في قائمة تتكون من 44 عنواناً للكتب ذات الجزء الواحد أي غير متسلسة: في المرتبة الأولى يأتي «الكتاب المقدس» بمجموع تقريبي يبلغ 6 بليون نسخة. وفي المرتبة الثانية كتاب «مقتطفات من أقوال الرئيس ماو تسي تونغ» بمجموع 900 مليون نسخة. وفي المرتبة الثالثة «القرآن الكريم» بمجموع تقريبي يبلغ 800 مليون نسخة, وفي المرتبة الرابعة «قاموس اللغة الصينية المبسطة» بمجموع 400 مليون نسخة. وفي المرتبة الثامنة «كتاب المورمون المقدس» بمجموع 120 مليون نسخة. وفي المرتبة التاسعة رواية الإنجليزية جاي كاي رولينغ «هاري بوتر وصخرة الفيلسوف» بمجموع 107 مليون نسخة. وفي المرتبة العاشرة رواية الإنجليزية أغاثا كريستي «ثم لم يبق منهم أحد» بمجموع 100 مليون نسخة. وفي المرتبة 11 رواية الجنوب أفريقي جون تولكين «ملك الخواتم» بمجموع 100 مليون نسخة أيضاً. وفي المرتبة 13 رواية الأمريكي دان براون «شفرة دافينشي» بمجموع 65 مليون نسخة. وفي المرتبة 22 رواية الأمريكي جونستون ماكولي «لعنة كابيسترانو» التي صورت شخصية الفارس «زورو» لأول مرة بمجموع 50 مليون نسخة. وفي المرتبة 23 رواية الفرنسي أنطوان إكزوبري «الأمير الصغير» بمجموع 50 مليون نسخة أيضاً. وفي المرتبة 24 الكتاب الأمريكي «دكتور سبوك للعناية بالطفل» بمجموع 50 مليون نسخة أيضاً. وفي المرتبة 25 رواية البرازيلي باولو كويليو «الخيميائي» بمجموع 50 مليون نسخة أيضاً. وفي المرتبة 30 رواية الكولومبي غابرييل غارسيا ماركيز «مائة عام من العزلة» بمجموع 36 مليون نسخة. وفي المرتبة 36 «قاموس أكسفورد المتقدم» بمجموع 30 مليون نسخة. وفي المرتبة 43 رواية الأمريكية مارغريت ميتشل «ذهب مع الريح» بمجموع 28 مليون نسخة. وفي المرتبة 44 رواية الأمريكي هارييت بيتشر ستاو «كوخ العم توم» بمجموع 28 مليون نسخة أيضاً. والجدير بالملاحظة أن القائمة تخلو من كتب الفكر والشعر!
أما في العالم العربي الذي يكاد يخلو من إحصائيات دقيقة تعكس حقيقة ماذا يقرأ العرب, يقدم موقع " نيل وفرات " قائمة بأكثر الكتب مبيعاً بشكل متجدد, فكانت قائمته لهذا الشهر على النحو التالي: الموثق في الأنساب ( أبو عبد الهادي عراك الفريسي الجربا ) نسيان دوت كوم ( أحلام مستغانمي ) من مسيّر إلى مخيّر.. كيف ننتصر في معركة الحياة ( عماد سامي سلمان ) تاريخ العرب قبل الإسلام ( محمد سهيل طقوش ) سرائر وأسرار النطقاء ( جعفر بن منصور اليمن ) إدارة الأعمال ( صلاح مازن ) طروس إلى مولاي السلطان الكتاب الأول الجدال ( سارة الجروان ) خارج المكان ( إدوارد سعيد ) موسوعة الأحجار الكريمة المصورة ( محسن عقيل ) أولاد حارتنا ( نجيب محفوظ ) ولدت هناك ولدت هنا ( مريد البرغوثي ) الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في الفكر الإسلامي بغداد القديمة الهداية الكبرى علل الشرائع شارع العطايني بغداد اسمه الغرام .
في ألمانيا حصدت الكاتبة الألمانية ( شارلوته روش ) بكتابها الأول الشهرة والثروة معاً. روش تبلغ من العمر الآن إحدى وثلاثين سنة وهي ليست مجهولة في المجال الثقافي الألماني، أو في المجال الإعلامي فهي إحدى أشهر مقدمات البرامج الخفيفة في التلفزيون، غير أن روايتها "مناطق رطبة" التي صدرت في شباط 2008 نقلت شهرتها من التلفزيون إلى الصحف والراديو وكافة وسائل الإعلام. فأضحت روش الشغل الشاغل للوسط الثقافي، إذ باعت خلال أسابيع قليلة حوالي نصف مليون نسخة، ثم احتلت لمدة سبعة أشهر رأس قوائم أفضل المبيعات. ولم يكد عام 2008 ينقضي حتى كانت الرواية قد باعت أكثر من مليون وثلاثمئة ألف نسخة، وترجمت إلى عديد من اللغات، بل وتحولت إلى عرض مسرحي مثير. هذا مع أن روش لقيت في البداية الرفض عندما تقدمت بالرواية إلى دار نشر "كيبنهوير وفيتش" العريقة والرصينة التي اعتبرت روايتها إباحية وغير مناسبة لبرنامج الدار، فذهبت روش إلى دار أخرى أدركت على الفور ما تحتويه الرواية من جاذبية وإثارة لفضول القراء. قيل عن شارلوته روش بأنها تبوح في روايتها هذه بما لا يجرؤ كثيرون على مجرد التفكير به. غير أنها لا تثير بكتابتها الشهوة أو الغرائز، بقدر ما تثير القرف والاشمئزاز. بأسلوب مفعم بالتهكم والسخرية تتحدث روش بصراحة فاضحة وصادمة عن جسد بطلتها، وعن ممارساتها الجنسية المفضلة مع عشاقها أو من تتصيدهم لليلة، وعن خبراتها في المواخير مع العاهرات.
مدفوعات ربما بشهوة الوصول السريع إلى الشهرة والمال والأضواء, حاولت كاتبات عربيات اختراق تابوهات المجتمع العربي المحافظ, وقدمن روايات تعتمد أسلوباً إباحياً رأى فيه كثير من القراء والنقاد ابتذالاً وليس جمالاً فنياً كان ينبغي أن يوظف لمصلحة مقولة الرواية, ولعل آخر ما سمعت عنه رواية سلوى النعيمي الممنوعة من التداول ( برهان العسل ) والتي قيل لي بأنها فصل يشبه حياة علب الليل, تجتاحه كل المفردات الإباحية المقززة وبالعامية المجردة, فأي فن هذا الذي كتبته النعيمي أو غيرها؟ وما الإضافات التي يمكنهن إدعاء ابتكارها إن كانت كتب التراث العربي – التي لجأت إليها النعيمي – قد سبقتهن إليها قبل ألف سنه ربما! أكد لي صديق قرأ الرواية بأنه كرر القراءة ليكون أميناً في حكمه, بل قدمها لابنه الشاب ليرى رد فعل أحد أفراد الجيل الجديد الذي نظنه متفلتاً من تقاليدنا, ليفاجأ بوصف غير مهذب لصاحبة الرواية على لسان الشاب! من قال لهؤلاء الكاتبات أن حياتنا ينقصها المزيد من الإباحية في ظل الفضائيات العربية العتيدة؟ والغريب أن تقبل دار نشر عربية عرفناها محترمة بطباعة أعمال ( أدبية ) بهدف البيع فقط؟
في أحد الأيام صادف سقراط الفيلسوف العظيم أحد معارفه الذي ركض باتجاهه وقال له بتلهف: أتعلم ماذا سمعت عن أحد طلابك؟رد سقراط: انتظر لحظة قبل أن تخبرني, أريدك أن تجتاز امتحاناً صغيراً يدعى امتحان الفلتر الثلاثي. تضمن ذلك الامتحان ثلاثة أسئلة: هل أنت متأكد من صحة ما ستقوله؟ هل ما ستقوله طيب؟ هل ما ستقوله يحمل فائدة؟ ولما لم يكن قول الرجل يحمل أياً من تلك الصفات, قال سقراط: لماذا تخبرني بشيء لا يتمتع بالصدق ولا بالطيبة ولا بالفائدة!
السادة الكتاب والكاتبات لماذا لا تخضعون كل ما تكتبونه لفلتر سقراط الثلاثي!
سوزان ابراهيم
[email protected]
النشر الورقي جريدة الثورة
النشر اللكتروني خاص ألف
08-أيار-2021
17-آب-2011 | |
10-آب-2011 | |
03-آب-2011 | |
27-تموز-2011 | |
20-تموز-2011 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |