لأية غاية صارت شعوب الغرب ضحايا ؟
2007-10-07
لا أحد يجهل أن الناس عافت الكلام في المؤامرات والمتآمرين حتى لعنت المتكلمين فيها أجمعين سواء كانوا من أهل اليسار أو من أهل اليمين ! لذلك فلن أجادل نفاة نظرية المؤامرة على الشعوب الإسلامية لأن افتضاحها يمنع عنها صحة الوصف بالمؤامرة. والجميع بات يعلم ردود النفاة السهلة ما هي. ثم هي لم تعد مما يستحق المرء الكلام فيه. فمن يجهل تاريخ الاستعمار الأوروبي المباشر بواسطة القوة الاستعمارية نفسها وغير المباشر بواسطة من ساعدته في الاستحواذ على الحكم نيابة عنها بعد حروب التحرير؟ ومن لا يرى مخططات الاستعمار و من فاته أن يقرأ برامج الاستعمار غير المباشر تمول جهرة ورغم أنف الأنظمة الأمريكي المباشر تنشر قبل الغزو وخلاله في تقارير المعاهد المختصة؟
المغلوبة على أمرها لفرط تشبثها بالكراسي وتدعم ضد إرادة شعوبها النخب العميلة والمؤسسات الإعلامية
لفرط تشبثها بالكراسي وتدعم ضد إرادة شعوبها النخب العميلة والمؤسسات الإعلامية والمجتمعية الدخيلة لتهديم المجتمعات العربية الإسلامية؟
ما يهمني هو إستراتيجية أخرى أبعد غورا من كل المؤامرات التي صارت مفضوحة إستراتيجية ضحيتها ليست الشعوب الإسلامية خاصة وشعوب العالم المستضعفة عامة. فهذا حاصل ولا يحتاج إلى استراتيجيات جديدة. إنما الضحية هي شعوب الغرب نفسها لغايات أخرى علينا الكشف عنها ما استطعنا إلى ذلك سبيلا. ولما كان أصحاب هذه الإستراتيجية يعددون الحلقات والوسائط غير المباشرة بينها وبين غاياتها لإخفاء خيوطها فإنها تبقى جديرة باسم المؤامرة حتى وإن ساءت سمعة هذا الاسم: إنها مؤامرة تسعى إلى النكوص بالشعوب الغربية إلى أخلاق حرب الكل على الكل الأخلاق التي تعد في منظور نيتشه مؤذنة بميلاد الإنسان المتفوق ومن ثم فهي شارطة لإخراج الغرب من الإعياء الوجودي أو العدمية.
لذلك فمشكل هذه المؤامرة ليس هو كيف نتحرر منها وحدنا بل كيف يتحرر منها العالم كله بدءا بشعوب الغرب نفسه: وقد أطلق تيتشة على هذا المشروع اسم الثورة الخلقية والوجودية التي عليها أن تقلب كل القيم الإنسانية. ويكفي أن نطلب الجواب عن السؤال التالي الذي هو بيت القصيد في هذه الإستراتيجية التآمرية لنعلم حقيقتها ما هي: كيف تحتال النخب الغربية التي تقود هذه العملية على الشعوب الغربية لتعيدها إلى العقلية الاستعمارية والتمييز العنصري فيكفر الشباب الغربي بالأخوة الإنسانية المتعالية على الأنانيات الضيفة؟ ذلك أن أصحاب هذه الإستراتيجية يعتبرون مثل هذه القيم من علامات المرض الوجودي الذي يرون علاجه الوحيد في العودة إلى البربرية الاستعمارية.
فالنخب المافياوية بصنفيها ما استبد منها مباشرة بالسلطان المادي والزماني (الاقتصاد والسياسة) وما استبد منها بصورة غير مباشرة بالسلطان الرمزي والروحي (الثقافة والدين) تريد أن تخلص الشعوب الغربية مما بدأت تؤمن به من القيم التي لفرط ما استعملوها للكذب على الشعوب صارت معتقدات عندها فباتت لا تريد التخلي عنها والعودة إلى استعمار العالم من جديد. المؤامرة هي إذن خطة تستهدف إرجاع الشعوب الغربية لبيت الطاعة عند المستبدين بهذه السلاطين الأربعة (المادي والزماني والرمزي والروحاني) ومن ثم استعادة سيطرة النخب المافياوية عليها من أجل تجنيدها وتجييشها في النوبة الاستعمارية المقبلة التي سيولدها التنافس بين الأقطاب البازغة وأغلبها قد بز الغرب في أهم منجزاته العلمية والتقنية دون أن يكون مثله مصابا بالتراجع البايولوجي والخلقي.
والحل الذي تبحث عنه هذه المافيات هو الجواب عن السؤال التالي: كيف يمكن أن تستعيد الشعوب الغربية حيويتها الروحية لكي تجند من جديد فتطيع أوامر النخب الحاكمة في الحرب التي تقتضيها إعادة استعمار العالم عامة والعالم الإسلامي خاصة؟ وأظن سر الحل إن صح فهمي لتاريخ الفكر والسياسة الغربيين يتمثل في قلب نظرية نيتشة. فما يعتبره نيتشه سببا في انحطاط الغرب وفقدانه الحيوية الروحية هم يسعون بخبث شيطاني إلى جعله الأداة الأساسية لاستعادة هذه الحيوية: جعل الدين المسيحي نفسه يتحول إلى إيديولوجيا عدوانية لتربية الشعوب الغربية بمضمون التوراتية البدائية المطعم بالنازية والصهيونية. فالمسيحية الصهيونية هي إذن المحقق لأمنية نيتشة ليس بخلع المسيحية بل بإعادتها إلى أصلها البدائي. تلك هي الإيديولوجية التي تسعى إلى تأليف ثالوث مقدس جديد هو مضمون المؤامرة على أخلاق الشعوب الغربية وقيمها التي أوصلها إليها التطور التاريخي: التوراتية البدائية والنازية والصهيونية لجعلها إيديولوجيا الإحياء العقدي والروحي للشعوب الغربية شرطا في جعلها قادرة على الغزو الاستعماري من جديد.
وإذن فالقضية التي أريد علاجها لأفضح خيوطها الخفية هي المؤامرة على العالم الخلقي الغربي نفسه. والهدف هو تنبيه كل من وقع في حبائلها من علمانييا (حيث ينتدب من يوظف في الإرهاب الرمزي) وأصلانيينا (حيث ينتدب من يوظف في الإرهاب المادي) للتحرر منها عل ذلك يحول دون تحقيق هدف الإستراتيجية التي تريد أن تجعلنا أداة تحفز الشعوب الغربية على النكوص إلى الانضواء في حرب حضارات من جنس الحروب الصليبية والحروب الاستعمارية التي لن يسلم منها أحد من الصفين: فالغرب والمسلمون سيخرجون منها خاسرين وتعود الغلبة للأقطاب الأخرى التي يظن أصحاب هذه الإستراتيجية أنها تحقق شروط القدرة على التنافس مع أهلها. وهدف هذه المحاولة تحليل آليات عمل المؤامرة وبيان الأهداف التي تسعى إليها في تآمرها على الشعوب الغربية تآمرا ليست الشعوب الإسلامية فيه إلا أدوات الحبكة التآمرية بداية وفريسة الحفلة الاستعمارية غاية. وستكون الخطة كالتالي:
المسألة الأولى: مقومات الإستراتيجية وحبكتها
المسألة الثانية: آلية الإرهاب الرمزي وأثرها غير المباشر
المسألة الثالثة: آلية الإرهاب المادي وأثرها غير المباشر
المسألة الرابعة: أصل الآليتين والأثرين
المسألة الأخيرة: العلاج المقترح.
وليس من شك في أن الفصل بين هذه الآليات ليس هو إلا فصلا منهجيا وأنه لا يعني أن هذه المسائل قابلة فعلا للفصل الدقيق بهذه الصورة النظرية. فما من إرهاب رمزي إلا وفيه شيء من العنف المادي على الأقل في حركات المتلفظ به أو في قسمات وجهه ومن ثم فالإرهاب الرمزي لا يخلو من الإرهاب المادي. وهذا التلازم بين الإرهابين يصح أكثر على الإرهاب المادي. فهو مليء بالإرهاب الرمزي من خلال فاعله واختياره لأهدافه وكيفيات حدوثه وخاصة لدلالته على الذهنية التي هي دائما ذهنية نفسية صاحبها بدائية لأنه لم يدرك بعد أسباب القوة الحقيقية ما هي. لكن الإرهاب الرمزي يبقى الأخطر من هنا أهمية دوره في هذه الخطة الجهنمية. إنه أخطر بكثير من الإرهاب المادي لأن الإرهاب المادي لا يستمد فاعليته من كونه ماديا بل من كون رمزيته وصلت إلى الانجاز المادي وذلك هو القصد من استراتيجية التحفيز الرمزي أولا لتحقيق دورة الإرهاب التي سنصف: فيكون الإرهاب الرمزي أخطر لأنه إرهاب مادي بالقوة ينفجر حتما في حمى لامتناهية من الإرهاب المادي بعد تراكمه بمنطق كرة الثلج. ذلك أن كل ما نراه من إرهاب مادي في العالم علته إرهاب رمزي زرعه وحفزه وأدى إليه الإرهاب الرمزي المتقدم عليه بدءا بالاستعمار المباشر وختما بالاستبداد الذي سلم إليه الاستعمار المباشر الحكم ليدير بواسطته الاستعمار غير المباشر.
المسألة الأولى: مقومات الإستراتيجية وحبكتها
من البين بنفسه أن كل إستراتيجية ينبغي أن يكون لها: 1-فاعل 2-ومنفعل 3-وهدف 4-وآليات منهجية 5-ومراحل لأنها مثل أي خطة لا تتحقق إلا خلال مدة محددة. والمشكل في هذا العنوان بالنسبة إلى القارئ العربي أننا خرجنا عن المعهود فجعلنا من كان يوضع في خانة الفاعل وضعناه في خانة المنفعل فاعتبرنا الشعوب الغربية هي الضحية التي توجه إليها المؤامرة. لذلك فلسائل أن يسأل: إذا كان المتآمر عليه هو الغرب فمن المتآمر إذن؟ والجواب البديهي خاطئ طبعا. فلسنا نحن المتآمرين. وليس ذلك بسبب ضعفنا فحسب بل هو بسبب ما تتصف به قياداتنا من أخلاق سامية لأنها ملائكية إلى حد الجنون: فهي تسالم الجميع ولا تستعد لأي عدو خارجي لأن عدوها الوحيد هو شعوبها وهؤلاء لا يخيفونها فتعاونها مع من يساعدها عليها يضمن لها الغط في النوم ولا حاجة للتفكير فضلا عن التدبير.
أولا الهدف والمنفعل:
سنترك تحديد المتآمر إلى حين ونسأل عن المقومات الأخرى. ولنبدأ بتحديد الهدف. فهو الذي سيصدم الجميع. إنه حل المعضلة التالية: كيف يمكن أن ترغم شعبا خرج من حروب هدامة داخلية بدايتها التنافس على تقاسم المستعمرات وخاتمتها حروب التحرير من الاستعمار كيف ترغمه على العودة إلى أخلاق وحال نفسية تؤهله لخوض حروب استعمار جديدة بات الوضع الدولي يقتضيها استعدادا لبزوغ قريب لعدة أقطاب تنافس القطب الغربي عامة والقطب الغربي الأقصى خاصة ؟ من كان مطلعا على تاريخ الفكر الغربي الحديث يعلم أنه يوجد في الغرب وعي فلسفي ينتسب إليه عادة جل مفكري اليمين الغربي. وهو وعي مريض لا يدور كلامه إلا على ما يصفه بكونه أعراض إعياء حيوي أصيبت به شعوب الغرب. وعنده أن علامته الدنيا هي استمراء الحياة الهادئة وأن علامته القصوى فقدان القدرة على العدوان. لذلك فهم يرون أن توقف مغامرات الاستعمار علامة شيخوخة وعجز وليس تقدما خلقيا حصل في العلاقات البشرية. وإذن ففرضيتي حول الهدف هي أنه الهدف الثابت لإيديولوجية اليمين الغربي عامة واليمين النازي الصهيوني في أمريكا خاصة: إستراتيجية شيطانية لعلاج هذا الانكماش الحيوي في الطاقة العضوية والخلقية للشعوب الغربية وهو انكماش عضوي يظهر في قلة التوالد وانكماش خلقي يظهر في استمراء الحياة الهادئة.
والمشكل أن هذا الانكماش توازيه حيوية الشعوب الأخرى التي بدأت تهدد الامتيازات التي كانت مقصورة على الغرب. فالشعوب الأخرى بدأت تقاسم الغرب ثروات العالم بأدواته نفسها بعد أن تمكنت منها بل هي باتت تنافسه في عقر داره على أسواقه وعلى العمل الذي بدأ أبناؤه يفقدون القدرة على أدائه أحسن الأداء فضلا عن ندرتهم بسبب تردي نسب الإنجاب. فكيف ستصمد الشعوب الغربية في معركتي تقاسم ثروة العالم والتنافس الاقتصادي والعلمي إذا ظلت على هذا المنحنى من الانكماش العضوي والخلقي ؟
ذلك هو الرهان الذي تسعى الإستراتيجية التآمرية على شعوب الغرب إلى خلق صدمة علاجية يكون فيها بعض المسلمين صاعقا يحفز الدوافع التي ستمكن الشعوب الغربية من العودة إلى الخلق العدواني فتتهيأ لحروب الاستعمار المستأنفة في القرن الحادي والعشرين بعد نهاية الحرب الباردة: العالم الإسلامي هو الصاعق والفريسة في نفس الوقت وليس هو المستهدف المباشر بالمؤامرة الحالية. وما نحن مرحليا على الأقل إلا مجرد محفز Catalyser يسرع عملية معقدة هدفها تمكين الغرب من استعادة حيويته العضوية والخلقية خلال ما يحصل من استفزازات يقوم بها أغبياؤنا فيستعد بما يشبه التطعيم بجراثيم غير ضارة (فمن السخف تصور ما يسمونه غزوات في الغرب ذا معنى بالقياس إلى الحروب الممكنة بين الأقطاب: ففاعليتها دون فاعلية حوادث المرور) لحربه مع الأقطاب القادمة التي ستتقاسمنا معه والتي لسوء الحظ لن نكون منها لعلتين:
الأولى هي أن جل نخبنا العلمانية مصابة بداء فقدان المناعة العضوية والخلقية لأنها تستمرئ الدعة ولا تعني الحريات عندها إلا دناياها دون جهد العمل والإبداع الذي تتميز به النخب الغربية لأنهم غير قابلين للمقارنة معها إلا في نمط العيش لا غير. لذلك فمهندسو المؤامرة يريدون استعمالهم لعلاج داء الشعوب الغربية الذي وصفنا رغم كونهم ليسوا غربيين وهم سيكونون حطب الحريق الذي سيولده الإرهاب الرمزي كما سنرى.
والثانية هي أن جل نخبنا الأصلانية مصابة بالداء المقابل أعني فائض الحماسة الوجودية التي تجعلهم يستخفون بالحياة فضلا عن الدعة كما يقول ابن خلدون بل يقبلون على الموت برحابة صدر ولكن بصورة مشوهة سببها حصر الشجاعة في آخر حلقاتها وفقدان العمل بمضمون الآية 60 من الأنفال. لذلك فمهندسو المؤامرة يسعون إلى جعلهم حطب الحريق الذي سيتولد عن الإرهاب المادي.
ثانيا الآليات والمراحل:
ولنأت الآن إلى الآليات والمراحل. فالمؤامرة تخضع لعدة آليات قابلة للتحليل المنطقي الذي يردها إلى معادلة بسيطة جدا هي السر في كل ما يسمى بمنطق التصرف في القوى بمنطق اقتصاد الطاقة كما يفعل لا عب الجودو الذي يستفيد من طاقة خصمه ليرغمه على التهديم الذاتي مع تقوية طاقته الذاتية: كيف تجعل عناصر الوضعية عند العدو تفعل بصورة تحقق غاياتك فيهدم نفسه ويقويك خلال تلك العملية؟ والمعادلة البسيطة التي نرد إليها المؤامرة الموجهة إلى الشعوب الغربية لإرجاعها إلى خلق الاستعمار والتخلي عما حصل عندها من تقدم خلقي وروحي تتمثل في عمل آليتين بسيطتين وآليتين مركبتين من فعل إحداهما في أخراهما في الاتجاهين ثم من المبدأ الموحد للآليات الأربع فتكون الآليات خمسا تتحقق بها دورة الإرهاب الكاملة ليكون محفزا للأهداف البعيدة. وهذه الآليات هي:
1-الآلية البسيطة الأولى:
هي تشجيع الإرهاب الرمزي في المجتمع الإسلامي والمجتمع الغربي الذي يتضمن جاليات إسلامية بتجنيد بعض المغرر بهم ممن لهم تجارب سيئة نتجت عن سوء تصرف السلط الروحية (العلماء المزعومين) والزمانية (الحكام المفروضين) في المجتمع الإسلامي. وهدف هذا التشجيع التفجيري نراه في الآلية الثالثة لكن هدفه الأول والأخير هو تعطيل النهضة بفضل التشكيك في كل فكر تحديثي يصدر عمن يحاول تحقيق شروط التحرير الرمزي (=الاجتهاد) للأمة فيتهم بكونه منتسبا إلى جماعة الإرهاب الرمزي ضد قيم الأمة. وبذلك يصبح الفكر ذاته متهما: وتلك هي الغاية القصوى من الإرهاب الرمزي بعد استفزاز الشعوب لتحفيز الإرهاب المادي.
2-الآلية البسيطة الثانية:
هي تشجيع الإرهاب المادي بتجنيد بعض المغرر بهم ممن لهم تجارب سيئة من سوء تصرف السلط الزمانية والروحية في المجتمع العربي الخاضع لسلطان الدول الغربية المباشر حتى تبدو الثورة وكأنها على الأعداء وعملائهم. وهدف هذا التشجيع نراه في الآلية الرابعة لكن هدفه الأول والأخير هو تعطيل الصحوة بفضل التشكيك في كل فكر إحيائي يصدر عمن يحاول تحقيق شروط التحرير الفعلي (=الجهاد) للأمة فيتهم بكونه منتسبا إلى جماعة الإرهاب المادي ضد قيم الحداثة. وبذلك يصبح الإحياء ذاته متهما: وتلك هي الغاية القصوى من الإرهاب المادي بعد اشتفزاز الشعوب بتحفيز الارهاب الرمزي.
3- الآلية المركبة الأولى:
هي دفع ضحايا الآلية الأولى أي آلية الإرهاب الرمزي إلى الحرب الصريحة على حضارتهم سعيا إلى اسبدالها بقيم الغرب فيكونون أولى ضحايا قيم الغرب من الشرقيين الثائرين على قيم بلادهم برد فعل الآلية البسيطة الثانية: يرفضون ومعهم قيم الغرب فلا يحصل التحديث المتروي. لذلك فالمجندون ليس من الضروري أن يكونوا مسلمين بل المهم هو اختيار من يحقق أكبر قدر من الاستفزاز ليكون موضع عملية إرهابية تجعله يبدو ضحية التحديث العقلاني والتبشير بالقيم الغربية. وذلك هو المعين الأول لأغراض الحرب النفسية والإرهاب الرمزي.
الآلية المركبة الثانية:
هي دفع ضحايا الآلية الثانية أي آلية الإرهاب المادي إلى الحرب الصريحة على حضارة الغرب سعيا إلى تبديلها بقيم الإسلام فتأتي الفئة الثانية من الضحايا: ضحايا قيم الغرب من الغربيين أنفسهم حتى يستثار الشعب الغربي ويقبل التضحيات الضرورية لصد هذه الهجمة البربرية. لذلك فالمجندون ينبغي أن يكونوا مسلمين وخاصة من المسلمين الغربيين لأن المهم هو تحقيق الإرهاب بعمليات تجعل ضحاياها يبدون ضحايا البربرية الإسلامية ورفض التبشير بالقيم الغربية أعني رفض الحضارة والمدنية. وذلك هو المعين الثاني لأغراض الحرب النفسية والإرهاب الرمزي.
والآلية الأصل:
هي تشتيت صف الخصوم (الشعوب الإسلامية) وتوحيد الصف الذاتي (الشعوب الغربية). فلا بد من إيصال الخصم إلى الحرب الأهلية (وهذا يضعف المسلمين) حتى يكون التدخل مطلوبا من البعض ضد البعض ولو باسم حقوق الإنسان لمنع الإبادة وإيصال الذات إلى الوحدة حتى تتمكن من خوض الحرب فيستفز الشعب الغربي في قيمه وفي وجوده المزعوم مسالما حتى يقوى على حرب المسلمين دون عائق خلقي بل مقاتلهم بحماسة الحروب الصليبية. وبذلك تغلق حلقات السلسة فتكتمل دورة الإرهابين المتغاذيين إلى غير غاية: وذلك هو المحرك الأول والأخير لكل حرب أهلية لأن الإرهاب الرمزي يمنع الصلح والروية والإرهاب المادي يحقق التهديم والحرب الدائمة.
تحديد الفاعل أخيرا:
وهكذا نصل في غاية المسألة الأولى إلى السؤال عن الفاعل من يكون؟ طبعا فإذا كان الكلام عن مؤامرة ضد الشعوب الغربية قد بدا غريبا فإن تعيين المتآمر سيبدو أشد غرابة. والعجيب أن الاستغراب علته فقدان الذاكرة عند المحللين. وأقصد بالذاكرة هنا ذاكرتين: ذاكرة الفكر الغربي الحديث والوسيط وذاكرة التاريخ السياسي الغربي الحديث والوسيط. لكني سأقتصر على التاريخ الحديث في حالة الذاكرتين الفكرية والسياسية لئلا أعود إلى الحروب الصليبية وفكرها. فما هو الفكر الذي يتكلم عن الإعياء الوجودي والخلقي في الغرب؟ ومن هو فاعل التاريخ السياسي الذي خسر معركة الاستعمار الأول بعد جحيم حروب التنافس على المستعمرات ومنها حربان عالميتان؟ الجواب عن سؤال من الفاعل هو عين الجواب عن هذين السؤالين: إنه اليمين الغربي عامة واليمين النازي الذي يتنكر الآن تحت رداء الاتجاه المسيحي الصهيوني خاصة.
والحادثة التي جعلتني في لحظة خاطفة أربط كل هذه العناصر بعضها بالبعض هي التماثل العجيب بين عقيدتي اليمين المسيحي وأقصى اليمين الفرنسي إلى تبني الموقف الذي يقفه أصحاب السوق السوداء الفرنسيين (Pieds noirs) بصنفيهم أعني من المستعمرين ومن الحركيين (وأمثالهم كثير لم يطردوا لأنهم احتالوا فاستبدوا بثمرة ثورات التحرير) الذين طردتهم حرب التحرير الجزائرية شرط طردة موقفهم من العرب عامة ومن المهاجرين خاصة. وهذه الحادثة هي اعتماد شرطة نيويورك في استخراج فلسفة تحدد علامات الجنوح نصائح شريطي فرنسي من هذا الصنف التابع لفكر لوبان ومن لف لفه.
ولعل ما كان يحول دون الكثير منا وفهم هذا الأخطبوط هو استبعاده بسبب التناغم بين هذا اليمين الناقم على فقدان المستعمرات وخاصة النازي منه وإسرائيل: كيف نفهم أن يكون اليمين العنصري والنازي يعمل بتناغم مع أولى ضحاياه؟ والجواب أظنه بسيطا وبساطته هي سر خفائه: إنهما يتعاونان على عدو أخطر عليهما كليهما من أي منهما على الآخر لا أكثر ولا أقل. كل تعاون بين قوى العدوان كما هو معلوم تعاون مؤقت فضلا عن كون إسرائيل رابحة في كل الحالات: فإذا ربحت أمريكا هذه الحرب ربحت إسرائيل مرتين لأنها تكون مع أمريكا دون فقدان تأييد أوروبا وإذا خسرت تكون قد ضمنت تعاونها مع يمين أوروبا وتبقى دائما المساعد الضروري للاستعمار الأوروبي الذي أنشأها.
وتجنبا للإطالة والإغراق في بيان العلاقات الخفية بين خيوط المؤامرة-خاصة لعلمي أن القارئ العربي عودوه على أن يقرأ عناوين الصحف متثائبا حتى لا يفكر!- سأجمع المسألة الأولى والثالثة لما بينهما من ترابط العلة والمعلول والمسألة الثانية والرابعة لنفس العلة لأختم بالمسألة الأصل. وحتى يكون تدليلي مفيدا سآخذ حالات رمزية ذات دلالة واضحة على مستويين: مستوى الأشخاص الممثلين بصنفهم لهذه المعاني ومستوى بلدانهم الممثلة للعواصم ذات الدلالة التاريخية في الوطن العربي.
وليس أفضل في هذه الحالة من المجال المتفجر بذاته وقد اختاره العدو لكونه يسير التفجير يسرا يساعد على تسريع عمل الإستراتيجية لتنجح المؤامرة على الشعوب الغربية فتتحفز لاستعمار البلاد الإسلامية عامة والعربية خاصة استعدادا لأقطاب القرن الأربعة. وهذا المجال هو المجال الذي تحيط به عواصم الخلافة السنية الخمسة التي ترمز لكل التاريخ الصدامي بين الحضارتين الإسلامية والغربية أي: المدينة (رمزا للإسلام السلفي) والكوفة (رمزا للإسلام الشيعي) ودمشق (رمزا للإسلام العربي) وبغداد (رمزا للإسلام الأممي) استنبول (رمزا لآخر خلافة يمكن أن تكون أول خطوة في النهضة) وسنضيف إلى ذلك مصر رمزا للإسلام المستأنف بعد سقوط بغداد القديم والحالي استنادا إلى الطابع غير الجدي لاستئناف دور المركز في حالتي سقوط بغداد في منتصف القرن الثالث عشر وبداية الحادي والعشرين.
فهذا المخمس ليس مفيدا بتوالي دور هذه العواصم التاريخي فحسب بل وبتساوق دورها الحالي في المعركة الجارية. فالقلب هو دمشق ومن حولها العراق بحديه (الكوفية وبغداد) وقلب الإسلام السني بحد البداية وحد الغاية (المدينة-مكة واسطنبول). واللعبة كلها تدور في المجال الذي يحده هذا المخمس. لذلك فسأقسم الأمثلة إلى ثلاثة. سأختمها بالعراق مثالا للحرب الأهلية الإسلامية وهو ما ترمز إليه العاصمتان اللتان كانتا حد بداية الحرب الأهلية القديمة (الكوفة) وحد غاية الحرب الأهلية الحالية (بغداد). ونبدأها بسورية فنختار منها مثال الإرهاب الرمزي لأن دورها جعلوه حاليا لا يربو عن
08-أيار-2021
02-آب-2008 | |
01-تموز-2008 | |
19-نيسان-2008 | |
07-نيسان-2008 | |
01-نيسان-2008 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |