في التوضيح رقم (1) بيّنا الظروف العامة لإنشاء الـ IOU (International Organization Uncleanliness ) (المنظمة الدولية للقذرين)، وشرحنا كيفية وصولي إلى منصب نائب رئيس المنظمة، إذ انتخبت أميناً عاماً لها، ومن ثم نحيت عن هذا الموقع لارتكابي خطأً كبيراً تمثل بمسح مؤخرتي بورقة الترشيح إثباتاً لعراقة وساختي.
هذه الهفوة استغلها أحد حاسديّ، و أثارت زوبعةً كادت تودي بالمؤتمر التأسيسي للـ IOU إلى مهاوي الانشقاق و التشرذم بين مؤيدين لتصرفي ذاك وبين من اعتبره عيباً وغير جدير برئيس للمنظمة الدولية للقذرين، خشية منهم أن تصير عادة مسح المؤخرة سُنةً يتبعها العامة من الوسخين اقتداءً برئيس منظمتهم.
استطاع هذا الحاسد إثارة الشكوك بجدارة استحقاقي منصب الأمين العام باعتباري شخصاً أثبت من خلال مسح مؤخرته أن فيه بقايا نظافة، مما اضطر المؤتمرين إلى إبعادي عن منصب الأمين العام و انتخابي نائباً له إرضاءً لتياري القاذوري المشارك في المؤتمر، الذي اعتبر أن مسح المؤخرة مرةً واحدةً ولأغراض انتخابية ليس عيباً.
وكانت تلك الحادثة بمثابة إنذار حاسم وقاطع: لا تمسحوا مؤخراتكم ! لتكونوا في الحالة المثالية المناسبة للعضوية و الترشح إلى هيئات الــ IOU القيادية.
وللمهتمين بالتفاصيل و الباحثين عنها إليكم الرابط التالي:
http://aleftoday.info/?option=content&view=article&id=4869&catid=12:يوميــات#up اليوم سنتحدث عن إعدام علي علعل، و دور العميل للنظيفين أبي فلينة فيه، وما أثاره هذا الإعدام من لغط وارتباك في صفوف منظمتنا.
علي علعل وأبو فلينة مجنونان، وقد ارتأت قيادة الـ IOU ضم المجانين إلى المنظمة الدولية للقذرين لعراقة وساختهم وأصالتها وعفويتها، فهم قميؤون دون ادعاء أو تظاهر أو تكلف بسبب نقص أو انعدام قدراتهم العقلية، إذ بوسعك الاطمئنان إلى أن ليس ثمة بقعة نظافة باقية في بناهم النفسية، لأن هذه البنى النفسية لا وجود لها أساساً، و هي إن وجدت ـ وفي أنظف التقديرات ـ تكون بنى مدمرة لا يمكن أن يشوبها أي حنين أو ميل أو انحراف نظافوي.
هذان الشخصان كانا الهمّ الشاغل والشغل الهام للقسم القضائي في الـ IOU، فترة طويلة، فمن هما؟
علي علعل إنسانٌ تخافه النساء النظيفات لأنه فجأةً يخرج لهن عضوه الذكري ليريهن إياه في الشارع، ويمشي خلفه الأولاد لسببين، الأول ليرجموه ويغنوا له: "علي علعل طبخ برغل"، و الثاني كي يلتقطوا منه علب السجائر التي كان يرميها، فقد فقس جنانه على سرقة علب دخانٍ يستمتع بفتحها و تدخين سيجارة واحدة منها فقط، و من ثم يرمي العلبة إلى الطريق بسيجاراتها التسعة عشر الباقية.
أما أبو فلينة فقد فقس جنانه على شرب العرق و السير في الطرقات حاملاً معه ولاعة يشعل بها شعر لحيته الكثّ مقابل بدل نقدي مبلغه خمس ليرات يعطيه إياها النظيفون الذين يهوون حرق اللحى.
دخل الإثنان إلى العصفورية، وبعدئذ ـ بحوالي الشهر ـ مات علي علعل.
أعدم شنقاً، وبموته فقد الأولاد المدخنون سراً عن أهليهم مصدراً مجانياً هاماً كان يؤمن احتياجاتهم التدخينية، وصارت (المنظمة الدولية للقذرين) في موقف لا أحرج منه سوى الإمساك بك متلبساً و أنت تغسل يديك مكرهاً أو مجرباً لبعض عادات النظيفين من باب الفضول ومعرفة كيف يفكر ويتصرف أعداؤك.
سمعنا في الـ IOU بخبر إعدام علي علعل، ولجهلنا أسباب ذلك و الحيثيات التي أحاطت به نعيناه باقتضاب حرصاً على مصداقيتنا، ونشرنا صوره في مزابل ومراحيض العالم، محجمين عن اتخاذ أي موقف تجاه الحدث، إذ لا يمكننا ذلك ونحن على ما فيه من جهل بالحادثة و ملابساتها وظروفها.
شمل الحزن على علي علعل طيفاً واسعاً من الوسخين في العالم، وما كان أكبر من حزننا عليه غير حيرتنا و شوقنا إلى معرفة سبب الإعدام وكيفية حصوله، وهذا أمر كانت دونه صعوبات جمّةٌ، فزملاؤنا الوسخون من المجانين كانوا في العصفورية وهم تحت ولاية إدارتها، أي أنهم خاضعون بشكل كلي لسلطة النظيفين وقوانينهم، ما يعني حقنا الكامل و المطلق بالشك بأية معلومة رسمية تصدر عن خصومنا القائمين على إدارة العصفورية. ولم يكن أمامنا في الــ IOU إلا تسقّطَ الأخبار من هنا وهناك سعياً لتكوين صورة واضحة عما يشغل بالنا وبال الوسخين الذين نتزعمهم في أطراف العالم.
كنا كلما خرج أحد من العصفورية نستدعيه ونستنطقه عن ملابسات إعدام علي علعل، وكانت المعلومات التي جمعناها غير كافية لتكون نسيجاً مترابطاً مقنعاً، فالبعض منهم لم ير بل سمع، وعندما نقل ما سمعه إلينا زاده وحذف منه ما أملته عليه حالته العقلية. فيما البعض الآخر ادعى علمه بالموضوع من أوله إلى آخره، وحين نسأله عن تفصيلٍ ما يأخذنا في متاهات هذيانية لا أول لها و لا آخر، وكان هذا أمراً طبيعياً ومتوقعاً، ففي نهاية الأمر كنا ندرك أن المتحدثين مجانين.
التقاطعات التي أجريناها بين إفادات زملائنا الخارجين من العصفورية جعلتنا نمسك طرف خيط مهم قد يؤدي إلى الحقيقة: لقد أعدم علي علعل لأنه سرق سيجارة.
توالت وتعاظمت ضغوط الوسخين علينا للتحرك واتخاذ إجراء أو موقف تجاه ما أصاب صديقنا القذر المجنون، والقضية أخذت تكبر مثل كرة المخاط الناشف في الأنوف، ومع كبرها كان يتعاظم إحراجنا؛ ما اضطرنا إلى إصدار بيان أكدنا فيه اهتمامنا وحرصنا على متابعة الموضوع، والتزامنا بمسؤولياتنا تجاه الوسخين في جميع أرجاء العالم، و وعدناهم بكشف النقاب عن حيثيات الإعدام فور تحققنا من المعلومات، لافتين إلى التعتيم الإعلامي المحيط بالحدث الناجم أصلاً عن وقوعه أثناء وجود زميلنا المعدوم أسيراً في عصفورية من عصفوريات أعدائنا النظيفين.
أخيراً خرج أبو فلينة، استدعيته، فأتى.
أعجبتني طلته، إذ كنت تلمح طبقات سوداً باديةً من بعيد على محياه، أما لحيته فتشيع لديك انطباعاً بالارتياح الممزوج بالإلفة لشدة شعثها وتغلغل الغبار بين ثناياها وانسياب البصاق عليها، وأكثر ما شدني في مظهره طول أظافره وما اختزنت تحتها، وزيادة في التأنق رش زيت الكاز و البنزين على شعره وثيابه، لقد كان له حضور قاذوري مثير وفريد ملأ بسطوته أرجاء مكتبي.
ـ هيا يا أبا فلينة، أغلق القنينة! (بمعنى أن كلامك سيكون كرفعت الأقلام وجفت الصحف).
ـ " كنا قاعدين بالعصفورية نعصفر ما شاء لنا التعصفر، انسرقت سيكارة لواحد، طبعاً شكينا بعلي علعل، لأنو بحب الدخان كتير، فتشناه، ولقيناها معو.
انعقدت المحكمة، واعترف فيها علي بالسرقة.
محامي الدفاع طلب مسامحة علي و العفو عنه، وقال للقاضي: سيدي القاضي لقد سرق علي سيكارةٌ لأنه كان خرمانٍ.
ممثل النيابة طلب الإعدام وقال: من يسرق سيكارةٌ، يسرق ريجةٍ (الريجة هي معمل التبغ).
وحكموا عليه بالإعدام، ربطنا لفحاتنا وعلقناها، وجبنا شيخ، سأله عن آخر رغباته، فترجانا أن نسمح له بتدخين السيكارة التي سرقها، وبعد أن دخنها شنقناه، هاي كل القصة.".
إزاء ما رواه أبو فلينة، وقد أوردته حرفياً بحركاته الإعرابية الخاصة به، راودتني شكوك تدخّل أعدائنا النظيفين في المحاكمة، فسألته: هل تدخّل أحد من إدارة العصفورية في مجريات المحاكمة؟
ـ " لا ..كانوا مشغولين بالتنظيف، نحن استغلينا الفرصة وعقدنا المحكمة، لو شافونا كانوا أكيد تدخلوا، دكتور بيعرف القاضي بيضغط عليه بجلسة كهربا، وممرض بيعرف النيابة يرشيها بإبرة مخدر .. نحن عملنا كل شي بشكل سري و نزيه وما خلينا حدا يتدخل .".
ـ وما هي المدة التي استغرقتها المحاكمة؟
ـ " يعني شغلة ساعة أو ساعتين.".
ـ هل تعلم كم كانت ستستغرق هذه المحكمة من وقت لو عقدت خارج العصفورية؟
ـ " بعرف، أصلاً ليش دزيت أهله لعلي ليدخلوه عالعصفورية؟"
ـ لماذا؟
ـ "ضجروا منه، وصار بالفترة الأخيرة يسب الناس، ومرة من المرات شتم نائب حاجب آذن الشوفير تبع حاجب رئيس البلدية، فخافوا أن يرسلهم ذلك إلى بيت خالتهم، ولأني أعرف سرعة القضاء ونزاهته بالعصفورية أقنعتهم ليدخلوه لهنيك منشان يموت وما يتحملو مسؤوليتو.".
ـ لكنه سارق ويستحق العقاب؟
ـ "بس مين دزو عالسرقة؟ أنا. أنا قلت له: جيب السيكارة يا جوز الحمارة".
ـ و المحكمة هل عرفت بأنك مشترك بالجرم تحريضاً؟
ـ "ما عرفوا، لأنه حين قال لهم علي ـ الله يرحمو ـ أنني حرضته كان صوت غسالة الأوتوماتيك تبع العصفورية عالي، ما سمعوه".
ـ ماذا أعطاك أهل علي مقابل ما فعلت؟
ـ "حرقت لهم لحيتي، وبدل ما يعطوني خمس ليرات أعطوني عشرة، وأعطوني صورة لعلي علقتها بالمغارة تبعي".
اعتذر أبو فلينة لاضطراره للمغادرة، فقد علا نهيق حماره في الخارج، مذكراً إياه بموعد الإقلاع إلى الصين لتوقيع صفقة استيراد لمبات (مصابيح) محروقة كما قال.
أرسلت إلى المكتب الصحفي للـ IOU للتعميم على وكالات الأنباء عن مؤتمر صحفي يشارك به أبو فلينة ليكشف للعالم حيثيات الإعدام بعد عودته من الصين. لكن المؤتمر لم يعقد؛ إذ طلب أحد النظيفين من أبي فلينة ـ فور خروجه من مكتبي ـ إشعال لحيته مقابل خمس ليرات، فهبت النيران في جسده بفعل زيت الكاز و البنزين اللذين رشهما تعطراً وتزيناً لمقابلتي، ومات منجزاً بذلك (هولوكوسته) الخاص.
ولم تنته بموت أبي فلينة وعلي علعل المشاكل.
فقد أفقرنا ارتفاع أسعار المصابيح المحروقة، لندرتها بسبب موت أبي فلينة قبل سفره إلى الصين لتوقيع عقد استيرادها.
وما زالت سرقة السجائر متفشية، وما زلنا ننتظر القبض على السارقين، وما زلنا نمني النفس بمحاكمتهم.
في المرة القادمة سنعرض موقفنا من قضية حساسة أخرى تشغل بالكم، فانتظروا توضيحنا الثالث. اكتبوا لنا استفساراتكم بخصوص مواقفنا من مختلف القضايا، سنشرحها لكم بمنتهى الشفافية.
وتفضلوا بقبول فائق التقذير (التقدير وفق منطقنا)
نائب الأمين العام IOU
رئيس اتحاد الوسخين العرب
حسّان محمّد محمود[email protected]