يُقدِمُ الشّبقُ على جسّ نبض مشبوقته، فإن هي وافقته كان ما كان.
وجسّ النبض ذاك ما هو إلا اختبارٌ للنوايا يرتدي لبوساً من الرقّة، ِرقّةٌ مصطنعةٌ، غاياتها بعيدةٌ عن وسائلها، ومراميها مختلفةٌ عن لبوسها الرقيق.
فالغمزة، والعين الذابلة تريد اعتصاراً فظّاً للنهد، و الوردة المهداة إنما هي لتيسير شمّ رائحة المجسوس نبضها، وكلمة حبيبتي ليست إلا تحويراً لكلمة مشبوقتي، وجراح القلب النازفة ما هي ـ في جوهرها ـ سوى نزف القذف.
وحين يحصل القذف؛ تتلاشى الحاجة للشعر، من: ورود، و حبيبتي..و ..
لهذا يقول حيدر حيدر: "إذا تعانق عاشقان بعد صرخة الجسد فلن يفترقا أبداً".
وأظنّ بقلّة العناق بعد صرخات الجسد. قلّةٌ تصل حدّ الندرة.
لكن، ثمّة حالاتٌ لا تحتاج جسّ النبض المضني ذاك.
في الحبّ الخالص.
وفي العهر الخالص.
إذ يحبّ المرء محبوبته، وتحبّ المرأة محبوبها، يتشابقان دون تكلّفٍ (يصحّ يتسابقان بلهجة النمس قاتل الناموس).
وحينما يشبق عاهرٌ عاهرةً (أركّز كثيراً على حرف العين في الكلمة الثانية) أو تشبق عاهرةٌ عاهراً (أثنّي على تركيزي السابق) تختفي ضرورة تصنّع الرِقّة، وتضمحلّ ممارساتها من: غمزٍ ..ولمزٍ .. و وردٍ.. لأنّ الأمور واضحةٌ، والطريق ممهّدةٌ، والثمن معروفٌ.
والعاهر المرتاد ماخوراً يملؤ جيوبه مالاً، لا وروداً، لأنّ متطلّباتِ المومس بيّنةٌ.
ما سبق يقودنا إلى حصر أسباب اختفاء جسّ النبض، عند البعض.
فإن كانت الموافقة مضمونةٌ لا مكان لجسّ النبض.
وحين لا تخشى العقاب، يغدو جسّ النبض فذلكةً، وترفاً شبقيّاً.
بذا: لا ينبغي وصف من لا يجسّ النبض بالوقاحة، لأنّه ببساطةٍ يرى الطريق مفتوحةً؛ فلم لا يمضي بها؟ ولمَ يفترض عوائق ليست موجودةً أصلاً؟ أتحسبونه عدّاءً في سباقات الحواجز؟
وإن كان صحيحاً ما قاله الممثل جمال سليمان لمجلة سيدتي في لقائه الذي أجرته معه مؤخراً من أن المدعو بسام الملا الذي يعمل مخرجاً قد قال: " بأن من لا يحب باب الحارة يكره الشام"، فإنه لا يمكنك اعتبار ما قاله ـ إن قاله ـ وقاحةً، لأن الوقاحة اجتيازٌ للحدود، وإن لم توجد الحدود فلا اعتداء، ولا ضرورة لجس نبضك في اجتياز ما هو غير موجود.
وفي هذه الحالة أنصحك بمراجعة الوصيّة الأخيرة للعاهرة الخبيرة الموجودة في خاتمة هذه المقالة، وإن لم تفعل؛ تكون كارهاً لمجلة ألف ومؤسسيها وهيئة تحريرها وكتابها وقرائها..
و لا بأس في هذا الصدد من رواية نكتةٍ نمساويّةٍ (نسبة للنمس تبع الملا، وليس دولة النمسا)، تقول النكتة:
ركبت (مستورةٌ) في الباص قرب فتىً غرٍّ صغير السنّ وجميل، وكان الباص متجهاً إلى الشام، ولأغراض التحرش به سألته (المستورة):
ممكن نتعرّف؟
نظر إليها مستغرباً جرأتها وقال لها : بالشام.
ففهمت أن محاولات جسّ نبضه نجحت في (تطبيقه)، و ليس عليها سوى انتظار الوصول إلى الشام، حيث شقة الشاب و ..و..
فصمتت، وانتظرت وصول الباص مبتغاه على أحر من الجمر، وحين كان ذاك، غادرها الشاب المجسوس نبضه غير مكترثٍ بها، فاندحشت به مجدداً، في محاولة لتذكيره (بموعدهما)، وسألته:
ـ ممكن أعرف اسمك؟ ها نحن وصلنا إلى الشام.
قال لها: " من شاعتين قلت لك اشمي بشام".
نعود لموضوعنا:
زوال جسّ النبض شبيهٌ بقدرتك على مخالفة إشارة المرور، إذ تستطيع ذلك إذا غاب الشرطيّ، أو إذا نفحتَه بعض زفرات الحب، من ورود ..وحبيبتي ..و غمز ولمز..ودفع.
لهذا ـ يا عزيزي ـ لم يك من داعٍ لجسّ نبضك في تحوّل دماء أطفال غزّةَ إلى أرصدةٍ في جيوب بعض الممثلين و المخرجين وبائعي العلكة ممن يطبعون صور (الأبطال؟!) على غُلَفِ علكتهم، فهؤلاء ليسوا وقحين، وكل ما في الأمر: غياب مبرّرات جسّ نبضك.
و لا داعي لجسّ نبضك في أن يجعلوا الاستبداد السياسيّ مقروناً بنزق المخرج، والقهر المجتمعيّ قهرَ ممثّلٍ يدّعي أنّ المخرج ظلمه.
ولأنّ الدراما تبنى على الصراع ـ الذي يَخبَرونه ـ يُقْدما على نشر خلافاتهما وإشهارها، فتصير دراماهم واقعيّةً، وتتداخل صراعاتهما بصراعات شخوص (دراماهم) تداخلَ بقايا الطعام أضراسهما، وتصير واقعيةُ الصراع الدرامي واقعيةَ صراعهما، أما غزة (وواقعها) فهي تنويعٌ على اللحن، ضروريٌّ له كضرورة الفلفل للطعام، وهما (المستبد و المقهور) إنما يفعلا ذلك ليحظيا بأكبر شهرةٍ، تتحوّل لاحقاً إلى أرصدةٍ؛ أرصدةٌ ماليّةٌ وأرصدةٌ في عدد مرات ذكر اسميهما في أفواه المتفرجين على(دراماهم).
بمعنىً آخر: دراماهم دراهمهم.
و لا داعي لجسّ نبضك في أن يغفل المخرج حصار العرب لغزّة، لأنّه (واقعياً وليس درامياً) إن فضح من يشارك في الحصار؛ فلن يشتري المفضوحُ (درامياً) المسلسل الذي فضحه، وسوف يعزف عن تمويله، مما يؤثّر على (الثمن) المقبوض، فتقلّ أو تختفي دراهمهم.. ومن ثمّ دراماهم.
واختفاء حاجة جسّ نبضك يجعل سهلاً على من قدّم الاعتذارات لإسرائيل علناً قبل انتخابات اليونيسكو، أن يعلن أنّ سبب خوزقتها له وإفشالها مراميه في الانتخابات؛ هو رفضه التطبيع معها (هو لا يرفض بل الشعب و المثقفون وهو مجبرٌ في هذا).
أتعرفون كيف تزعل عاهرةٌ لم تقبض من العاهر الثمن الذي وعدها به؟
تشكو الظروف الاجتماعية القاهرة (أركز على حرف القاف) التي صيرتها عاهرة ثم تعلنُ عليه الحرب الشبقيّة، دفاعاً عن رائحة الورد و زقزقة العصافير و الدراما الجادة وبراءة النفس البشرية و مكافحة الغش في العلاقات بين الناس واضمحلال العواطف الصادقة وطهر الحبّ وانفلونزا الخنازير وقدسيّة المشاعر والأغنية الهابطة ونقاء السريرة و الشعر و الحداثة و الفساد و تأخر صناعة السينما وانتشار أفلام (السكس) وصفاء الطويّة والإبداع و حرية الفكر ومحاربة التضخم، وكرامة الإنسانية و وحشية من صنع تلالاً من جثث الأطفال، وتهويد القدس، والأقصى و(.. رقصني يا كدع علشان أغيظ العدا بتوع غزة، أصل الحرب الثقافية الشاملة حتولّع.. يا الدلعادي!!).
وبنفس سهولة إغفال المسلسلات حصار بعض العرب لغزّةَ يُلفلفُ تقرير (غولدستون).
وكيف لا؟ فالثائر حل محله التاجر، و الـ (سلام الفياض) صار بديلاً عن الحرب الشحيحة في حماية الأعراض.
وهذا السلام ـ من اسمه ـ واضح أنه سيفيض عليكم مسلسلات لا حصر لها، وسوف يدفع بصناعة الدراما إلى الذرا.
الآن، يا جماعة، يا شباب، يا روحي، إذا انطبقت شروط اختفاء جسّ النبض (الموافقة على الموضوع، وعدم الخشية من العقاب) فلماذا أنتم مُفلفِلون من اللفلفة وكأنّ في مؤخراتكم فليفلةٌ؟ وإذا كان الفلفل و الفلافل متوفران، فلوا ولفوا اللفلوفة و لا تفلفلوها كثيراً حين لفلفتكم إياها، حتى لا تصابوا بالبواسير.
باختصار: لماذا أنتم متفلفلون؟ اهدؤوا!
لا توجعوا رؤوسكم بما ليس من اختصاصكم!
استمتعوا بمشاهدة الأبطال في التلفزيون، طبعاً هم ليسوا الحقيقيين، فهؤلاء لا تستطيعون رؤيتهم لأن وجوههم ليست تلفزيونيةً، وحبكات قصصهم تحتاج معالجاتٍ دراميّةً لا ترقى إلى مستوى وعيكم (الدرامي) و لاتناسب تطورنا (الدرامي).
و هم (أهل غزة) بسبب نقص خميرتهم الدراميّة لم ينضجوا برغم وجودهم في الفرن فترة لا بأس بها، و صاروا (مغامرين)، ومسلسلاتنا ليست (أكشن) ومغامراتٍ، فهي مخصّصةٌ كي تسترخوا أثناء مشاهدتها لتطلق فوّهات مؤخّراتكم أكبر كمّيةٍ من الغازات ( أي الضراط، وماضيها الثلاثي: ضَرَطَ بفتح جميع الأحرف، الضاد و الراء و الط.. ويعبّر عنها أحياناً بعبارة: أخرج ريحاً).
(أنتم) عليكم مشاهدة الأبطال الذين نقدّمهم لكم (نحن).
غريب أمركم! أتحزنون على (1300) شخصٍ ماتوا منذ ما يقرب من عامٍ، أكثر من حزنكم على القتلى الذين رأيتموهم في مسلسلاتنا الرمضانية منذ أيّام؟
فعلاً شعبٌ قليل الوفاء لدراماه ودماء درامييه، التي لم تجفّ عن الشاشات بعد.
وما تحسبون في تقرير غولدستون؟ لا شيء.
هو لا يعنيكم، ليس من اختصاصكم. أتعرفون أنه لم يذكر أيّاً من أبطال مسلسلاتكم الموتى برصاص المحتلين (الدراميين)؟
في كل حالٍ: صوّتوا في الاستفتاءات بأنّ مسلسلنا أفضل مسلسلٍ في العالم، وانتخبوا الملفلفين (في السلطة الدرامية الوطنية الفلـ....يفلية الملفلفة) كي تعاقب غولدستون على عدم ذكر شهدائكم (الدراميين) الذين صرعوا على الشاشات في مسلسلكم.
انتخبونا! وفي المرة القادمة: سوف نرضيكم درامياً، سوف نرضيكم جداً.
درس بالغ الأهمية (الوصية):
العاهرة الخبيرة، تربط عاهرها (شابقها) بها، كي تصعبَ عليه أمر فراقها، فتزيد بذلك ما تقبضه منه. وهي إن هرمت، أو ملّ منها (شابقُها)؛ تلجأ إلى إغرائه بسواها من العاهرات اللواتي يتبعنَ لها عهرياً، لتنال منهنّ جزءاً من الثمن (كمسيون).
كما كانت تفعل بعض المؤسسات الاستهلاكية لتصريف بضاعة كاسدةٍ لسوء صنعها وحقارة جودتها، فتلزمك بعلبة كبريت مثلاً مع كل عبوة زيت تشتريها.
ولو رُبِطَ ثمن بيع تقرير غولدستون بثمن شراء زعامة اليونيسكو، لكانت النتائج غير ذلك، ومن هنا تتجلى أهمية التنسيق و التضامن والإخاء بين البائعين و المشترين. لذا؛ حين نعدكم بأنّنا سوف نرضيكم في مسلسلنا الدراميّ القادم، صدّقوا وعودنا! لأننا استوعبنا الدرس.
وفي رمضان الآتي؛ تستطيعون التأكد من صدق وعودنا، ومن تطوّرنا (الدراما) تيكي.
وتيتي تيتي تيتي متل مارحتي جيتي
كبّيتي الويسكي عليّي وسّختيلي جاكيتي
حاجة تدخني منّي خلّصتيلي باكيتي
معْ كلْ قنيـنة زيت رح يعطونا كبريتي
ويا غزّة لا تهتمّـي هَيْ جايي تمثيليتي
ويا ألف يالله انشري ها لمقالة تبعيتي
تمت. إليكم رابطين متعلّقين بالموضوع:
http://www.aleftoday.info/?option=content&view=article&id=4921&catid=12#up
http://www.aleftoday.info/?option=content&view=article&id=4849&catid=1#up
حسان محمد محمود
[email protected]