قصتان ( يا حريتي قولي للآخرين : - إنني أنـا )
2009-10-09
1 ــ
إنهم يعتقلون الريح
خرجت ريح من غابة مجاورة لدير القمر ، كانت لديها مَهَمة مُهِمة ، لسد فراغ هوّة حبلى . كان عليها أن تتزود ببعض الأعشاب وبعض الأغصان الخالية من الأوراق ، غير إنها نسيت ذلك ، إلا أنه لم يكن شيئاً مؤثراً ، وفي طريقها مرت بالقرب من ضاحية " الأصوات والمؤثرات الخارجية " ، وكانت تريد أن تتوقف لأداء عملية معينة ، غير أنها فضلت الاستمرار في الرحيل . إذ لم يكن ينقص ضاحية " الأصوات والمؤثرات الخارجية " سوى القبعات الكبيرة ، التي تغرق فيها الرؤوس لحد الأذان .. كانوا يودون استعمالها .. لوقاية الأولاد من الشمس أو أي شيءٍ آخر .. إلا أن الريح لم يكن يهمها ذلك ، وفي طريقها .. كانت هناك خيول ، وكانت هناك واحات ، لم تكن الخيول تلتقي في الواحات ، كما أن الواحات لم تكن مستعدة لاستقبال الخيول . وكانت الريح تتساءل : هل أستطيع الوصول إلى العاصمة ؟ .
كانت هذه الريح من النوع القريب الشبه بالعاصفة ، غير إنها كانت مليئة بالحنان والدفء ، ويعجبها أن يطلق عليها لفظ " العاطفة " بدلا من لفظ " شبيهة العاصفة " ، وقبل وصولها بآلاف الأميال لجمهورية الهوّة، استوقفوها عند الحدود وطلبوا أوراقها ، لم تكن تحمل أوراقاً ، كانت تحمل مؤهلات تثبت هويتها ، غير إنهم لم يحفلوا بذلك ، قالت لهم بالحرف الواحد :
- إنها ذاهبة في مهمة مهمة لجمهورية الهوة ، بطلب من الجمهورية نفسها .
لم يصدقوا كلامها ، وطلبوا ورقة تثبت ذلك ، لكنها لم تكن تحمل مثل تلك الورقة التي تؤكد مشروعية قيامها بالمهمة ، فجأة أحست بحركة فجائية للالتفاف حولها من الوراء وإلقاء القبض عليها من الخارج !!!
صرخت في وجوههم برفق :
- أصدقائي ، أنا الريح ، ألا تعرفونني ؟؟
? My friends I’m a Wind ,aren’t you recognized me -
- ماذا ؟
- يمكنكم الاتصال بالغابة للتأكد من هويتي !!
- أية غابة ؟ وأية هوية ؟
- الغابة المجاورة لدير القمر !!
- هذا لا يهمنا .. إننا نلقي القبض عليك بتهمة الإخلال بالأمن ، ومحاولة التسلل والعبور إلى جمهورية الهوّة ، بدون أوراق رسمية !!
فجأة ، بدأت المياه تتدفق من خراطيم المياه كالأمطار ، معلنة القبض، الخ ..
****
ــ 2 ــ
أنهم يطاردون الغابة !!؟؟
استطاعت إحدى الغابات أن تعتقل جنديا ًهاربا ً من الخدمة في زمن الحرب ! ، لم تفعل له شيئا ً سوى أنها جعلته يأوي إليها مفكراً بالنجاة ومفكراً بالخلاص من الحرب ، وعدته بلا شيء فأمن جانبها ، غير أنها لم تأمن جانبه . كان هاربا ً من الخدمة ، والهارب يمكن أن يقوم بأعمال أكثر طيشا ً من المعتقل، للحفاظ على سلامته ومصالحه ، لم تفعل له شيئاً ، غير أنه تاه في الأعماق . كان عليه في هذه المرة أن يجد سبيلا للخلاص من هذه الأدغال التي يتصورها وهي تكاد تفترسه ، ومع أن الأدغال لم تقم بمثل هذه المحاولة ، إلا أن المذنب يتصور دائما ً كل ذنوبه وهي تطارده .
وفي الغابة أصبحت الحالة مستعصية ، أقل حركة يشتبه بها يمكن أن تؤدي إلى إطلاق الرصاص وأقل الأصوات المزعجة يمكن أن تثير حفيظة الغابة ، غير أنها كانت أكثر رصانة وأكثر تحفظا ً في سيطرتها على انفعالاتها ، لكن الجندي الهارب هارب على كل حال، هارب من غابة المعادن والفولاذ إلى غابة الأوراق والأغصان والأخشاب والأعشاب ، وكان هروبا ً مباغتا ً شديد الوطأة ، ناسياً خلاله كل حكمة ، داخلا ً إلى الغابة بلباس حفلات الموت ، وفي فترة قصيرة تعودت الغابة هذا الوجه اليائس الماكر ، لكن الهارب لم يتعلم في هذا الجو المشحون سوى الشك .
كانت الأشجار السامقة تبدو مخيفة كالعمالقة ، وكان حفيفها يترك أثراً غامضا ً ، والشمس كانت تتسلل إلى الغابة من بين أوراق الأشجار الكثيفة المتشابكة بعناء . الطرق كانت عرضة للاختفاء ، والممرات متشابهة جميعاً ، ملامح غامضة ، شروط صعبة للوجود ، أياد ٍ ممتدة في الفراغ ، وفوق كل ذلك مغامرات للموت بلا سبب ، وأسباب للموت بلا مغامرات ، قال الهارب مخاطبا ً البوم :
- كيف أنجو من هذه الفوضى ؟
بادرته بالإجابة شجرة الغرب :
- بالفوضى !
وقالت أغصان متشابكة :
- بالضوضاء !
قال الهارب :
- هل هناك سبيل لإقناعي بهذا ؟
قالت شجرة الغرب :
هناك سبيل للاقتناع بهذا .
- كيف ؟
- إذا أردت أن تثبت قم بثورة !
- وإذا فشلت ، ستطير الثورة !
- ليس نجاح الثورة هو المجدي ، بل المغامرة هي الأفضل أمام كل هذا الـ ( . . . ) !
- وكيف أبدأ أولا ً ؟
- ابدأ أولا ً بإشعال الحرائق الصغيرة ، وحاول اصطياد الحيوانات الكبيرة ، ثم تظاهر إنك أسير قوى مجهولة .
- ولكن هذه الطريقة تفضي إلى لا شيء .. إلى العدم !
- يجب أن تنظر بعيدا ، يجب أن تنظر إلى ما بعد الهوة التي تتبع العدم، ولتبدأ الآن ، تظاهر الهارب بالغباء ، وكانت الأفكار تتسابق في ذاكرته ، متلاحقة كالرؤى متدافعة كالمتظاهرين المطوقين ، قال مخاطبا ً الأشجار الكثيفة :
- ولكن ألا تعتقدون أنكم أُسراء قوى مجهولة مثلي ؟ لستم بحاجة إلى رتوش للقيام بثورة ، انتم على الأقـل في مواقع أفضل للقيام بها، أنتم متفقون مسبقا ً على أنكم هنا في المكان الخطأ .
- إننا منظمون فعلا ً ، ولكننا لا ندري كيف ؟!!
- إذن يجب أن تنطلقوا نحو الشرق ، هناك يمكنكم أن تجدوا كل شيء !
فجأة تخللت الرياح الغابة ، وأخذت الأشجار تتلاطم متدافعة ومتهاوية، واحدة تسقط إثر واحدة . تراجع الهارب إلى الشرق ، ليشاهد مأساة الغابة، كانت الأشجار ما زالت تتساقط أمامه ، فاتحة الطريق نحو الشمس الآذنة بالغروب حيث تبدأ هناك أيضا ً ، مغامرة أخرى لا يمكن إلغائها ، إذ أنه لا يمكن التكهن بها .
*****
محمد ممدوح
العراق ــ بغــداد
08-أيار-2021
14-تشرين الأول-2009 | |
09-تشرين الأول-2009 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |