Alef Logo
ابداعات
              

قصتان ( يا حريتي قولي للآخرين : - إنني أنـا )

محمد ممدوح

2009-10-09

1 ــ
إنهم يعتقلون الريح

خرجت ريح من غابة مجاورة لدير القمر ، كانت لديها مَهَمة مُهِمة ، لسد فراغ هوّة حبلى . كان عليها أن تتزود ببعض الأعشاب وبعض الأغصان الخالية من الأوراق ، غير إنها نسيت ذلك ، إلا أنه لم يكن شيئاً مؤثراً ، وفي طريقها مرت بالقرب من ضاحية " الأصوات والمؤثرات الخارجية " ، وكانت تريد أن تتوقف لأداء عملية معينة ، غير أنها فضلت الاستمرار في الرحيل . إذ لم يكن ينقص ضاحية " الأصوات والمؤثرات الخارجية " سوى القبعات الكبيرة ، التي تغرق فيها الرؤوس لحد الأذان .. كانوا يودون استعمالها .. لوقاية الأولاد من الشمس أو أي شيءٍ آخر .. إلا أن الريح لم يكن يهمها ذلك ، وفي طريقها .. كانت هناك خيول ، وكانت هناك واحات ، لم تكن الخيول تلتقي في الواحات ، كما أن الواحات لم تكن مستعدة لاستقبال الخيول . وكانت الريح تتساءل : هل أستطيع الوصول إلى العاصمة ؟ .
كانت هذه الريح من النوع القريب الشبه بالعاصفة ، غير إنها كانت مليئة بالحنان والدفء ، ويعجبها أن يطلق عليها لفظ " العاطفة " بدلا من لفظ " شبيهة العاصفة " ، وقبل وصولها بآلاف الأميال لجمهورية الهوّة، استوقفوها عند الحدود وطلبوا أوراقها ، لم تكن تحمل أوراقاً ، كانت تحمل مؤهلات تثبت هويتها ، غير إنهم لم يحفلوا بذلك ، قالت لهم بالحرف الواحد :
- إنها ذاهبة في مهمة مهمة لجمهورية الهوة ، بطلب من الجمهورية نفسها .
لم يصدقوا كلامها ، وطلبوا ورقة تثبت ذلك ، لكنها لم تكن تحمل مثل تلك الورقة التي تؤكد مشروعية قيامها بالمهمة ، فجأة أحست بحركة فجائية للالتفاف حولها من الوراء وإلقاء القبض عليها من الخارج !!!
صرخت في وجوههم برفق :
- أصدقائي ، أنا الريح ، ألا تعرفونني ؟؟
? My friends I’m a Wind ,aren’t you recognized me -
- ماذا ؟
- يمكنكم الاتصال بالغابة للتأكد من هويتي !!
- أية غابة ؟ وأية هوية ؟
- الغابة المجاورة لدير القمر !!
- هذا لا يهمنا .. إننا نلقي القبض عليك بتهمة الإخلال بالأمن ، ومحاولة التسلل والعبور إلى جمهورية الهوّة ، بدون أوراق رسمية !!
فجأة ، بدأت المياه تتدفق من خراطيم المياه كالأمطار ، معلنة القبض، الخ ..
****
ــ 2 ــ

أنهم يطاردون الغابة !!؟؟

استطاعت إحدى الغابات أن تعتقل جنديا ًهاربا ً من الخدمة في زمن الحرب ! ، لم تفعل له شيئا ً سوى أنها جعلته يأوي إليها مفكراً بالنجاة ومفكراً بالخلاص من الحرب ، وعدته بلا شيء فأمن جانبها ، غير أنها لم تأمن جانبه . كان هاربا ً من الخدمة ، والهارب يمكن أن يقوم بأعمال أكثر طيشا ً من المعتقل، للحفاظ على سلامته ومصالحه ، لم تفعل له شيئاً ، غير أنه تاه في الأعماق . كان عليه في هذه المرة أن يجد سبيلا للخلاص من هذه الأدغال التي يتصورها وهي تكاد تفترسه ، ومع أن الأدغال لم تقم بمثل هذه المحاولة ، إلا أن المذنب يتصور دائما ً كل ذنوبه وهي تطارده .
وفي الغابة أصبحت الحالة مستعصية ، أقل حركة يشتبه بها يمكن أن تؤدي إلى إطلاق الرصاص وأقل الأصوات المزعجة يمكن أن تثير حفيظة الغابة ، غير أنها كانت أكثر رصانة وأكثر تحفظا ً في سيطرتها على انفعالاتها ، لكن الجندي الهارب هارب على كل حال، هارب من غابة المعادن والفولاذ إلى غابة الأوراق والأغصان والأخشاب والأعشاب ، وكان هروبا ً مباغتا ً شديد الوطأة ، ناسياً خلاله كل حكمة ، داخلا ً إلى الغابة بلباس حفلات الموت ، وفي فترة قصيرة تعودت الغابة هذا الوجه اليائس الماكر ، لكن الهارب لم يتعلم في هذا الجو المشحون سوى الشك .
كانت الأشجار السامقة تبدو مخيفة كالعمالقة ، وكان حفيفها يترك أثراً غامضا ً ، والشمس كانت تتسلل إلى الغابة من بين أوراق الأشجار الكثيفة المتشابكة بعناء . الطرق كانت عرضة للاختفاء ، والممرات متشابهة جميعاً ، ملامح غامضة ، شروط صعبة للوجود ، أياد ٍ ممتدة في الفراغ ، وفوق كل ذلك مغامرات للموت بلا سبب ، وأسباب للموت بلا مغامرات ، قال الهارب مخاطبا ً البوم :
- كيف أنجو من هذه الفوضى ؟
بادرته بالإجابة شجرة الغرب :
- بالفوضى !
وقالت أغصان متشابكة :
- بالضوضاء !
قال الهارب :
- هل هناك سبيل لإقناعي بهذا ؟
قالت شجرة الغرب :
هناك سبيل للاقتناع بهذا .
- كيف ؟
- إذا أردت أن تثبت قم بثورة !
- وإذا فشلت ، ستطير الثورة !
- ليس نجاح الثورة هو المجدي ، بل المغامرة هي الأفضل أمام كل هذا الـ ( . . . ) !
- وكيف أبدأ أولا ً ؟
- ابدأ أولا ً بإشعال الحرائق الصغيرة ، وحاول اصطياد الحيوانات الكبيرة ، ثم تظاهر إنك أسير قوى مجهولة .
- ولكن هذه الطريقة تفضي إلى لا شيء .. إلى العدم !
- يجب أن تنظر بعيدا ، يجب أن تنظر إلى ما بعد الهوة التي تتبع العدم، ولتبدأ الآن ، تظاهر الهارب بالغباء ، وكانت الأفكار تتسابق في ذاكرته ، متلاحقة كالرؤى متدافعة كالمتظاهرين المطوقين ، قال مخاطبا ً الأشجار الكثيفة :
- ولكن ألا تعتقدون أنكم أُسراء قوى مجهولة مثلي ؟ لستم بحاجة إلى رتوش للقيام بثورة ، انتم على الأقـل في مواقع أفضل للقيام بها، أنتم متفقون مسبقا ً على أنكم هنا في المكان الخطأ .
- إننا منظمون فعلا ً ، ولكننا لا ندري كيف ؟!!
- إذن يجب أن تنطلقوا نحو الشرق ، هناك يمكنكم أن تجدوا كل شيء !
فجأة تخللت الرياح الغابة ، وأخذت الأشجار تتلاطم متدافعة ومتهاوية، واحدة تسقط إثر واحدة . تراجع الهارب إلى الشرق ، ليشاهد مأساة الغابة، كانت الأشجار ما زالت تتساقط أمامه ، فاتحة الطريق نحو الشمس الآذنة بالغروب حيث تبدأ هناك أيضا ً ، مغامرة أخرى لا يمكن إلغائها ، إذ أنه لا يمكن التكهن بها .
*****
محمد ممدوح
العراق ــ بغــداد






تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي
المزيد من هذا الكاتب

قصتان قصيرتان

14-تشرين الأول-2009

قصتان ( يا حريتي قولي للآخرين : - إنني أنـا )

09-تشرين الأول-2009

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow