عذريّة أخي
خاص ألف
2009-12-22
شقيقي طالبُ طبٍّ مجتهدٌ، في شهره الأوّل في الجامعة لم يدّخر جهداً للحفاظ على عذريّته الدراسيّة، لم يجد التسيّب الدراسيّ إلى سلوكه سبيلاً.
يسهر، يتعب، بل يشقى..كي ينهي (دروسه).
ـ هذه ليست دروسٌ..أنت طالب جامعةٍ، اسمها محاضرات.
فيعيد ما تفرضه عليه عذريّته، ويسمّيها دروساً.
محظوظٌ أخي، لكن ليس كثيراً.
محظوظٌ لأنّه وجد مأوىً، مكاناً يلمّ جسده بعد الدوام، في المدينة الجامعيّة، في حلب.
و لأنّ الدنيا هكذا، يومٌ لك ويومٌ عليك، عبس الحظّ في اليوم الذي كانت فيه عليه، فاجأه الحظّ، دهمته الصدفة، في عذريّته...الدراسيّة.
غصباً، بعد إلحاحٍ شبيهٍ بإلحاح أمّك كي تأكل، اضطرّ إلى لعب (حل تركس).
في تلك اللحظة، التي أمسك فيها الورق، لأوّل مرّةٍ طيلة الشهر الأوّل من حياته الجامعيّة، فُتح الباب، ودخل والدي، والده، ورآه متلبّساً باللعب.
أتى مسافراً مسافة ساعتين، للاطمئنان على عذريّة أخي... الدراسيّة.
والدي، لم يختر من مئات الساعات التي مرّت من ذلك الشهر؛ إلا ساعة الغياب المؤقّت، الاضطراريّ، لتلك العذريّة ...
العذريّة التي يصدم غيابها أيّ أبٍ فقيرٍ يحلم بابنه لا يكرّر مأساة فقره، يريده متعلّماً، ناجحاً، ومنكبّاً على لملمة الحروف و الكلمات، لأنّه بها يبني صرح حياته.
العذريّة التي يخشى عليها من رفقة السوء، من إغواء الزميلات، ولاعبي (التركس) في المدينة الجامعيّة.
لم يأت والدي، حين كان أخي يُعلّم أقرانه، يشرح ما صعب عليهم فهمه، أو حين يقرأ، يكتب، يبتدع طرقاً لفهم الفكرة، يسهر تدقيقاً لجملةٍ قالها الأستاذ الجليل في المدرّج الكبير،لم يره يتنكّب مئزره الأبيض، يتمعّن جمجمةً وعظاماً لحفظٍ ما في مادّة التشريح.
لم يدخل والدي، غرفة ابنه، أخي، وهو يطبخ طعاماً طلابيّاً، بسيطاً، أو حين يغسل صحنين احتويا وقوده، ذاك الوقود الذي سيذهب إلى المعدة، وإلى الدم، ومنه إلى الدماغ، حيث تقطن العذريّة... الدراسيّة.
شقيقي، بعد أن دهمه والدي، والده، مرتبكٌ، ماذا يفعل؟
أيّة قوّةٍ، ماديّةٍ، روحيّةٍ، تقنع أباً حالماً بابن مجدٍّ، أنّ تلك لحظةٌ هاربةٌ، عارضةٌ، استثنائيّةٌ، أتت من عالم الخجل وجبر خواطر الزملاء، لأنهم افتقدوا اللاعب الرابع؟
أيّة اعتذراتٍ، لأمله الجريح، تبريراتٍ، تعيد ما انكسر، إلى قبل ما انكسر.
كم من الوقت سوف يمضي، حتى يكتشف الأب، أنّ ما رآه ليس دائماً، ليس ثابتاً، وأنّ الأصل في ابنه...العذريّة الدراسيّة.
بعد الامتحان؟
بعد أن تعلن نتيجة الامتحان أصالة العذريّة، رسوخها؟
ذاك وقتٌ طويلٌ، جداً، لا تحتمل عذريّةٌ مشوبةٌ بسوء الفهم تأجيلاً لبراءتها إلى ذلك الحين.
الآن، فوراً، بأقصى سرعةٍ، ينبغي لملمة الأشلاء، تنظيف المكان من نثرات البلّور المختبئة كي لا تدمي أحداً، يجب إبعاد الفضوليين عن مكان الحادث كي يسعف المصابون، إحضار الطبيب لذي ذبحةٍ، إنقاذ فتاةٍ تصرخ من مغتصبٍ مسلّحٍ، الأمر يقتضي اجتماعاً عاجلاً لملكات الفكر و النفس، وأغبى ما يفكّر فيه امرؤٌ ساعتها؛ انتظار نتائج الامتحان.
ثمّة نزفٌ، لا يحتمل الجسد بقاءه، طفلٌ يبكي، امرأةٌ تضع، حريقٌ نشب.
ماذا لو ألغي الامتحان، أو أجّلوه، لزلزالٍ، لحربٍ، لاستدعاءٍ فجائيٌّ إلى العالم الآخر؟
الآن..وليس بعد حينٍ، لأنّ بعد فتحة الباب تلك؛ ارتجفت قلوبٌ، تحتاج من يعيد لها انتظام النبض، لأنّ خوفاً، ترقّباً، تطلّعاً يفرض ذاته، يحثّك لتقليب المحطّات الفضائيّة بحثاً عن خبرٍ عاجلٍ يقضي عليه.
ما بعد الحضور الفجائيّ لوالدٍ، غير ما قبله، تماماً كما العالم قبل 11 أيلول غير ما بعده.
غياب اللاعب الرابع، واستدعاء أخي لملء الشاغر، أحضر آباء الثلاثة الآخرين.
والدي، والد شقيقي، اللاعب الرابع، أضحى في تلك اللحظة والد الجميع، جميع اللاعبين.
والدليل؟
رمى الجميع أوراقهم، أشهروا إفلاسهم، ارتعشوا..و انتهت اللعبة، ذوت المنافسة (التركسيّة) كبالونٍ خرجت منه ريحه.
أبي الآن يشغلُ ثلاثة شواغر أبويّة.
والدي الذي قال:
ـ أمن أجل هذا أرسلناكم؟ أمن أجل هذا تعيشون بعيداً عنا؟
مارس دوره الأبويّ، قام بمقتضيات أبوّته على الجميع..ثمّ انصرف.
للأسف؛ ثمّة قضايا تضطرّ للانتظار، لا تملك إلا أن تسلمها لسلطان الزمان، مهما اشتدّ إلحاحها، تخضع لبلادة التريّث، وضرورات الاستمهال، و إلا ما سبب استغراق الأمنيات وقتاً كي تتحقّق؟
اضطرّت جميع الأطراف للرضوخ انتظاراً صدور نتائج الامتحان، عساها تعلن براءة العذريّة الدراسيّة للاعبين الأربعة...وأعلنتها.
حسان محمد محمود
[email protected]
××××
نقل المواد من الموقع دون الإشارة إلى المصدر يعتبر سرقة. نرجو ممن ينقلون عنا ذكر المصدر. في المستقبل سنعلن عن أسماء جميع المواقع التي تنقل عنا دون ذكر المصدر
ألف
08-أيار-2021
05-أيلول-2020 | |
23-أيار-2020 | |
04-نيسان-2020 | |
21-أيلول-2019 | |
هكذا تكلم أبو طشت ـ الجزء 5 كورنيش الشمس لدعم النقد الأجنبي. |
14-أيلول-2019 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |