يحكى عن قريةٍ كثر فيها فحش النساء، وأظنّ أنّ ذلك مرتبطٌ ـ جوهريّاً ـ بفحش الرجال، إذ لا وجود لفاحشةٍ دون فاحشٍ.

كانت النسوة تتقاطرن إلى الكنيسة زرافات زرافات كي تعترفن للخوريّ بخطئهنّ، و ينلن غفران الربّ على فحشهنّ، و لا تلبث الواحدة منهنّ يوماً أو يومين بعد اعترافها حتى تفحش، فتعود إلى الخوريّ معترفةً بذنبها.

ما أثار حفيظة القيّم على الاعترافات ليس كثرتها أو تكرار بعض النسوة لفعل الفحش، بل اللفظة المستخدمة للتعبير عنه، فرأى؛ بعد أن فقد الصبر على احتمال عبارة (يا أبونا أنا .....) أن يغيّرها إلى عبارة أكثر احتشاماً (يا أبونا أنا زحطت).

ثم جاء يومٌ صدر فيه قرارٌ بنقل الخوريّ من هذه القرية وتكليفه مهامّ كنسيّة في قريةٍ أخرى، فما كان منه إلا أن استودع سرّ ومدلولات كلمة (زحطت) مختار القرية، قائلاً له:

ـ يا مختار! قل للخوريّ الجديد إذا أتت إليه (بعض) نساء القرية معترفاتٍ بأنهنّ (زحطن) فإن هذا يعني ارتكابهنّ الفاحشة، لا تنس!

فسأله المختار مصدوماً، مستغرباً:

ـ يا لطيف!! يا لطيف!! وهل في قريتنا نسوةٌ فاحشاتٌ؟

ردّ الخوريّ:

ـ بعضهنّ.

وفي الحقيقة، (أغلبهنّ) كنّ كذلك.

أتى الخوريّ الجديد، وتسلّم مهامه، وبدأت النسوة تتوافدن للاعتراف بفحشهنّ، مستخدماتٍ ما علّمهنّ إياه الخوريّ السابق، قائلاتٍ (يا أبونا أنا زحطت) .

و لأنّ المختار نسي أن يبلغ الخوريّ الجديد معنى كلمة (زحطت) فقد استولت على الخوريّ الحيرة و التعجّب لأمر سكّان هذه القرية.

كان ينصح الزاحطة بالانتباه لمشيتها، و لبس حذاءٍ مناسبٍ، وشتى النصائح الأخرى ذات العلاقة....لكنّ الأمر استمرّ، وعجب أشدّ العجب لكثرة الزاحطات، وندرة الزاحطين، فشكّ بمرضٍ يصيب النساء دون الرجال في هذه القرية، ما يجعلهنّ (يزحطن)، مرضٌ في البصر، في الساقين...ما جعله يستفسر عن الأمر، فوجد أن ليس ثمّة مرضٌ انتقائيٌّ لجنس من يصيبه كهذا، فجزم أنّ السبب هو طرقات القرية الوعرة و الموحلة، فدعا إلى اجتماعٍ لفعّالياتها و وجهائها، كي يحثّهم على تحسين وضع طرقاتها.

ابتدأ الاجتماع مستعرضاً مشكلة كثرة النسوة (الزاحطات) ، وتكرار (الزحط) لبعض النسوة في اليوم الواحد أكثر من مرّةٍ، مقرّعاً المجتمعين على سوء عنايتهم بشوارع القرية، و إهمال صحّة نسائهم....الخ.

وفيما كان الخوريّ الجديد يتحدّث بحماسٍ، كان المختار يضحك بشدّةٍ، لدرجة أثارت حفيظة الخوري، فقال له:

ـ تضحك يا مختار؟ أتضحك على مشكلةٍ كبيرةٍ تعاني منها القرية ونساؤها، زوجتك البارحة أتت لعندي وقالت أنها زحطت خمس مرّاتٍ، ما رأيك؟

انتهت القصّة..إلا قليلاً.

وأنا الآن أسأل: ما رأيكم بمن اكتشف أنّه جزءٌ من الـ (البعض) أي من الاستثناء، من المكروه، من المنبوذ ؟

ما هي أوّل فكرةٍ تخطر في بال ذاك المختار، بعد أن عرف بـ (زحطات) زوجته؟

ما تتوقّعون سلوكه بعد ذاك الاكتشاف (الزحطاوي)؟

ثمّة تتمّة للقصّة، هاكم إياها:

لم يكن المختار فحسب يعرف مدلولات كلمة ( زحطت)، بل جميع أهل القرية و وجهاؤها، لأنّه كان ثرثاراً، وأخبر الجميع وصيّة الخوريّ السابق، متباهياً بزوجته، مستنكراً فحش و (زحطات) بقيّة النسوة. أي أنّ جميع الحاضرين في الاجتماع المخصّص لمعالجة مشكلة زحط (بعض) نساء القرية مدركون ما تعنيه كلمة (زحطت).

ما سهّل الأمر على المختار أن الخوريّ الجديد لم يكتف ببيان عدد (زحطات) زوجته فقط، فقد توجّه إلى رئيس البلديّة ذاكراً له زحطات زوجته و أخواته، و....أمّه.

وكذلك فعل مع الجميع.

فماذا هم فاعلون برأيكم؟

وكما قالت سوزان ابراهيم في نهاية مقالتها (ستموت بعض وفي نفسها شيءٌ منّا) المنشورة في هذا الموقع وفي جريدة الثورة؛ أقول:

سأترك لكم هذه المرة أن تحكوا أنتم الحكاية!

هامش: من أجل أحاسيس (البعض) أشير أن هذه القصّة حصلت في زمبابوي.

حسان محمد محمود

[email protected]

×××××

نقل المواد من الموقع دون الإشارة إلى المصدر يعتبر سرقة. نرجو ممن ينقلون عنا ذكر المصدر.

في المستقبل سنعلن عن أسماء جميع المواقع التي تنقل عنا دون ذكر المصدر

ألف