في الجزء الأول تحدّثنا عن قريةٍ ـ في زيمبابوي ـ كثر فيها فحش النساء، اللواتي كنّ يأتين إلى الكنيسة للاعتراف بفحشهنّ، طمعاً بغفران الربّ.

وشرحنا كيف ثارت حفيظة الخوريّ، ليس لكثرة أو تكرار الفحش، بل لقذاعة الكلمة المستخدمة أثناء الاعتراف تعبيراً عنه، فرأى أن تستبدل المخطئات عبارة (يا أبونا أنا .....) بعبارةٍ أكثر احتشاماً هي (يا أبونا أنا زحطت).

وبعد صدور قرارٍ بنقله من القرية، استودع الخوريُّ مختارَ القرية سرّ ومدلولات كلمة (زحطت) موصياً إيّاه إخبار الخوريّ الجديد معناها متى باشر عمله.

حين أتى الخوريّ الجديد، بدأت النسوة تتوافدن للاعتراف، مستخدماتٍ ما علّمهنّ إياه الخوريّ السابق، قائلاتٍ: يا أبونا أنا (زحطت).

و لأنّ المختار نسي أن يبلغ الخوريّ الجديد معنى كلمة (زحطت) فقد استولت على الخوريّ الحيرة و التعجّب لأمر سكّان هذه القرية، فدعا إلى اجتماعٍ لوجهائها، كي يحثّهم على تحسين وضع طرقاتها.

وفي الاجتماع، قرّع المجتمعين على سوء عنايتهم بشوارع القرية، وبينما كان الخوريّ يتحدّث بحماسٍ عن كثرة (الزاحطات) كان المختار يضحك بشدّةٍ، لدرجةٍ أثارت حفيظة الخوري، فقال له:

ـ تضحك يا مختار؟ أتضحك ونساؤكم يزحطن؟ البارحة، أتت زوجتك وقالت لي أنها زحطت خمس مرّاتٍ، ما رأيك؟

ولأنّ المختار كان ثرثاراً، و لأنه أخبر الجميع وصيّة الخوريّ السابق، متباهياً بزوجته، مستنكراً (زحطات) بقيّة النسوة، فقد كان كلّ الحاضرين في الاجتماع مدركين ما تعنيه (زحطات) زوجة المختار، وسرعان ما شملت الفضيحة الجميع، لأنّ الخوريّ في غمرة حماسته، و حمأة حنقه، توجّه إلى رئيس البلديّة ذاكراً له (زحطات) زوجته و أخواته، و....أمّه، وكذلك فعل مع سائر المجتمعين، معدّداً لكلٍّ منهم (زحطات) نسوته.

اليوم سوف نحكي عن ردّ فعل سكّان تلك القرية ـ في زيمبابوي ـ اتجاه زحطات (بعض) نسائهم، وإليكم ما حصل:

فور معرفة المختار قصّة (زحطات) زوجته كفّ عن الضحك، واكفهرّ وجهه، وهبّ واقفاً، وقد احمرّت عيناه، و قال بلهجةٍ قاطعةٍ:

ـ لا عليك يا أبونا، سنعالج أمر الطرقات.

أيّده في وعده رئيس البلديّة، مؤكّداً أنّه سوف يقضي على هذه المشكلة من جذورها، و اعترف أنهم مقصرون في (بعض) المجالات ومنها مجال تحسين (بعض) الشوارع التي تُزحّط (بعض) النساء، متعّهداً بوضع إمكانات البلدية المادّيّة و البشريّة ـ كلّها وليس (بعضها) ـ في خدمة سكّان القرية لتحقيق هذا الهدف، وأنّه سوف يسعى لدى أعلى الجهات في عاصمة زيمبابوي كي تدعم (بعض) المشاريع الحيويّة، ومنها مشروع تأهيل طرقات القرية.

فجأةً؛ انتبه رئيس البلديّة إلى أنّ الخوريّ لم يذكر شيئاً عن زوجة رئيس جمعيّة الفلاحين، وكي يتساوى الجميع في فضيحة (الزحطات) سأله بلهجةٍ ماكرةٍ استدراجيّةٍ:

ـ أبونا! يبدو أنّ (بعض) نسائنا (يزحطن) ما عدا زوجة رئيس جمعية الفلاحين، أليس كذلك؟

قال الخوريّ:

ـ بالفعل، لم تأت زوجة السيد رئيس الجمعيّة لتشكو أيّة زحطةٍ.

جحظت عيون الجميع حين سمعوا الخبر، ونظروا باتجاه رئيس الجمعيّة ، ثمّ تعالت أصواتهم دفعةً واحدةً:

ـ أكيد أبونا؟ تذكّر!!

فأكّد قوله السابق، مانحاً زوجة رئيس الجمعيّة شهادة تفوّقٍ في العفّة، لحصولها على درجة صفر (زحطات).

و تستطيعون تخيّل انفجارات براكين الغيظ و زلازل الحسد التي ضربت صدور الحاضرين جرّاء قيام رئيس الجمعيّة بنفخ صدره ومدّ عنقه تفاخراً و تباهياً.

في اليوم التالي للاجتماع، شرعت القرية كلّها بأعمال إعادة تأهيل الطرقات، رجالاًَ ونساءً، شباباً و أطفالاً. يحفرون، ويفرشون الرمل، ويزيلون الصخور, ويرصفون الحجارة، وسط إعجاب الخوريّ الجديد بهمّتهم، و مؤازرته، وتشجيعه بمختلف العبارات و الخطب الوعظيّة.

بعد انتهاء يوم العمل الأوّل، سأل المختار الخوريَّ عن أيّة حادثة (زحط) لأيٍّ من نساء القرية، وكانت النتيجة مثيرةً لسعادة المختار، إذ لم (تزحط) أيّة امرأةٍ، وكيف يكون ذاك والجميع مشغولون، ومتعبون، و لا يملكون وقتاً كي (يزحطوا).

واستمرّ الحال هكذا طيلة فترة العمل التي امتدّت شهراً كاملاً.

انتهى المشروع، فعادت النسوة ـ باستثناء زوجة رئيس جمعيّة الفلاحين ـ للاعتراف بفحشهنّ، إنما بعبارةٍ فجّةٍ، كنّ يستخدمنها قبل عبارة (يا أبونا أنا زحطت) لأنّ (زحطت) أضحت مكشوفةً، ما جعل الخوريّ يتمنى عليهنّ استبدال تلك الكلمة المقذعة بأخرى أكثر احتشاماً، هي: (أنا وقعت).

وصارت النسوة تستخدمنها في اعترافاتهنّ الكثيرة، و الكثيفة، و المتكرّرة... فيما رجال القرية مطمئنّون، مرتاحو البال، لأنهم كانوا كلّما التقوا بالخوريّ يسألونه:

ـ هل (زحطت) أيٌّ من نسائنا اليوم؟

فيقول لهم بأن لا (زحطات)، فيحمدون الله على هذه النعمة، ويملؤهم الشعور بالرضا، غير عارفين أن (بعض) نسائهم (يقعن) .. بكثرةٍ، و تكرارٍ، و كثافةٍ.

إلى أن جاء يومٌ تقرّر فيه نقل الخوريّ إلى قريةٍ أخرى، فما كان منه إلا أن فعل ما فعل سلفه، واستودع سرّ كلمة (وقعت) رئيس جمعيّة الفلاحين، الذي ما انفكّ ـ سنواتٍ وسنوات ـ يتباهى بانعدام (زحطات) زوجته، وقد اختاره المنقول للقيام بمهمّة إخبار الخوريّ القادم معنى (وقعت) لأنه لم يثق بمختار القرية الثرثار، وكان محقّاً بريبته في قدرة المختار على حفظ السرّ، ألم يفضح معنى (زحطت) قبل ذلك؟

وقبل مغادرته بيت رئيس جمعيّة الفلاحين، همس الخوريّ المنقول لزوجة رئيس الجمعية محذّراً:

ـ إيّاكِ ثمّ إيّاكِ! أن تقولي للخوريّ القادم أنّك (وقعت) لأنّ كلمة (وقعت) تعني (.....) وإن اضطررتِ (لبعض) الاعترافات؛ فلا بأس أن تكون بينك وبين الله، مباشرةً، لا حاجة لأن تبوحي بها للخوريّ الجديد، أعتقد أنّك فهمتِ ....

يحكى، أنّه بعد شهرٍ من مجيئ الخوريّ الجديد، أقلعت أعمال تعبيد شوارع القرية، إثر اجتماعٍ مماثلٍ لاجتماع حلّ مشكلة (زحط) (بعض) نساء القرية، إنما مع تغييرٍ بسيطٍ في المشكلة المطلوب حلّها، وهي ـ كما تعرفون ـ (وقوع) (بعضهن).

وتتالى الخوارنة، و تتالت معهم الاجتماعات والمشاريع، كلّ اجتماعٍ بمشروعٍ، حتى وصلت تلك القرية مبلغاً من التطوّر حسدتها عليه جميع القرى المجاورة، إذ صار فيها مشفىً، و خزّان ماءٍ...

و اليوم، ها هم أهل القرية يدشّنون آخر مشاريعهم، فقد قصّ الخوريّ الشريط الحريريّ لمركزٍ ثقافيٍّ، أول محاضرةٍ فيه ألقتها زوجة رئيس جمعيّة الفلاحين، وكانت عن العفّة و دورها في دفع عجلة تنمية تلك القرية، التي هي إحدى قرى ... زيمبابوي.

حسان محمد محمود

[email protected]

××××

نقل المواد من الموقع دون الإشارة إلى المصدر يعتبر سرقة. نرجو ممن ينقلون عنا ذكر المصدر.

في المستقبل سنعلن عن أسماء جميع المواقع التي تنقل عنا دون ذكر المصدر

ألف