الزعبرة في الدكترة
خاص ألف
2010-02-10
في التبجّح الفكريّ، و الادعاء الثقافيّ، نعاني ما نعني، ربما يكون السبب طبع البشر الكسول، فهم ميّالون للراحة، و فطرتهم تلك ما فتئت تجنح بهم إلى اختصار طرق حيازة لقب (فهمان).
صفة (الفهيم) خاصةٌ بالإنسان، وسعيه إليها جليلٌ وموضع تقديرٍ، وتمثّل ممارسات (الفهيم) نزوعٌ أصيلٌ فينا، إلا أنّ تأثير الكسل في دأبنا لنيل شرف الفهم يوقعنا في شرك الادعاء.
أجل! ندّعي الفهم، وثمّة بونٌ شاسعٌ بين ما ندّعيه و حقيقتنا، يُفترض أن نقلله قدر الإمكان، فذا يقول لك:
ـ وما العلم إلا من عند الله.
فالعلم ليس بالمواظبة، بل يأتي هكذا، بينما أنت متّكئٌ تشاهد التلفاز يهبك الربّ ـ و التلفاز ـ من لدنه علماً.
وآخرٌ يتماهى بالرسول (الأمّي) فيحسب أنّ أيّ (أمّيٍّ) سيؤتى علماً...علماً أن هناك تفسيراتٍ أخرى لأمّية الرسول لا مجال لذكرها هنا.
يرسبون، يتركون الجامعات، مقتدين بآينشتاين، ألم يرسب آينشتاين؟
ويكتبون (أدباً) حتى بات (الأدباء) أكثر من القراء الذين لا يعرفون عن (أدبهم) شيئاً، ومعادلة الكذب على الذات عند هؤلاء هي: أنا كاتبٌ، مثل حنّا مينة الذي لا يحمل إلا شهادة إتمام المرحلة الابتدائيّة، و الناس لا يقرأون لأنهم جاهلون، و لا يعبأون بأدبي لأنه (جادٌّ) وهم لاهثون خلف التسلية التافهة.
(المثقّفون) يلقون بتحليلاتهم ومواعظهم ويشرحون ويفسّرون، و إن طالبتهم: "رفقاً بالمنطق" يستدعون لك (إنجلز) الذي لم يحمل أيّة شهادةٍ جامعيّةٍ؟
طبعاً، لا ذاك سيأتي بما أتى به النبيّ، ولا هذا سيغيّر كما غيّر آينشتاين، ولا أولئك سيتكلّمون ويكتبون مثل (إنجلز) بثلاث عشرة لغةً، و لا (الأديب) ممن أشرت إليهم، سيصل إلى شسع نعل حنا مينة.
صلةً بما سبق، ما أودّ طرحه في هذا السياق ظاهرةٌ تندرج في ذات الإطار، إذ يطلّ عليك حرف (الدال) قبل اسم أحدهم، ليحيطه بهالةٍ قد لا يستحقّها، فالـ (دال) قد تكون دون المدلول، خصوصاً تلك (الدال) المستجلبة من أوربا الشرقيّة، وعلى فرض ارتقائها لمدلولها، قد تكون في اختصاصٍ مختلفٍ عمّا يتحدّث فيه صاحب (الدال).
يتحفك دكتورٌ في الهندسة بمقالةٍ أو رأيٍ في علم الاجتماع، فيمارس على القارئ غير العارف الخلفيّات الهندسية لحرف (الدال) ذاك نوعاً من الإبهار و الإيهام النابع من سلطة اللقب المعنويّة، فيعمّم خطأ استنتاجاته في غير اختصاصه على القارئين المأخوذين بلقب (الدكتور).
المضحك في القصّة هم الأطبّاء، حين يكتبون أو يظهرون في الندوات و المقابلات محاطين بهالة ذاك الحرف، فترى الطبيب متحدّثاً أو كاتباً لمقالةٍ في غير اختصاصه، ناشراً بوساطة سحر (الدال) أخطاء منهجيّةً وعميقةً فيما نشر، والناس مصدّقين له، أليس القائل دكتوراً؟!
هبْ أنك دكتورٌ في التربية، درست ما درست، وبحثت ما بحثت، حتى نلت (الدال) في التربية، وقلت أو كتبت مقالاً نابعاً من صلب مدلول (دالك)، ثم أتاك طبيب أسنانٍ درس خمس سنوات في طبّ الفم، و علّق أو ناقش وفق ما يسّرت له اهتماماته العرضيّة أو السطحيّة من فهمٍ مجتزئٍ لظاهرةٍ تربويّةٍ، ثمّ وقّع أو عرّف عن نفسه: (د. فلان الفلاني) ماذا ستكون نتيجة ذلك على القارئ؟ ألن يصدّقه أكثر من شخصٍ يحمل درجة الماجستير في التربية، لمجرّد امتلاك طبيب الأسنان لقب (دكتور)؟
يا معشر الدكاترة!
يا أيها المتدكترون!
الرجاء، إن كنتم مصرّين على حرف (الدال) وهذا حقّكم؛ فاكتبوا اختصاصكم فيها، دلّونا على مدلولها، ثمّ ادلوا بدلوكم فيما شئتم وكيفما أردتم.
واعلموا ! أنّ التوقيع باستخدام مصطلح (الطبيب فلان) ليس عيباً، وبالأخصّ لأولئك الذين درسوا ـ خمس سنواتٍ ـ طبّ الأسنان، ويرغبون بالحديث عن الشعر العربيّ، فتاريخنا مليءٌ بالأطبّاء الشعراء، كلّ ما في الأمر، أنّكم بذلك تمنعون التباساً قد يحصل في أذهاننا بينكم وبين من يحمل درجة دكتوراه في الأدب العربيّ أو في الدراسات الشعريّة.
وا دكتوراه ! أتبع (الدال) بالمدلول، فذا أبسط مقتضيات المنطق و المعقول.
بقلم: الذي ليس دكتوراً حسان محمد محمود
شسع : وتعني زمام النعل،
×××××
نقل المواد من الموقع دون الإشارة إلى المصدر يعتبر سرقة. نرجو ممن ينقلون عنا ذكر المصدر.
في المستقبل سنعلن عن أسماء جميع المواقع التي تنقل عنا دون ذكر المصدر
ألف
08-أيار-2021
05-أيلول-2020 | |
23-أيار-2020 | |
04-نيسان-2020 | |
21-أيلول-2019 | |
هكذا تكلم أبو طشت ـ الجزء 5 كورنيش الشمس لدعم النقد الأجنبي. |
14-أيلول-2019 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |