مدينة بدم كذب / الجزء الثاني
2010-03-01
خاص ألف
المدينة مفتش في شرطة المعادلة .. ودفتر مفتوح على كل الاحتمالات .. ويطوي أجفانه قبل أن يلج عتبات الحانة ..
تفيق المدينة ..تعبر الشوارع ..ترأف بالمتسكعين .. والثقاة معا ..تدور الدنيا دورتها السابعة وهو ما يزال واقفا أمام عتبة الحانة يتأمل الإعلان بغلقها .. يقرؤه .. ويعيد قراءته .
رحلتِ الأشرعة نحو الشرق بأمر من نابليون بونابرت .. وازدهرت الطباعة .. جفّ ضرع عرا جين البلح في العراق .. وجفت مآقيها .. أصابها القحط والسنين العجاف ، لكنها ما زالت تتمر بلحا ً ..كما أثمرتْ ساقية سيدي يوسف بلحا من الرماد .
تماما.. تماما.
ساقية سيدي يوسف مسقط رأسي .. وسند ظهري إلى ذاكرة آلتْ كما نجوم الليل الحالك .. في ليلة مقمرة .
تماما .. تماما..فأيقظها السعال الذي ابعد عنها الكرى .. تموت السنون عندما تموت أخرى ..
تماما .. تماما ..
وتبقى حكاية الغول ذي السبعة رؤوس صدى في الآذان ، ولحافا يدثّر مصعب الزرقاوي ، حسن البنّا .. بن لادن وغيرهم ..
تماما ، تماما ..
كما الضبُّ يشرب الريح ..كذلك مصعب الزرقاوي يستحم في نهر الأردن لتقتات من مائه .. عرا جين ظمأى.
كانت " زرقاء اليمامة " قد تنبأتْ بقدوم مائه على نهر الأردن ، لم تره من بعيد كما يعرف عنها .. الهدهد هو الذي كشف الماء من أعلى السماء ، هكذا أوردت دفاتر المدينة في أوراقها المفتوحة على كل الاحتمالات ..
.. ينزل اللقطاء أبهى الفنادق .. يلتقي النقيض بالنقيض ..على كأس خمر .. يتبادلان أطراف الحديث ويتصاحبان ..ويتعانقان ..
تماما..تماما، ويتعانقان . تعبثُ التماسيح بالماء بنهر الأردن .. ودجلة والفرات . والليطاني .. وخردوات سوق كيلوباترا ..
- أصمـتْ ، تقول المدينة .. ينكمش مذعورا ..
- عفوا سيدتي أنا من مواليد ساقية سيدي يوسف قرية تونسية ، رآها الهدهد في المنام ، فأجبرها على اليتم ، وأجبرته على العشق .. تماما .. تماما ..
كما تفعل الحيتان في البحر .. في فترة التكاثر ..
- عفوا سيدتي هزتني المساحيق .. فأصبغتُ وجهي بلون البلح ، تماما ، تماما ..ولقحتني بتمر المزابل .. الذي أضفى رونقا لوجهي .. تماما ، تماما كما الأجلاف .. تماما ، تماما ..
كما المثل العربي القائل : '' أحشفا وسوء كيلة "" تماما، تماما .
عفوا سيدتي المدينة على الإطناب ، أنا شاعر وديواني : مائي من طنجة إلى مضيق هرمز، ليس كمثل ريحك الجارفة ، .. إنها ريح الضب المسكين الذي يرتشفها مثلما أرتشف مساحيق وجهي وأنضوي تحتك كعرق نتن ينبعث من إبط نتن ..
أمتص زغيبات إبطك العفن ، عندما أشعر بالعطش .. أشرب رائحتك النتنة – العطرة – وأمتصها لأظفر بنوم عميق –
- أنتِ مرضعتي من الإبط النتن ، كم أتلذذ بقراءة أشعاري تحت كنف رعاية إبطك الطاهرة .. أتلو قصائدي وأشعاري .. وأنظر إلى ما تحت إبطك ..تماما ، تماما كما يتوهم " أوديب" .
لستُ من ملّته .. على كل حال .. أعوذ بالله .. لكنني ملهم بقراءة أشعاري تحت إبطك .. لا أعرف السر في ذلك . فقط لأنني شاعر ، أستبكي إبط أطلالك كما يفعل أمريء القيس تماما .
إبطك أطلالي .. وفاتنة أيامي .. ووفاتي .. ورمسي ..
ارتخي مرضعتي ، لا تتحركي .. دعيني أرضع عفونتك .. شيطان الوحي قد ألهم قريحتي ..
قالت العرب قديما : أعط القوس باريها ..
ها أنا ذا باريها .وقالت جوليا بطرس عبثا : '(( دم العربي ((وين )) .
هاهو دم العربي يشق أمصاري ،، يحتدم بحفنة تراب وشعرٌ في وجداني ..
هاهو ذا (( العربي )) هاهي ذي أقوالي .. قصيدتي ، لا تمانعي ..
صعقتني ، تقول المدينة – ب(( تماما.. تماما )) .
اقرأ ما عندك .. تماما ، تماما .
تتملكني فرحة عارمة ،، أستجمع قواي ، أرتطم كالجمع المؤنث السالم في جملة اعتراضية .. أستحضر سيبويه .. وفقهاء البصرة والكوفة .. وأقرأ انصياعا .. لها (( تماما .. تماما)) كما أمرتني : .
سيداتي .. سادتي ...
تنهرني المدينة : انطق .. بدون مقدمات ..
طيب سيدتي .. عنوان قصيدتي :( بكائية على ضريح السيدة )) .
هاهي كما جادت بها قريحتي : أنا شاعر .. أنا شاعر .
أنبح .
- طيب ، طيب ..
يرحل الأمل ، ينتعل الحزن / الإقامة / الصلب/ الدفء..
يسافر الحلم .. الشمس / الصورة / المرفأ.. يتهور ..
يتهور
يتهور
أتهوّر معه ..تتجبّر المساحيق .. على وجهك ..
يسافر الوجه
يتدحرج .
تُرضع حليمة السعدية طفلا لم يُبعث نبيا .
المورد :
تتغزل على حواشيه القبعات الغربية
يفشل الحب .. الخصب .. العشب ..
يتوهّج .. يتوهّج ..
يتوهج ..
يتوهج ..
يغضب اللهب / الفارس / يتقيأ الخبز .. والتمر / والرغيف / الدفء ..
يفوتني مركب الراحلين ..نحو مرفأ الشمس المحمومة ..
يأسرني الشوق ..
أسمع صهيل فرس عنترة مبحوحا ..
مبحوحا ..
مبحوحا ..
أصرخ : ومعتصماه..أتلوّن كالحرباء ..
ينكرني ..
يلفظني
يرفضني باقة أزهار ..
لسيدة تسكنها المساحيق ..
يهاجر وجهها .. نحو صالونات
يُمنع فيها الجلوس على أبناء حليمة السعدية ..
..ووجهي المنفي .. تطارده المساحيق ..
****
يحصدني الشوق غبارا في صحراء تدمر ..
وأعود أقبّل وجهك ..كصغار تبرأّت القطط منها ..
رغم الجوع ،، يخيّم على الأعشاش ..
أخلع موتي من حياتي ..
فتصادفني المساحيق ..
ترش الضريح ..بأزاهير الأمل المصلوب ..
..وحلوى الأطفال المصلوبة – المحجوزة ..
عند ضابط الجمارك ..
يمتصها / يتبول عليها / يصفع الطائر الصادح بها ..
.. وأنتِ كجوازي المطبوع في ألف محطة ..
يبحث عن تأشيرة ..تبيح دخولي المدن المحظورة ..
***
أتقيأ القائمة / السفر/ الحلم ..
أتقيأ قسرا .. جبرا .. خارطتي المرسومة ..
أتقيأ انتمائي تحت السوط ..أتقيأ الطهارة .. الوضوء .. أفرش القبعة سجادة تحت السوط ..
يا زمنا يربض فيه أبو ذر ..
ينتظر مجيء زوج السيدة ..يُدخله مدن العرق المهدور ..
الاعتراف
أعترف بأن الحظر مطبق ..
وأن الوجه الجاثم فوق وجه رداؤه المساحيق ..
ومائدة الفقراء..قائمة / واجهة المساحيق ..
باقة حزن يرتديها الرفاق ..
يا سيدتي الراقدة تحت المساحيق .
-إحساس :
بعض من مناطق وجهك ..
خارطتي المرسومة بالانتماء / بالحلم / بالحرف/ باللون..
أعشقها ..
كاللولب يدحرجه فلاّح ..
في عائلة تنتمي للبؤساء .
*****
مستبدٌ كالحلم .. سيدتي .
يردعني ريح انتمائه ..
أستقر مع الحقد الأزلي ..
وجموع المنتمين .. إلى القائمة المرسومة .. في غور وجهك .
****
ظلا أرتديك .. سيدتي ..
فجرا / حلما/ أرتجيك ..
وشمسا منكوبة على ضفة النهر الأخر ..
تجيء القوافل ..
محمّلة بالزاد ..
تحاصرها المساحيق
..والشوارع المقفرة ..
تصير أرضا خربة ..
إلا من القبعات الغربية ..
وريحك العاتية ..
تنهر الصّبية ..
ترش راية خالد ..
راية عمر ..
راية أبن العاص ..
فتصير الراية حصارا ..
وحلما مدفونا ..
في الشوارع المقفرة إلا من القبعات الغربية ..
- ما رأيك سيتي في قصيدتي ؟
- كنتْ تنبحْ ..
تستبيحه هذه الكلمات ، يتسمر أمام مدخل الحانة ما يزال مثبتا على المدخل ..يزفر.. يلج الحانة .
– الإعلان –
يقول : بدأتُ أدرك لماذا لا تنبح الكلاب في هذه المدينة في كل أوان ..ولا تنهش كل المارة .. يطوي أجفانه .. رحيق الإبط العفن كان يختزن وعيه ،يختزله .. كل ما في الحانة كان مصادرا حتى الزيت المستثنى من قائمة الجرد .
08-أيار-2021
21-تشرين الثاني-2020 | |
21-تشرين الثاني-2020 | |
17-تشرين الثاني-2010 | |
27-تشرين الأول-2010 | |
29-أيار-2010 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |