كتاب "كثيرة أنت" للشاعرة السورية سوزان إبراهيم الأنا المتعددة في مراياها
2010-03-02
"كثيرة أنت" عنوان عمل شعري جديد للقاصة والشاعرة السورية سوزان إبراهيم (دمشق، دار التكوين 2010)، استعادي لكينونة المرأة، وحياتها وعلاقاتها المتشابكة مع ذاتها كأنثى، ومع العالم كمحاور لها ومراقب لمسيرتها. تكتب الشاعرة أناها فتحاول استعادة كل شيء إلى منبته، بدءا من الإنسان، وحشيته البدائية والفطرة القاتلة التي أوصلته إلى الحلم الإنساني، وانتهاءً بالأشياء في تحجرها وتجذرها الأولي. كل شيء عند سوزان ابراهيم يتحرك بعنف نحو الخلاص والانعتاق، ليتحقق التوحد مع الحقيقة الإنسانية، ويعاد تشكيل آخر للكون والوجود والأنا، أو يعاد زوالها والانفصال عنها بطريقة درامية مفجعة. عملها الجديد جذوة صاعقة تبحث عن شعلة لتضيء مواجع الأنثى وتسرد يومياتها الكثيفة جدا إلى درجة الانصهار والتشظي، وتسجل خيباتها التي لا تقف عند حدود معينة، وتكبل طيرانها وتوقها الدائم إلى إسماع الرجل أنينها الأبدي.
الكتابة موجهة إلى رجل لا يرى الأنثى وهي تعدّ السرير لجسد، وأرجوحة تحلق في غرفته. تكتب الشاعرة الى رجل يبحث عن أكثر من المرأة، عن ابعد منها، عن حلمها الذي لا حدود له ولا بحر ولا سجل أو رقم قيد: "مترف بالبحر وقتي/ راود الحلم الحدود عن حمرتي/ فأنجبتني... ليس لي اسم ولا رقم قيد في السجلات المعتمدة للملائكة أو للشياطين/ اسمي على قارعة كل كون". ربما تقصد الشاعرة بالكون هنا الرجل بوصفه "مالكاً" لها أو معنياً بها. إنه سؤال الشك والقلق المترددين الدائمين اللذين تحاول الشاعرة الاختباء خلفهما عبر الخطاب الشعري الجمالي، من دون أن تدخل كلمات شبقية كالغريزة واللذة والشهوة محفزاً لاستنطاق الجسد وتحريكه.
كتابة سوزان ابراهيم عن الجسد، واعية وهادئة في حضور العقل المراقب، لكن من دون ان تتداعى أو تتلاشى دلالة الحب وتتزعزع اسراره: "غرفتك/ فيها الجسد سرير/ غرفتي/ فيها الجسد أرجوحة تحلّق/ تبحث عن جاريةٍ بصكّ حصري/ أبحث عن خالقٍ/ تحتاجني أرضاً/ أحتاجك السماء".
قد لا يحضر الحب في "كثيرة أنت" بل صورته وظلاله وفلسفته التي أحياناً كثيرة تخنقها الشاعرة بتضخيم اناها وتطعيمها بمخاطبة غائبة أو عبر معاتبة أو جفاء خادعين، لكن ذلك كله يندرج في حالة صفاء عامرة تعيشها الشاعرة من الداخل ولا تستطيع إشعار القارئ بها كونها تعاني عدم الثقة مع الآخر، فهي كالأطفال لا تحتاج إلى الكثير لتحتفل بمقدسات اللعبة: "في حضورك/ كما جريدة أنوثتي/ يستلّها من ركن مهمل سائق/ يلمّع بها زجاج سيارته/ دون كثير انتباهٍ/ ثم يمضي".
من يقشّر "كثيرة أنت" ويتوغل أكثر في بنيته الفكرية واللغوية، فسيقترب من خطوط حمر عميقة وواضحة، وسيتوغل أكثر في تكثيف الجملة وتوسيع المعنى ليشكلا معاً قوس قزح، يرى القارئ من ألوانه ما يحب وما يستطيع رؤيته. فالنص يتحول بفعل الكثافة ومضات دلالية وحواراً مع المتلقي عبر انسيابية اللغة الصريحة وعفويتها، والأبواب التأويلية التي تفتحها الشاعرة للقارئ كيفما دخل وكيفما تجول. فالنص متحرك ومفتوح على مصراعيه، والخيال المدلل الشجي يوقظ الصور من سكونيتها أو تبددها في لحظات جمالية عابرة.
ثمة في الكتاب أربعة أبواب وملاحق لنصوص قصيرة مركبة ومنسقة وفق رؤية شعرية جديدة تراها الشاعرة متعددة، كصفة الأنثى وإحساسها بكينونتها ورفضها وتمردها على ما صار إرثاً مقدساً يخنق انطلاقها. في باب "مرايا" مثلاً، لمحات صوفية وانعكاسات للمعنى، وفي باب "منافي" فأوجاع الوطن والغربة، أما الباب الأخير "sms" فرسائل الحب القصيرة.
إبراهيم حسو
08-أيار-2021
16-كانون الثاني-2021 | |
09-كانون الثاني-2021 | |
27-أيار-2020 | |
02-أيار-2020 | |
30-تشرين الثاني-2019 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |