قصتان لــ
2010-03-20
خاص ألف
نزع
حلم أنه نام ولم يفق. ميتة صامتة ومستورة. لا مكابدة فيها للنزع.
..استيقظ كعادته يوم السوق، يوم عرسه الأسبوعي. سبتٌ مبارك وحبيب. توضأ وصلى الفجر. أولاده سينصبون الخيمة ويهيئون له بَرْكَتَه في قلبها. سيصل على بغلته البيضاء كالعادة وقد بدأت خيوط الشمس تنبلج في سماء غابشة ببقايا الليل. سيجد كل شيء مرتبا وفق ما يشتهي. وسيجلس رضيّا مثل قايد في مكانه المعهود، مطمئنا وهو يمسد لحيته البيضاء وابتسامته المتسامحة تضيء وجهه أكثر... قبل أن يُتم لباس «كابّته» ويخرج ليسرج بغلته أسرّ لزوجته أنه يحس نفسه اليوم «ماشي حتى اللهيه»، دوخة تغشى رأسه وثقل يجثم على عظامه وطائر القلب يرف بجنون..طلب منها شربة ماء، فتحركت نحو الخابية في البيت التحتاني. حين عادت وجدته مستلق على فَرْشَته، وجنتاه متوردتان وشبه ابتسامة طافية على محياه، لم يكن قد أكمل لباسه، ذراعٌ في كم «الكابّة» وأخرى خارج الكم الآخر..اقتربت منه مدققة في وجهه في غبش تلك «السروية»* التي لن تنساها أبدا :
* وا حمّو .. تاعگبت ارگدت؟!**
لم يُجب. تحشرج صوتها وحاولت إعادة السؤال ورعشة تتملك جسدها الناحل:
* وا حمّو...
ومات الصوت في حلقها.
هامش ----------------------------------------------
* "السروية" في الدارجة المغربية هي الفجر
** معنى هذه العبارة هي : هل عدت للنوم
******
نشرة جوية
يومٌ مصهود، تخلع فيه جلدك وتتنصّل من نفسك. جوٌّ كاتم يدفع الروح إلى الحلقوم، ويجعل الحياة غير متحمّلة بالمرة. حتى الصمت، الذي يهفو إليه المرء يغدو جرسَ تنغيص لا يهدأ طنينه في الأذن. جو نموذجي لارتكاب جريمة. هذه هي الحقيقة. أيامٌ من البرد اللاسع والأمطار، ثم فجأة، يهجم كل هذا الحر الدبق ك"مازوت" على إسفلت، الثقيل كالرصاص.
ليحافظ الواحد على خفة الملاك فيه عليه أن يدخل بيته بأسرع ما يستطيع. أن يتحاشى كل الآخرين. أن يخلع حذاءه وملابسه (وحتى جلده إن قدر !) ويستلقي على فرشته. أن يغمض عينيه وحواسه عن العالم ويركز "نظره" على أقصى نقطة في العتمة، تماما كما يفعل "اليوغيون". أن يخلي ذهنه بالكل، ويغسل باله من يومه اللايطاق ذاك.. وينام. نعم، ينام. ذلك أوقى له.. أوقى حتى ولو استيقظ ورأسه يغلي كماء "مقراج" نُسي على مجمر، وفكرة واحدة منغرزة في ذهنه مثل سكين انكسر لحظة اختراقه اللحم : أن يقتل أحدا. نعم، هذه هي الفكرة المترعة بدم فائر، الرغبة المستعرة بكل حمرة الكون، الهاجس الموسوس الذي أخذ يكبر ويكبر ويكبر حتى صار له وقع ضربات طبل في قعر الأذن.. وفي التو يلمع في خياله وجه ذلك الأحد... واحد.. واحد لا غير.. بعينيه الحمراوين ووجهه المرتعش أمامه الآن في المرآة.
عبد العالي دمياني
08-أيار-2021
02-أيار-2010 | |
20-آذار-2010 | |
06-آذار-2010 | |
20-كانون الأول-2009 | |
11-كانون الأول-2009 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |