مذاق نيمانا بشدّة
2010-04-19
خاص ألف
وإلى مسافةٍ ليست ببعيدةٍ هناك بيتٌ من الطينِ، وكأنّ البيتَ غير مسكون، بباحة طويلةٍ وعريضةٍ بالتأكيدِ. انّما فقط جداره من جهة ومن جهة الشّمال عالٍ بشكلٍ شديدٍ. يفكّر أنّ ساكني هذا البيتِ ينبغي أن يكونوا ذوي قامات. لا يخرجون من بيتهم قطّ، إنّما طيورٌ تحمل في مناقيرها وهي تواصلهم مع البشرالآخرين وتحمل الأزهار وهي طريقة العواطف. الأزهار في كلّ مرّة؛ فالأزهار لها عنقها الذي يتحرّك بطريقة مفكّكة حين لا نعود إلى البيت؛ أنفسنا تشبهها وأصلنا مشترك، يشبه اسمكِ البيت الكبير، يشبه مجيء البتلة في باص فارغٍ من الرّكاب. كانت الأزهار التي تضعها الطّيور على العتبةِ طازجة فوقعوا حين تشمّموا رائحتها وولدٌ منهم قصّ بأصبعه بتلةٍ ما، بتلة حمراء من زهرةٍ جميعها صفراء. ثمّ فكّر الولد، أو على الصّحيح، شعر بالشيخ في قلبه. اللهم صلّ وسلم وبارك على محمد، خير المرسلين؛ فعلا مذاق ذلك الخبز الحلبيّ الذي كان ينتفخ في الفرن من البخار، إنّه فعلا مذاق تماما مثل طعم سكّان البيت وأطراف الحناء على ثوبِ فتاتهم التي كانت تعرفه مثلما يعرف يومٌ أنّه أصبح يوم عيد أضحى على مشارفِ المقبرة والأولاد الذين يقرأون القرآن على قبورٍ، يقرأون القرآن ويخطئون، واللحن الذي يخرج من لعابهم يشبه مدرستهم الابتدائيّة في ضواحي المدينة التي لم تكن بيوتها قد بنيت وكان يشعر المرء أنّه في مدينة أخرى؛ كطفل لم يكن يحبّ تلك المدرسة البعيدة في تلك الحارةِ، ويشعر بالبكاءِ، وأنّه بدأ يعرف نفسه بطريقة لا شعوريّة، على كلّ الأحوالِ؛ ويحسّ بركاكة عواطفه حين شمّ بتلة الزّهرة التي قبّلتها الفتاة في البدايةِ وقالت له: نلتقي في حارة ذوي الكرومِ، هناك في جانبٍ من خزّان المياه الواقع بالقربِ من الألغام؛ ثمّ قالت له: نلتقي في باص حارةِ الشّيخ ولا نترك البتلة تذهب وتجيء فارغة وهي في الأخيرِ نبتة حائطنا الأشدّ ارتفاعا؛ تماما من الأوراقِ وكرّاسة مدرسيّة وطوابع لها شكل تلك الرحلة التي قامت بها ذاكرة الزّهرة بين خبز الحارةِ وشيخٍ له قرابة بشيخ وعائلة شيخ أتت من ماردين وحلّت في عامودا وزرعت عواميد كهرباء في ضريح جدّها. قبل ذلك مررتِ بيننا وكانت أمّك معكِ. لكي نتزوّج ويزرع لنا أهلنا عمود كهرباء يشعّ زهرة صفراء أو بتلة قرمزيّة وقال: وقعتُ بقرب البتلةِ مثل قطرة ماء. وهذا تعبير حبّ. فهو علم أنّ أعمدة نقل الكهرباء والفتيات، أنّ الدكاكين على جانبي الطّريق غير ثابتة، إنّما تسير في اتّجاهات ولا تبقى في المدينة حيث ولد، كان يشعر برغبةٍ أن يتحرّك مثلما تتحرّك هذه الأشياء. لكن، لم يستطع؛ كان تحت تأثير البتلة الصفراء، مأخوذا منه العقل ومأخوذة منه الطّاقة، بقي في محلّة يراوح مثل غبارٍ على كتاب، مثل نور على شفة حناء يبست. فنقول: هذا ولدنا الضّعيف وثمّ يشعّ العمود بيتا ونقول: هذا بيتنا الربيعيّ، ينبت عندكو أبيض في الشتاء وأصفر في الربيع على سطحه ولا نستطيع أن ننام من كثرة ثرثرته عن أثاثه وخلاياه وهو خجول، طرفيّ، ينبتُ على الأطرافِ ولا علاقة له بالنباتات، هو عاطفيّ في عصرٍ، خاصّة إن سمع صوت الطّنبورات قبل أن يتحوّل إلى نغمٍ للرقص. وقال لنفسه أحيانا في حلب: قبر الشّيخ يعبّر عن حبّ مهجور وباص غير معطّل وخبز يخبز طازجا في فرن حارة الشيخ مقصود. حين كان يدرس في الجامعة ويقول له بائع الخبزِ حين يستعجله الفتى: صلّ عَ النبي. قال، أقبّل بلطفٍ هذا الحناء الذي على جانب فستانك وقال، هاتي يدكِ اليسرى وفهمت الفتاة، لماذا اليد اليسرى وعرفت جيّدا فأعطته بعض خيطِ فستانها على طريقة غجريّة مأخوذة من صررهم، ملوّنة بألوان دافئة، تصلح الألوان لتدهن بها البيوتُ بدل الكلس الأبيض. ثمّ تتحرّك تلك الفتاة أيضا من أسلاك الكهرباء وامتدّ خيطٌ من العاطفة بينه وبينها وظنّ كما في المنام أنّها سكنت في حلب، عند أقربائها البيرتيّين، في حيّ شيخ مقصود. باص الحيّ، يحمل على كرسيّ من كراسيّه زهرة صفراء واحدة، وليس ثمّة من ركّاب فيه؛ يذهبُ إلى حارة الشيخ مقصود ويرجع إلى موقفه الأخير في باب الفرج. لا يستطيع الباص أن يجد قبر الشيخ، فتبقى البتلة من الزّهرة القرمزيّة على الخيط نفسه بين تلك الفتاة والبيت الكبير في عامودا. أتت من حلب لزيارة أهلها في عامودا، أهلها زاروا القصر الكبير وفي تلك الفرصة الصغيرة، عرفتُ أنني كنتُ أعيش في مدينة ما، نعم كانت تلك التي أعيش فيها مدينة. لها علاقات بالنباتات وكانت النباتات تنبت على السّطوح وفي أطراف العواطف، عواطف تؤكل بدل الخبز مع بعض الليمون وفقدان نيمانا بكلّ شدّة.
×××××
نقل المواد من الموقع دون الإشارة إلى المصدر يعتبر سرقة. نرجو ممن ينقلون عنا ذكر المصدر.
ألف
08-أيار-2021
14-تشرين الثاني-2010 | |
23-حزيران-2010 | |
19-نيسان-2010 | |
05-نيسان-2010 | |
09-كانون الثاني-2010 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |