آخر الكلاسيكيين : قراءة في التجربة الشعرية ليحيى السماوي
خاص ألف
2010-06-07
يبدو أن شعار يحيى السماوي هو نفس شعار المرحوم ممدوح عدوان ( في مجموعته النفيسة : يألفونك فانفر ). إنه يحاول دائما أن لا يلتزم بشكل محدد أو قافية معينة ، و هو في مجمل تجربته مع الشعر يقدم لنا توليفة من الأشكال المناسبة.
- التفعيلة : التي تضعه في مكانه الطبيعي من إطار الحداثة المبكرة ، و من نواياها الدموية تجاه الأب أو القانون ( بتعبير عالم النفس الفرنسي لاكان ).
- ثم قصيدة النثر التي حملت أوزار الأمراض الفنية المترتبة على تفاعلات عالم غامض و وجدان غير محدد و لا يقبل شروط التعارف ، و هموم لا تعلم متى تنتهي الحاجة للحرية و أين تبدأ الضرورة لتطبيق الميثاق.
- و أخيرا القصيدة العمودية التي وضعته في مرتبة آخر الكلاسيكيين.
و طبعا هذا كله من ناحية الصورة فقط ، لذلك كان دوره ينحصر في الموازنة بين ضبط المفردات و إطلاق العنان للرموز بسخاء.
إن بعض أشعار يحيى السماوي عبارة عن تطبيق مباشر لتكنيك ( رجع الصدى ) ، و هو ما يسميه النقاد الفنيون بـ ( المحاكاة ) ، حيث أن استهلاك المعاني يقترض دوما من قيود شروطنا البشرية و من القوانين المادية المؤسفة التي يحكمها منطق الامتناع لوجود.
غير أن هذا القلق من ناحية التكنيك و الشكل لم يترادف معه اضطراب في المواضيع . فقد كان يحيى السماوي شديد المحافظة في موضوعاته ، و هو يعكس دائما في سلسلة من المرايا المتعاكسة اتجاهين أساسيين هما بالتحديد : المراثي و النسيب أو الغزل.
و الغريب في الأمر هنا أن الحب ( باعتبار أنه رغبة فرويدية مؤجلة بالحياة و الغبطة ) ، يعود دائما لينضوي تحت لواء الحب ( باعتبار أنه عاطفة أو تجربة عضوية مكبوتة و محرومة و تسبب الشقاق مع الواقع و النظام ).
و ربما لهذا السبب كان الغزل لديه هو الوجه الآخر أو الصورة التي تعكسها صفحة المرآة عن الحيف و الألم و عن الحنين لما هو ممنوع . و هنا كانت تتساوى بالمعنى الرموز المباشرة التي تدل على رحيل الأم أو موتها ، مع الكنايات البعيدة التي تترك أثرا يدل على المهد الدافئ و البيت السعيد و المدينة الطيبة ، و بعبارة أوضح الوطن الممنوع و المنفى البارد ، و هما نفس المزدوجة التي كانت تضرم النار بجميع أشعار رائد القصيدة الفلسطينية المغفور له ( محمود درويش ).
و من الأمثلة على ذلك قوله في مجموعته ( لماذا تأخرت دهرا ) : أنا سوطي و جلادي ، أنا النيران ، و الحطب ( ص 111 ) . أو قوله عن حكمة هذا الزمان الغادر و الضيق : الصبح كهف موصد ( ص 119 ) . و قوله كذلك : طعنة أخرى ، و تشفى ، من عذاب الجسد ( ص 130 ).
إن هذا التقاطع الافتراضي بين الرموز و الصور ( باللغة التقنية : الإشارات و الأليغوري ) كان هو الأرض المتفق عليها بين الشاعر و أسلوبه ، للتعبير عن مصالحة غير ممكنة مع العلامات الثابتة و القهرية و المتحولات الخارجة على القانون و الحاملة لجميع أدوات و مضامين ثم مفاهيم الثورة.
باختصار ، إن تجربة يحيى السماوي مع الشعر متنوعة و فريدة من نوعها ، و تترك على الدرب شتى النقاط الفارقة ابتداء من الظل الحزين و المضطرب لعصر يشهد على رحيل آخر الكلاسيكيين الكبار ، و حتى بزوغ فجر القصيدة المضادة.
من أهم أعمال الشاعر الكبير يحيى السماوي : عيناك دنيا ، قصائد في زمن السبي و البكاء ، مسبحة من خرز الكلمات ، شاهدة قبر من رخام الكلمات ، الشيخ عبدالعزيز التويجري و أسلوبه المتفرد في أدب الرسائل ، و أخيرا لماذا تأخرت دهرا ؟ . و هي مجموعة صدرت عام 2010 عن دار الينابيع ، و منها القصيدة التالية :
افتراق
أجيئك قنديل عشق..
و نهرا
يحف ببستان وجد ..
يحيط به
سور صدّ..
فليت الذي بيننا
لم يكن
كالذي بين نحل و ورد..
و ليتك تلقين
بعدي :
سريرا دفيئا
كصدري..
و نحلا
لزهر القرنفل في شفتيك
كثغري ..
و مثل عصاي
تنش ذئاب الشتاءات
عن توت ثغر
و نعناع جيد
و تفاح نهد..
و مثل حرير يديّ
يمسد ياقوت خصر
و ريحان خد..
و مثل سيولي
و برقي
و رعدي..
و مثل جنوني
إذا حمحمت في دمائي
خيول التحدي
أنا راحل...
راحل..
فاستعدي..
لتشييع جثمان شوقي
و وجدي!.
2010
××××××××××××××
نقل المواد من الموقع دون الإشارة إلى المصدر يعتبر سرقة. نرجو ممن ينقلون عنا ذكر المصدر.
ألف
08-أيار-2021
مقتطفات من : كافكا في المحاكمة الأخرى بقلم : إلياس كانيتي ترجمة : |
17-نيسان-2021 |
03-تشرين الأول-2020 | |
12-أيلول-2020 | |
22-آب-2020 | |
20-حزيران-2020 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |