اللغة في وحدتها القلقة
2010-06-25
(يقف) الشاعر الفلسطيني فايز حمدان بمريوله الأبيض ( أقف بمريول أبيض 2010) على مرتبة موائمة من سطح الشعرية السورية رافعا بمباضعه الجراحية في اضماد أرواح كائناته المصنوعة من الكلمات والأشياء والتفاصيل (يوميات طبيب أسنان),
شعرية تقترح إحداث مستويات جديدة ومغايرة للمعنى الشعري, وعلى الرغم من بساطة الطرح وسهولة الوصول إلى القاع الشعري واستخلاص المتعة اللغوية منه والبصرية من خلال تشكيل جمل تنتظم على شكل بورتريهات ولوحات تتناغم لغويا وتتناسق صوريا , شعراء على شاكلة فايز حمدان قلما تجدهم في الشعرية السورية أو ربما لا تصادف قراءتهم على الصفحات الثقافية المحلية، أو الأصح قلما تجد قراء هكذا النموذج الشعري , ذلك وأنت تنتهي من قراءة فايز تجد صوتاً خانقا يناديك وأيادِ خفية تربت على كتفك لتريك الطريق الصحيح إلى منبع اللذة وعيون مبرقة تتلون لتفصح لك عن غابات من الصور والدلالات الإيحائية التي لا تنفك أن تعلن نفسها فكر ومقولة الكتاب, وحتى إن كانت تجربة هذا الشاعر السوريالي بعد (أولاد الجيران) ليست سوى إظهار الأنا (الخبيثة) الماكرة وتضخيم نبرتها الخطابية التي حملت الكثير من ادعاءات (جمالية) لم تتضح إلا على مقولة واحدة هي بساطة اللغة وطراوتها وفداحة اناها العابثة:
وحيداً في العتمة
و حيداً أخدّرهم
أسكّن آلامهم بالزرنيخ
وفي الضوء أيضاً وحيد
لا شيء يطفئ حزني
أصدقائي ذوبتهم ثلوج دمشق
سوف أجرّب
أعطيهم الوصفة
ثم اعبر بمريول أزرق.
يكتب فايز حمدان مسجلاً حواراته مع زواره المرضى في رغبة لكشف تفاصيل قابلة أن تكون مادة شعرية أو نصوصا اعترافية تصل أحيانا إلى ثرثرة كلامية تستجر الشعري منها وتلقي ما تبقى من الكلام العادي إلى سلة الإهمال.و هو بذلك يبني خزانا لغويا لاحتواء قلقه وانبهاراته من مشاهدات تصويرية لشوارع دمشق ونسائها والتقاط حياة المارة وأصحاب المحال الموزعة على مفترق الطرق , ومع ذلك يحاول إغراء القارئ أو توريطه بألعابه اللغوية والتصويرية ويرميه في آخر المسار إلى واد من الغرابة ومتاهات المعنى التي تصل أحيانا إلى بعثرة الفكرة واجتثاث جماليتها , إن شاعرية فايز حمدان قائمة على بناء الأحداث وهدمها بتقنية المهندس في لحظة لغوية واحدة , إنه ناكر الجميل لشخصياته وأدواته وحيثيات المواضيع التي يطرحها كبدائل شعرية (كرسي الأسنان) (طبيب أسنان) (غرفة التخدير) (ضماد الجروح) (المريول الأبيض) ( قصائد الموبايل) (ملك البطيخ الحلبي) وفي هذا كله ثمة انسجام منتظم لإعادة معالم الواقع الحياتي المعيشي إلى طبيعتها المتحولة وإلى حلمها المشروط بدهشة وعمق اللغة:
وهي التي تستحم كل ليلة
ثم تضمد بياض الجروح
أما جاري الناصع
في الغرفة المجاورة
أجرب ويحاضر بالنظافة.
نصوص فايز لا تحمل أفكارا عظيمة أو لا تحتمل فكرا ثابتا وتحولات من الداخل ولا تفتقر إلى شرح وتفكيك بنيوي أو ذهني, العزم على الصورة الشعرية هو فتوى الشاعر ومرسومه الشعري, الصورة عندما تتشكل من لغة صعبة المراس ذات دهاليز شائكة يعسر اختبارها وتدجينها , وربما نصه (نرقص مع الغبار) ليس سوى بعثرة الصور في محاولة منحها معاني جديدة ذات مذاق من نوع آخر , وقد يكون هذا النص من أكثر النصوص إيغالاً في البحث عن سياقات لغوية وجماليات تفضح عن مكنونات إنسانية عميقة وهادرة.
(أقف بمريول أبيض ) شعر - فايز حمدان - دار نينوى دمشق 2010
جريدة الثورة / كتب
الأربعاء 23-6-2010م
إبراهيم حسو
08-أيار-2021
16-كانون الثاني-2021 | |
09-كانون الثاني-2021 | |
27-أيار-2020 | |
02-أيار-2020 | |
30-تشرين الثاني-2019 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |