هل يستعيد المعتزلي الجديد عقلانية أسلافه ؟
خاص ألف
2010-07-12
وسط الدعوات الظلامية المتطرفة التي أزاحت العقل وطرحته جانبا لصالح النقل التقليدي الجامد الذي احاط نفسه بجدران العزلة معتبرا كل محاولة لعبور هذه الجدران بمثابة إنتهاك للمقدس متناسين بالطبع إن تفسير المقدس بالضرورة غير مقدس لأنه خاضع للتغيير. تبرز أصوات من هنا وهناك في العالم العربي والإسلامي تدعو لإعادة النظر وإعادة الإعتبار للعقل وإحياء مدارس فكرية إسلامية وضعت العقل في المنزلة التي يستحقها تماهيا مع الحديث القدسي (خلقت العقل فقلت له أقبل فأقبل قلت له أدبر فأدبر قلت بعزتي وجلالي ماخلقت أفضل منك بك أحاسب وبك أثيب). ومن هذه الأصوات التي إرتفعت حديثا صوت المفكر الأيراني المعاصر عبد الكريم سروش وهو الأسم المستعار لحسن حاج فرج الدباغ من مواليد طهران في العام 1945 ,درس الثانوية في مدرسة (الرفاه) التي تمزج مع الدروس الدينية المواد العلمية المعاصرة. التحق بعد ذلك بجامعة لندن في قسم الكيمياء وحصل على شهادة الدكتوراه فيها, وإضافة لتخصصه نهل سروش من فلسفة العلم مطلعاً على أحدث التيارات النقدية الحديثة وتراث المدارس الوضعية. ظهرت أولى نشاطاته الفكرية أوائل الثمانينات من القرن الماضي في كتاباته عن المعرفة والقيمة وكتابه (ماهو العلم؟ ماهي الفلسفة؟) إضافة لدراسته النقدية لكتاب (الأسس المنطقية للإستقراء ) لمحمد باقر الصدر والتي جعلها في كتاب تحت عنوان (القبض والبسط في الشريعة). يدعو سروش للمذهب العقلي الديني واصفا إياه بأنه (الطريق) للعقلانيين الدينيين. وهو مدرسة للفكر تناضل من أجل الإستفادة من كلا التجربتين, تجربة الإنسان والتجربة النبوية, دون التضحية بواحدة لحساب الأخرى. إن هذه المدرسة تؤمن بأنه في عصرنا الراهن لايزال لدى الوحي القديم مايقوله ويعلّمه ولديه مخزون غني لايزال يستنزف بما لاطائل من ورائه ولافائدة. وإنه لمن الظلم أن يختصر ويبتسر المذهب العقلي ليتحول الى طائفة دينية أو حزب سياسي برغم مايمتلك من قدرة على جلب تغييرات عظيمة في كلا المجالين السياسي والديني. إنّ العقلانيين الدينيون يوسمون بالعقلانية لأنهم يؤمنون بأن العقل مستقل عن الوحي ومع ذلك يتغذى منه. ويناضلون من أجل أن يحتفظ العقل بالضوء الذي يحمله لكي يفيض به على الحقيقة ويزيح به ستائر الظلم والإجحاف. وإنهم دينيون لأن إيمانهم الحقيقي لم يبنى على التقليد ولا على الطاعة العمياء, لا على النسب ولا على الإجبار,لا على نزوات الهوى ولا على العرف والعادة, وبلا أي دافع من خوف ولا طمع, بل على القلب منقادا بالعقل وبالتجربة الروحية. وبذلك يعيد لنا سروش صورة المعتزلة الذين يؤمنون بواسطة عقولهم ويعقلنون إيمانهم بالإعتزاز بأغلى مايملك الأنسان ويجعلون منه (أي العقل) مرجعا وحكما.
في جمع من طلبة جامعة شريف في إيران قال المفكر الإيراني المعاصر عبد الكريم سروش: لقد حمل لكم القرآن رسالة الخشية, وأتى مولانا جلال الدين الرومي برسالة الحب أما انا فقد جلبت لكم رسالة الشجاعة. فباستشعاركم للشجاعة وبما يتوجب عليكم من إظهار هذه الشجاعة بالممارسة العملية وذلك في الإبتعاد عن الخرافات والأمور الباطلة والزائفة التي لن توصلكم الى التعليم الحق من خلال مسالكها الملتوية المعطلة للعقل. وعندما سأله أحد الطلاب ( لماذا لا تدعو المسؤولين أن يستشعروا الخوف والخشية وأن تدعو الناس لكي يستشعروا الشجاعة ؟ أجاب سروش. إني ادعوهم أن يخشوا الله لكونهم (أي المسؤولين لايستمعون إلينا كثيرا). لكن مهما علت مراتبهم إلا إننا نأمل منهم أن يفتحوا فضاءا ومساحة من أجل أن يتاح للشعب الفرصة ليرتقي سلّم الفضيلة ويرفض الإثم والرذائل وأن يبينوا لهم أين يقع الظلم وتحدث المظالم. يقول الدكتور سروش إن سيل الوعظ من الأعلى إلى الأدنى لا يعبّد سوى طريقا مسدودا بلا أفق في مجتمعنا.
وعندما سأله طالب آخر عن مشروعه الفكري الجديد أي إعادة إحياء الفكر المعتزلي أجاب سروش إني بدأت التفكير في هذا المشروع منذ زمن بعيد حتى قبل أن أبدأ بالحديث عن تجديد التجربة المعتزلية وأردت أن أبدأ العمل على هذا الموضوع من خلال مسارين الأول من خلال تتبع المراحل التاريخية المتسلسلة لنشوء هذه المدرسة الفكرية وتطورها والثاني من خلال التحليل العلمي المنطقي. وأكمل قائلا : إني أحترم مدرسة المعتزلة الفكرية وأقدرها عاليا لأنها أولى الجماعات الفكرية التي رفعت راية العقل في الثقافة الإسلامية. ولسوء الحظ لم يبقى الكثير من أعمال رواد مدرسة الفكر المعتزلي. ولم نحظ بوجهات نظرهم بشكل كامل إلا من خلال انعكاساتها لدى مرآة خصومهم. بتعبير آخر, إن معظم الباحثين إستقوا معلوماتهم من الكتب التي ألفها خصوم المعتزلة – وبشكل خاص الأشاعرة- للرد عليهم. وبرغم ذلك ومن خلال دراستي لفكر الأشاعرة ووجهات نظرهم وردودهم على المعتزلة في مختلف المسائل إلا إني وجدت نفسي منحازا إلى مواقفهم الفكرية وشيئا فشيئا أصبحت مهتما بالمعتزلة وبخلافاتهم الفكرية مع الأشاعرة. وهذا تماما هو ماحصل عندما إخترت هذا المشروع. بالأضافة إلى سبب آخر بالطبع لهذا الاهتمام وهو الجدل الواسع الدائر في إيران بين الأصالة والمعاصرة والذي أخذ طابعا شرسا. حيث تجد الجميع وقد إنخرطوا في الحديث عن الأصالة والمعاصرة كما لو إنهما عالمين مغلقين في محاولة للبحث عن وجوه التشابه والأختلاف وكل ذلك يجري بعيدا عن المقاربة التحليلية. يتوجب علينا أن نفتح صدورنا لكلا الأمرين للتقليد وللحداثة. لقد بدأت مشروع إحياء فكر المعتزلة لأبث الحياة فيه من جديد عبر هذا الجدل المحتدم بين الأصالة والحداثة وذلك بإعادة القراءة, وإعادة الإعتبار وتجديد وتقييم وجهات نظر وأفكار المعتزلة ومدرستهم الفكرية التي هي مكوّن أساسي للأصالة. يمكن لهذا الطريق أن يجلب لنا مكاسب جديدة ويرينا الطريق لكلا القضيتين وهما الأصالة وكيف نخلّص أنفسنا من براثن الفهم التقليدي المتحجر لها وذلك ما أسعى جاهدا من أجل تحقيقه في مشروعي أي في المحاولة الدؤوب للحصول على الفائدة منها دون أن نقع في أسرها.
بعد ذلك تقدم أحد الطلاب بالسؤال التالي: قلتََََ أنك أصبحت مهتما بالمعتزلة بتأثير النزاع الدائر بين الأصالة والمعاصرة, لكني أود أن أعرف ماهي المسألة الرئيسية التي دفعتك لدراسة هذه المدرسة الفكرية الإسلامية. هل كانت لديك خطة مسبقة عندما درست وجهات نظر المعتزلة؟ وهل كان هناك إرتباط بين وجهات نظرك السابقة وهذه الدراسة؟ أجاب سروش: بالتأكيد كان هناك رابط بين الدراسة ووجهات نظري السابقة لأني أميل إلى آرائهم, في نظريتهم الدينية وفيما قالوه في مبحث الأخلاق بالإضافة طبعا للسبب الرئيسي الذي جعلني أميل إلى مدرستهم الفكرية وهو رفعهم لراية الوحي ـ العقل المستقل وبعد ذلك إنعكاسهما على طبيعة العلاقة بين الإثنين ـ الوحي والعقل, وعرضهم وجهة نظر جديدة, ولآرائهم القيّمة في مسائل كثيرة. كما لو أنهم العملة الصعبة الثمينة التي يمكن إستخدامها في سوق التعلم والبحث. لذلك فإن مشروعي هو مشروع الوعي العقلي وأرى في المعتزلة رفاق سفر أحاول جاهدا أن أبني معهم علاقة وطيدة. كما أحب أن أشير هنا إلى جانب آخر أثار إهتمامي وهو علم الأخلاق المعقول لدى المعتزلة, وجميعنا نعرف إن المعتزلة يؤمنون بإمارة الأخلاق وبتعبير معاصر إنهم يؤمنون بفاعلية الأخلاق ويحملون الأيمان بها بغض النظر عن وجود أم عدم وجود الأنبياء, لأن للأخلاق قيمتها المستقلة.بتعبير آخر إن عقل الإنسان يستطيع أن يحدد فيما إذا كان عملا ما سيء أم جيد. ويختم سروش حديثه بالتأكيد على إن هناك مسائل لايتفق فيها مع آراء المعتزلة ويشدد على إنه يولي الخبرة الإنسانية المتراكمة إهتماما كبيرا ولايدعو للوقوف عند الفلسفة الأولى والمعلم الأول كما فعل المعتزلة.
اخيرا لابد من الإشارة إلى الموقع الألكتروني للمفكر عبد الكريم سروش باللغتين الإنكليزية والفارسية الذي استقيت منه آراءه ووجهات نظره لمن أراد الإطلاع والتواصل وهوwww.drsoroush.com .
×××××××××
نقل المواد من الموقع دون الإشارة إلى المصدر يعتبر سرقة. نرجو ممن ينقلون عنا ذكر المصدر ــ ألف
08-أيار-2021
21-تشرين الثاني-2013 | |
16-تشرين الثاني-2013 | |
05-تشرين الثاني-2013 | |
26-تشرين الأول-2013 | |
15-تشرين الأول-2013 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |