مقاربة نقدية ـ " قراءة في ديوان كم ساذج.. أنت, للشاعرة الدكتورة هناء القاضي"
خاص ألف
2010-07-21
الانتظار بقلب عاشقة وصبر قديسة..
في ديوانها الثاني, كم ساذج أنتَ الصادر عن دار شمس في القاهرة/2010, تواصل الشاعرة العراقية هناء القاضي البوح.. تفتش في دواخلها عن ذاتها التي تبعثرت بفعل ضربة غادرة نالت منها وذرتها في المنافي, بعيدا عن ملاعبها الأولى, وأقصتها عن البلد الذي بات بعيدا عن متناول الرغبة, ولكنه يلازمها مع دبيب الدم في العروق في صحارى الغربة وصقيع الفقد, لذلك تلوذ بنوّارة صدرها المترعة بالحياة والمشبعة بروائح الصبابة.. لا تملك غير البوح والصيام على الم الفجيعة, وتراقص الوجع حتى الثمالة, وهي العاشقة حتى ذروة الرجفة في البدن, يضيء الساكن فيها مراياها الداخلية لتلوذ بالحلم وتذرف الذكريات نزفا على مدار الساعة.. تأخذها الصدمة إلى الدهشة, فتستدعي بعيدها الذي أخذته الضربة إلى صحراء أخرى..
ما الذي يغريك في حزني
وكلانا ينحته الصمت
في مدن المستحيل
قُل لي
كم سنملك من السنين
وهل سيزهر طريقنا.. ياسمين..
ولكنها سرعان ما تصحو على سواد الواقع, وهي المعبأة بالأشواق, محظور عليها الفيض خلف بوابات الغربة الموصدة دون فرح قد يلوح فجأة, وكأن قدرها أن تبقى الحبلى بلا مخاض تعيش حالة نزف الوجع..
كم أشبه الشتاء
كلانا يحترف الغيم
ولا مطر
كبف تنهمر المرأة/الغيمة في وقت الجفاف, والحريق أخذ البيدر إلى يباب, وجعل الانتظار حرفة الموجوعين, وجعل المطر أملا بعيداً, وجنين الرغبة منقوع في عتمة لزجة, ما يجعل الشاعرة المزحزمة تأخذ الأرق حبرا يضيء صفحات الورق, فترسم الوجع وتطلق دخان قلبها المتفحم, والغائص في لجة القلق, بانتظار بشائر ربيع قادم, لذلك تنادي بما يشبه الاستغاثة..
هل جربت النوم مثلي
فوق فراش القلق
والحبر ينزف
على الورق
وعلى سطح بحيرة الحبر تصبح هدأة الليل باحة رحبة, وتصبح العتمة بساطا مخملياً والريح قطار يحملها إلى بعيد صائم على وجعه.. تدلق أحزانها بين يديه
يا من تمتهن الصمت
لك هتاف الريح في باحة الليل
عند شباك وحيد.. يئن
رحيل أحزاني إليكَ
وهاجس للاحتماء
في دفء عينيكَ
هكذا تعيش الشاعرة اللحظة على وجهين.. وجه الحلم/ الرغبة.. ووجه الواقع/ الألم. لذلك عندما تستدعيه تكون في أشد حالات الرغبة والحضور..
قميصك النائم في خزانتي
يعرف أنك لون حلمي.. المفضل
وأنك سيد أسفاري
وأنتَ بساتين بلادي
التي أربكها الحريق
أيعقل أننا قتلنا أجمل اللحظات
نتبارى بالهزائم!!
هي المسافرة إليه الباحثة عنه بوجد لا يملكه غيرها, تمارس معه صوفية خالصة, وتقيم معه صلوات تليق به, لأنه المجبول بالوطن.. لذلك تدعوه في ذروة الوجد إلى التكفير وتذكره ببقاياها الساكنة فيه خميرة توهج تعيده إليها..
لو ظل في قلبك شيء من بقايا
أُتل صلاة الغفران
علَّ شمسا تشرق في مدن الرخام
فتفوع رائحة تراب يلثم المطر
ويكون الشتاء
غير هذا الشتاء
وليل يقسم بسحر الكواكب
والنجم تومض
حين تغني المراكب
هكذا هي تحترف الحلم,لاجتياز صحارى المنافي, والصعود على عطش الروح لعلها تخلصه من سهوم الصدمة, وتستثير لديه طعم الصبابة التي تركت فيه ما لا يمكن نسيانه..
صاخب.. رائع أنت
مليء بالفوضى
مساءاتك سحر
لياليك قصار
مداك منفى
لا يعرف الاختصار
كم تشبه الصيف
كل شيء فيك يمضي سريعا
فهل مضى صيفها قبل أن تنضج الثمار؟!
يتسلل الخوف مع هواجس الفقد, لكن بوصلتها لا تدور خارج مجال جاذبيته,’ ومع ذلك تأخذها الوساوس إلى احتمال موت ما كان
بوصلة الوقت
أينما حركتها
تدور
لتقف باتجاه شرفتك
المغلقة بوجهي
هي تخشى الذبول فتروي زنابقها بماء القلب, وماء العين, لتتضوع أريجا تحمله الريح إليه, وتلقي باقات ودها في ماء النهر ربما يحملها الماء, لكن الريح غيرت مسارها والنهر يفتقد العشاق ومواويل القلوب, والحسرة تسكن الرئتين ترصد الشهيق والزفير..
إجر يا نهر
قبل أن ينالك الجفاف
فكل السنين باتت عجاف
جرفك يحتاج لأحاديث الأمس
ونديمك اليوم صار الحجر..
تفرغ هناء القاضي هواجسها كما تراودها, بلا رتوش ولا مساحيق تخفي تجاعيد روحها, وتطلق عذابها همسا ودموعا تقرح الجفون, وتحمل قلبها الكسير على أطراف أصابعها تحميه من لزوجة العتمة فيتوهج فيها عشقها الأول, ويتماهي الحبيب مع الوطن بكل مآسيه وهمومه التي لونته بالفجيعة وأخذت شرايين الحياة إلى جفاف.. تصرخ:
بين المدى والمدى
حكايات نالها الشحوب
ونداءات مات فيها
الصدى
ولكنها سرعان ما تحدق في مرايا الرؤيا رافضة ما نال الوطن من تجاعيد, فهي وإن شوهت معالمه فإنها لم تنل جوهره
كما أحلم بشمس بلادي
ورغيف تنور
يبعث انتشائي
ونسيم دجلة
يذوبني.. يزرعني لحنا
يفيض بها اللحن فتلعن الليل الطارئ الذي يتمطى غير مرغوب فيه كما يؤكد طفل الحلوى
أشار الغرم إلى جثته المحترقة
تناثرت بجانبها صينية الحلوى
قال
فجروا الشمس في بلادي
شوهوا الأزهار.. واللعب
وعلى امتداد قصائد الديوان, لا تتوقف الشاعرة عن دخول الحلم واستعادة الصور, وممارسة طقوس الولاء والعذاب لحد الاحتراق, تنشد تطهراً, تختبر من خلاله الرغبات والشهوات والجوع إلى الجمال الذي غادرها منذ غادرت الوطن.. وتتحول القصيدة مهما تلون خطابها إلى بطاقة حب لبساتين الروح ولمياه لم تتعمد بغيرها تصبر على حموضة الفقد اللاذعة
فهل تزول وتعود للحياة حلاوتها
وهل تعود العاشقة على جناح قلبها الأبيض بعد رحلة التيه في المنافي
يبقى الجواب معلقا
ربما ولكن هل يعود العمر إلى ما كان!!
××××××××××
نقل المواد من الموقع دون الإشارة إلى المصدر يعتبر سرقة. نرجو ممن ينقلون عنا ذكر المصدر ــ ألف
08-أيار-2021
14-نيسان-2018 | |
30-تموز-2015 | |
13-تشرين الأول-2012 | |
16-أيلول-2012 | |
18-نيسان-2012 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |