كيف ندرس تراث العلويين وتاريخهم
2010-08-04
خاص ألف
قبل البدء بكتابة أي حيثيات عن تراث العلويين وتاريخهم والجوانب المتعددة من حياتهم الروحية والانتروبولوجية والاثنولوجية ..والقوانين والنظريات التي تحكمها، لابد من امتلاك رؤية شاملة لواقع مجتمعنا العربي الاسلامي العام ،وآليات تطوره عبر صورته المستمرة منذ الزمن الموغل بالقدم، ومعرفة الجذور الفكريةوالمعتقدية التي حكمته قيميا وروحيا .
علينا أن نلحظ أي قراءة علمية تاريخية معاصرة لأي مكون بشري من مكونات هذا المجتمع بحكم وجوده قد ساهم في تكوين هذا التاريخ وما ينطوي عليه من سلب وإيجاب في تحقيق المنجزات الحضارية العديدة بهذه المنطقة على كافة الأصعدة وبالتالي له الحق في إبراز مناقبه ،ومزاياه ،والسمات التي اتسم بها في مراحل تكوينه السابقة ..وجذورها البدئية ،وعناصر صيرورتها مهما ـ كانت موغله في القدم ،ولابد من اعتبارها جزءا فاعلا ومتفاعلا من خلال التكوين المعرفي والانتروبولوجي المجتمعي ...وبنيته القبلية بأشكالها المتباينة في مراحلها العديدة ،وأنظمتها الاجتماعية المتعاقبة وعند القيام ببحث تاريخي ،فلا بد أن يشمل هذه المناحي جميعا والعلاقات التي تحكمها وتحدد نمط معيشتها الرعوي أو الزراعي أو التجاري ...وما تتسم به من مفاهيم وقيم وعادات وتقاليد...وتغيرها في كل مرحلة من مراحل تطورها وارتقاءها . فهي خاضعة لنفس النواميس التي تحكم غيرها من المجتمعات في قوانينها العامة والمسار الذي تسلكه صعودا أوهبوطا .فالتاريخ كما عرفه المؤرخون المعاصرون هو أب العلوم وأسسها ، شاملا تاريخ العقائد الروحية وتطورها ،واللغة وآدابها والعلوم التطبيقية وفروعها ،والعلوم الاجتماعية المكونه للوحدة النفسية والثقافية وعلاقاتها ،والأحداث السياسية ومجرياتها ، والحروب البينية من قبلية ومذهبية ودينية ،ونزاعاتها ،وتكوين الدول والإمبراطوريات وصراعاتها والأعلام الصانعين لها في كل عصر وزمان ودورهم في رسم الأحداث وآلياتها.
ومن هنا فأن كتابة التاريخ العربي الإسلامي لجميع شعوبه القديمة المتفاعلة مع بعضها في صيرورة دائمة .. هي مهمة مطروحة على المؤسسات الأكاديمية منذ أكثر من قرن مضى كما هي مهمة التنظيمات السياسية والأهلية والمدنية كمهمة تربوية وتثقيفية لها الفعل الرئيسي في تكوين ذهنية الإنسان العربي ومنظوماته
الفكرية والقيمة والأخلاقية .وكما هو معروف فإن تكوين هذه المهمة ..هي قضية مختلف عليها بين الأكاديميين والمهتمين بسبب تعدد الآراء والمعتقدات والتمسك بها كونها ناتجة عن المواقف العصبوية ،النفعية والاستئثارية المزعومة التي عززت سلطات الحكام المستبدين عبر العصور الماضية ،وحتى اليوم....
ونقول صراحة وبكل وضوح أن الذهنية العلمية الاكاديمية القادرة على تحليل وقراءة الأحداث التاريخية بحيادية وموضوعية مطلقة لم تصل إلى مستوى العصر لدى هؤلاء وبالتالي إلى امتلاك الجرأة الأخلاقية الكافية لوضع النقاط على الحروف ..مهما كانت مغايرة لآرائنا وعواطفنا.
أن أكثر الشرائح الاجتماعية مطالبة بإنجاز ذلك هي النخب الثقافية والسياسية بكل تنوعها الاثني والديني والمذهبي ومرجعياتها والتي كان عليها انجاز هذه المهمة منذ أكثر من قرن سابق .لكن تلك المؤسسات المعنية لم تستطع تجاوز العقد القومية والدينية والمذهبية التاريخية .وأصبح واضحاأن ما تم إغفاله وإهماله وتشويهه للنصف الآخر من الأمة ،وحيثياته من سلب وإيجاب بصورة متعمدة .. يدفعها التعصب والجهل والنفعية الذاتية ،في الوقت الذي كان لزاماً أن يكون ذلك من المهام الأولى لأحزاب حركة التحرر العربية الوطنية والقومية الديمقراطية التي تملك حداً أدنى من التفكير العلمي الأكاديمي المعاصر .كونها طرحت على نفسها انجاز مهام المشروع النهضوي العربي الإسلامي من وحدة وحرية وعدالة اجتماعية وتطوير حضاري مجتمعي على كافة الأصعدة والمستويات .
ان ما يجب أن تدركه جميع هذه الشرائح والنخب وخاصة العلويون من متعلمين ومثقفين ورجال دين أن إظهار تاريخ العلويين كجماعة بشرية فاعلة ساهمت في صنع أحداث هذه المنطقة في الماضي السحيق وحتى اليوم كجزء من مكونات المجتمع العربي الإسلامي هو واجب قومي ووطني وديني ، ليس له علاقة بالمس
بالمنظومة المعتقدية وتفسيراتها أو بالتأويلات الرمزية الخاصة التي يحرص الزهاد والمتعبدون على التمسك بها وصيانتها كمعلم لتحديد ما تتسم به أي جماعة من سمات وأفكار وقناعات .للماضي والتراث والتاريخ الخاص والعام على حد سواء .وما قد يشمل من إدانة من يتناولها أو يبرز حيثياتها التي تساعد على
فهم التاريخ الوطني والقومي لمجتمعنا وما قام به الأوائل من جهد في الحفاظ على الهوية أمام الهجمات العديدة الخارجية من غزو ٍواحتلال وانتهاك عثمانياً أو صليبياً أو سلجوقياً أو غيرها :ومما يساعد على تعديل العديد من النقاط والأحداث والمبالغات في المدونات التاريخية التي تناقلتها المؤسسات الأكاديمية
خلال القرن العشرين أو الماضي السحيق والناتجة عن مواقف سياسية سلطوية ومفاهيم مذهبية عصبوية ذات طابع تحريضي ضيق متلائمة مع رغبة الحكام المستبدين الذين حكموا بالحديد والنار جمهور المسلمين بكافة اثنياتهم ومذاهبهم .والتي كان هدفها الإعلامي ، تسفيه المعارضين وتشويهم دينياً وأخلاقيا والتقليل
من شأنهم وصولاً إلى إنكار وجودهم أو تهميشهم في الواقع الاجتماعي والديني كما نلاحظه من خلال ما كتب عن التراث العلوي ممن ينتمون إلى هذا التراث أو من خصومه أيضاً.
فقد كانوا جميعاً بحكم التربية والقناعة والانتماء بعيدين عن المنهج العلمي التاريخي المعاصر ...مما أفقدهم القراءة الموضوعية الدقيقة ، والإستقامة العلمية في التحليل والتوثيق والإدراك للغنى الروحي والأدبي والفلسفي ،والرؤية التاريخية للدور الذي قام به العلويون في أحداث العالم الإسلامي منذ قيام الدعوة المحمدية وحتى اليوم .إضافة للقصور في تفحص الجذور الما قبل إسلامية كالتصوف والتنسك القريب من الرهبنة والزهد المسيحي والغور في الملامح الفلسفية والرمزية وكيفية ظهورها بعد الإسلام في مناحي العلوم المختلفة ..هكذا نرى أيضاً المؤرخين الأقدمين كتاب السلطات الحاكمة ولسان حالها ،
فجاءت وجهات نظرهم واضحة الانحياز فاقدة الموضوعية ،فأتت على شكلين كما أوردها هاشم عثمان في كتاب (العلويون بين الأسطورة والحقيقة )
الأول :عرضياً في سياق الحديث عن موضوع من المواضيع ..فدراسة الفرق في هذه الحالة لم تكن مقصورة لذاتها وهذا ما نلمسه عند :الجاحظ في (الحيوان)،ابن قتيبة في (المعارف)، الرازي في (الزينة)، البلخي في (البدء والتاريخ) , المسعودي في (مروج الذهب)،ابن عبد ربه في (العقد الفريد )،المقدسي في (أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم)،ابن الجوزي في (تلبيس إبليس)، المفريزي في (الخطط المفريزية)..وغيرهم
الثاني :دراسة الفرق مقصورة بذاتها ،مستقلة عن أي موضوع آخر وهذا ما نجده في : (الفرق بين الفرق )للبغدادي ،(فرق الشيعة) للنوبختي ،و(التنبيه والرد على أهل الأهواء والبدع )للملطي، و(الفصل في الملل والأهواء والنحل)لابن حزم الأندلسي و(مقالات الإسلاميين واختلاف المصلين)
للأشعري ،و(التبصير في الدين وتمييز الفرق الناجية عن الفرق الهالكين )للاسفراييني ،و(الملل والنحل ) للشهرستاني ، و(اعتقادات فرق المسلمين والمشركين)لفخر الدين الرازي...وغيرهم .
ويرى هاشم عثمان أن اختلاف الكتاب الأقدمين والمحدثين في عدد الفرق الشيعية وفي اسمائها وفي نسبتها ومقالاتها ،يجعلنا نشك في وجود هذه الفرق أصلاً، خاصة وقد ثبت أن ثمة فروق كثيرة (مبتدعة )لا وجودلها في دنيا الواقع ،كالكيسانية والكربية والحارثية ،والمعمرية ،والبزيغية ،والراونديه ،والأبامسلمية والأباهريرية ..ص (28) (نفس المصدر) ونقول هنا أن ذلك يؤكد أن تلك الفرق قد وجدت فعلاً نتيجة للصراع السياسي والتناقضات (1)التي نتجت عنها وما تتطلب من دعم فكري ،واديولوجي وديني ...حيث كانت تلك الفرق تتواجد في أوقات معينة لا تلبث أن تختفي أو تتحول إلى فرق أخرى مندمجة معها في صراع جديد ،صمن آليات التناقضات الاجتماعية والقبلية والسياسية التي تأخذ , أطر جديدة وهذا أمر موضوعي وطبيعي .يحدد ذلك ظروف اقتصادية واجتماعية مختلفة يؤدي إلى تعدد الآراء وتباينها وتحولها وتغيرها عبر تطور التحالفات المستجدة في آليات الصراع السياسية القائمة مع الحكام والولاة وأولي الأمر.مما جعل العديد من الفرق الموجودة في زمن معين تتماها في فرق أخرى أحدث أو أقوى اجتماعياً واقتصادياً وسياسياً...ومتقاربة منها مذهبياً ومعتقدياً كما هو الحال في الصراعات السياسية بهذا العصر وتناقضاتها ..أو تحالفاتها المتغيرة بشكل دائم مستمر حسب تغير الظروف والأحوال والمصالح .مما يؤدي إلى اختفاء بعض تلك الفرق تدريجياً وعبر زمن طويل .
أما ما كتبه المحدثون من أبناء العصر ، أبناء القرن العشرين الذين يفترض فيهم امتلاك رؤية موضوعية ـ علمية ـ معاصرة ،فواقع تخلفهم الفكري ،وتعصبهم المذهبي وضيق أفقهم .. ونظرتهم الاجتماعية والمذهبية التاريخية المتحزبة ،بحيث يذهبون بالمشروع النهضوي العربي الإسلامي إلى زواريب النفعية والاستئثار
الإلغاء والتكفير وغيرها من وسائل الاستبداد والقمع والتهميش متسلحين بالأكاديمية كباحثين جامعيين وأخصائيين في التاريخ أو الشريعة أو الأدب أو الفلسفة المعاصرة وقليلون بل نادرون الذين ارتقوا إلى مستوى التفكير العلمي النهضوي المطلوب لمجتمعنا لتحقيق المشروع الأخلاقي والروحي والسياسي الذي ننشده جميعاً
كمخرج لإنقاذ أمتنا وشعبنا من ضيق الأفق والسير بها إلى شاطئ الأمان والتطور والارتقاء ..
فكانت دراسات بعيدة عن الموضوعية وترداد للكتاب الأقدمين ..وما تحمله من
تسفيه وازدراء لمعارضيهم وتشويه لمفاهيمهم ومعتقداتهم المتجذرة في الذهنية
الشعبية المتوارثة عبر تاريخ المنطقة في صيرورة دائمة مع لبوسها الإسلامي بكل أشكاله ومعانيه ،الأخلاقية والاجتماعية والروحية .
لذلك عند تقييم هذا التراث نستطيع تقسيمه إلى الأقسام التالية :
أولاً: التراث المعتقدي الروحي : أن كتاب القرآن الكريم هو أساس المعتقد الروحي العلوي فهو مقياس النمو المعرفي والالتزام الروحي ويتم فهمه واستيعابه من خلال التفاسير المعتمدة في التاريخ الإسلامي إضافة للمصادر الشيعية الأكثر وثوقاً لديهم وخاصة ما ورد عن لسان الأئمة الإثني عشر وشروحاتهم ودلالاتهم
وخاصة الإمام جعفر الصادق الذي سمي المذهب الشيعي بالمذهب الجعفري نسبة إليه .
إضافة لما ورد عن الأئمة من آثار على لسان الأبواب الإثني عشر (حسب محمد غالب الطويل ومحمد عبد الحميد الحمد) فاعتبروهم بالمرتبة التالية بعد الأئمة في علاقتهم المباشرة مع كبار الدعاة والعلماء وشيوخ الطريقة الصوفية خاصة بعد تبلورها وظهورها إلى العلن على يد شيخها الجنان الجنبلائي والذي أخذها عنه
لشيخ أبي عبد الله الحسين بن حمدان الخصيبي ورد عند محمد غالب الطويل ...والعديد من المؤلفين الذين نشروا دراسات مطبوعة عن العلوييين وتاريخهم .إن معرفة التاريخ اليوم في المنطقة ،معرفة علمية دقيقة سوف يساعد على الربط المقارن والتوفيق بين التارخ الديني والتاريخ العلمي المبني على قراءة الآثار ا
لتاريخية واللغات القديمة للمنطقة العربية من سومرية ،وأكادية وبابلية وآشورية وكنعانية وآرامية وهيروغليفية ولاتينية وفارسية ..حيث يساعد على فهم الكثير عن الديانات والمذاهب الما قبل إسلامية وظواهر التوحيد الأخرى للأقانيم الثلاث بأسماء مختلفة لدى الشعوب القديمة المتجذرة في المنطقة .والتي تشكل الذاكرة الشعبية المتوارثة لجميع الفرق الإسلامية ..من خلال قصص الأنبياء ..أو غيرها من القصص الشعبية .والرموز والعادات والأعراف المتداولة ..وفهمها على هذه الصورة يساعد على فهم الكثير من تراث الفرق الدينية الموجودة في المجتمع العربي الأسلامي ..من إسماعيلية ودرزية وعلوية ومهدية وصابئة
وكلدان وأزدية ..وسريانية ..وغيرها .
وإذا كانت تلك الفرق لم تستطع فهم صيرورة المفاهيم الدينية وتطورها ..عبر المراحل التاريخية القديمة ..وإجراء الربط المقارن المطلوبة في تكوينها بسبب الجهل وغياب المتخصصين والموسوعيين والتطور العلمي المناسب .،
لذا فالمعرفة الحديثة تبقى مهمة رئيسية لهذا العصر وفهمه فهماً بعيداً عن الفهم السطحي والعامي الساذج .
إن التراث المعتقدي الروحي للمفاهيم الروحية الرمزية كمفهوم التوحيد الذي نشأ وتطور في المنطقة منذ آلاف السنين في عدة مراكز حضارية متفاعلة مع بعضها وهي : بلاد العرب الجنوبية ،وبلاد الشام والعراق ووادي النيل إضافة لمراكز حضارية محيطية كفارس واليونان وحققت هذه المراكز تراكم معرفي أنساني
وحضاري عبر آلاف السنين وصل أخيراً إلى الساحة العربية في جزيرة العرب متبلورة في مفاهيم التوحيد الجديدة والتجسيد الإلهي والروحي الذي عبر عنه القرآن الكريم من خلال آيات عديدة عن الاله الواحد الأحد..أو الضد الممثل بإبليس أو الشيطان من خلال التنويه عن وجود عالم آخر غير العالم البشري هو عالم الجن والشياطين
...
وهو عالم الشر ..مقابل عالم الخير وهو العالم النوراني عالم الملائكة وهنا من المهم قراءة الفلسفة اليونانية كأحد مصادر الفلسفة العربية الإسلامية وماتضمنته من آراء أرسطو في كتاب (التاسوعات) وأفلاطون وأرائه في العدالة الأجتماعية والبعد الروحي لها ..وأهمية الفيلسوف الأسكندراني (أفلوطين)
في القرن الثالث الميلادي وما شكلت ترجمته وتلخيصه لكتاب (التاسوعات لأرسطو) من أساس فلسفي لمفهوم التوحيد لدى معظم الفرق الأسلامية الناشئة في القرن الثاني والثالث الهجريين وما بعدها .لقد عبر أفلوطين عن مفهوم التوحيد بأقانيمه الثلاث (الأحد ،والعقل الكلي ،والنفس الكلية )منذ القرن الثالث
الميلادي ،وشكل أساساً روحياً وفلسفياً لنظرية التوحيد المسيحية بأقانيها الثلاث (أب ،ابن ،روح القدس )... وكون الأرضية الثقافية لشعوب المنطقة عبر انتشار السريانية أو المسيحية في كافة أنحاء العلم .ومصدراً للتأكيد على الإله الواحد (بإضافة عبارة (إله واحد ..آمين ) أما نظرية المهدي المنتظر
فتشكل استمراراً لمقولة (المخلص) الذي ينتظره كافة البشر في العقائد الما قبل إسلامية ..لقد سادت الديانات الموحدة الثلاث اليهودية والمسيحية والإسلام على أساس هذا المعتقد وما تحمله من تعميم لفكرة التجسيد الإلهي التي ساعدت جميع الإسلاميين بكافة فرقهم على لحظها في التراث العربي الإسلامي
وأخذها بعين الاعتبار ..مادام الرسول (ص) أكد أن الوحي الإلهي كان يأتيه عن طريق الملاك جبريل على صورة بشرية وهو ( دحيه الكلي )كما بينته المصادر الإسلامية كافة .إن إعادة قراءة نظرية المخلص .. وبعدها في المرحلة الأسلامية نظرية المهدي المنتظر قراءة تاريخية وكيف تطورت
ي ميثولوجيا المنطقة فمن الطبيعي أن تفرز عند الشيعة بشكل عام نظرية الإمامة وعند الشيعة الإمامية بشكل خاص ..ومالها من دور في فهم نظرية التجسيد الإلهي ...حيث (الأمام) اقل من الخالق وفوق جميع المخلوقين .وأما الزهد والتنسك فهو تراث متأثر بتطور التصوف الإسلامي الذي شكل استمرار
للرهبنة التي كانت سائدة قبل الإسلام ..وشمال إفريقيا ...وحتماً بقيت أثارها في الذاكرة الشعبية العربية بعد الإسلام من خلال استمرار الثقافة التاريخية للمنطقة ..وخاصة بعد الاهتمام بالعلوم والترجمة للعلوم المختلفة من فلسفية وطبية وفلكية .. وغيرها .. وما رافق ذلك من انتشار التصوف
الإسلامي من بعد عن مباهج الدنيا ومغرياتها واعتبار ذلك شكل من أشكال جهاد النفس وارتقاءها وبالتالي تطورها في العالم النوراني والحياة الروحية وتحصين لها .وبالتالي اتخاذ مظاهر التقوى والتواضع لدى المتعبدين مقياساً للإيمان يتطلب أن يرافقه البعد عن الحياة الاجتماعية والبهرجة والكبرياء في لباسهم وسلوكهم ونمط معيشتهم (كما أكد ذلك محمد غالب الطويل ص 28 أن التمسك بالتعاليم الدينية للنصوص الرئيسية الإسلامية ،أولها القرآن الكريم ،ثم الأحاديث النبوية المسندة والموثوقة عند العرب العلويين الواردة عن الأئمة المعصومين والصحابة الموالين لهم هي الأساس في المذهب المعتقدي العلوي وهو الجانب المشترك بينهم بين جميع فرق الشيعة الأخرى ، أن الاطلاع على الرهبنة قبل الإسلام وما أنتجته من فكر وثقافة وقيم روحية وأخلاقية إنسانية شكلت أرضية متينة لنمو التصوف الإسلامي . يعتبر محمد غالب الطويل ص (127)في كتابة تاريخ العلويين أن العلويين يستندون في معاملاتهم على أقوال الأئمة الإثني عشر وخاصة الأمام جعفر الصادق ومؤلفاته (ويخصصون كلمة العلم الكاملة المعنى في علوم أهل البيت ،وأفعالهم وأقوالهم منطبقة على الإرادة الإلهية انطباقاً تاماً كما يعتقدون حسب محمد غالب الطويل أن الإصابة في تفسير القرآن الكريم ينحصر بالأئمة دون سواهم ص (3-37-38-40)
(دين العلويين التوحيد المحض وتنزيه الخالق عن كل مشابهة للمخلوق ،والإقرار بنبوة سيد الرسل محمد (ص) والاعتقاد بالمعاد والعمل بدعائم الإسلام الخمس ، ويتفق مع جميع فرق الشيعة الأمامية على زيادة ركن خامس عند جمهور المسلمين وهو الاعتقاد بالإمامة أي أن (الإمامة منصب إلهي يختارها الله م
ن يشاء للنبوة والرسالة )المذهبية والفقهية .أما هاشم عثمان فيذكر في كتابه (بنفس المصدر) ص (193) أن العلويين في أفعالهم التكليفية يعتقدون أن الله خلق العبد ومنحه الاستطاعة على الفعل ،وأوجده مختاراً لا مسيراً أو مجبراً..
يذكر في ص (169) أحد شعرائهم الكبار :
وموسوي مسيحي أنا وإلى محمد رحت عن قصد وبرهان
فسمني وادعني في كل نازلة بمسلم ويهودي ونصراني
وخلني ويقيني في أبي حسن فليس شأنك في حكم الهوى شأني
إن الأخذ بتفسير القرآن الكريم حسب شرح وفهم الأئمة والاشتغال الدائم بذلك هي السمة ا
لتي تميز المتعبد العلوي الصوفي ذكر ذلك ووضحه الأستاذ عبد الرحمن الخير عام 1937 في مجلة النهضة الأعداد (5،4،3).فكتب يقول : (وأبين ما عرفه العلويين تخصصهم الاشتغال منذ أقدم أيامهم وحتى اليوم ،بعلم التوحيد أي معرفة الله بالبراهين العقلية المستندة إلى الشواهد العقلية النص الكريم
والحديث الشريف وروايات الأئمة من آل الرسول (ص)فإن تبويب هذا العلم والتوسع فيه وتعليمه إلى اتقياء الطلبة المجتهدين ،رافق خاصتهم منذ افتراقهم عن سواهم من الفرق الإسلامية حتى عصرنا هذا ،ومما لا يترك مجالاً للتردد في صحة هذا القول كثرة ما عندهم من المؤلفات القيمة التي يرجع تاريخ اسبقها
إلى صدر الإسلام ،ولم ينقطع حتى اليوم ظهورها وكلها تدور تقريبا ًحول المسائل التالية :إثبات وجود الخالق سبحانه وتعالى بالمعقول والمنقول ،إثبات النبوة عن طريق البرهان والدليل ،إثبات الإمامة ،بالحجج العقلية والنقلية ، اللفظ والمعنى وعلاقتهما بصفات الخالق ،وجوب صفات الكمال للباري تعالى ،تنزيهه
عن صفات المحدثات ،أصل الشر آداب العبادة والرياضة الروحية ،المعاد ،حدوث الكون وفنائه الخ ..
والواقف على هذه الكتب الخطية القيمة ،يدرك مقدار اهتمام العلويين بالتوحيد الذي استقوا منه اسماً لهم منذ ألف سنة ونيف ،فهم دائماً يشيرون في هذه الكتب إلى فرقتهم بـ ( الموحدة ) .
ومن أظهر ما يعرف به العلويون عنايتهم بالفلسفة الروحية العالمية ومقابلتها بالأديان الإلهية ،وتوفيق ما يمكن توفيقه ورد ما يختلف إلى البدع والهرطقات التي كان يلفقها معارضوا الدين والفلسفة الصحيحة ويستنتجون من كل ذلك وحدة الأديان ،ووحدة غايتها التي جاء بها الإسلام الحنيف بالبرهان عليها ودعمها
بالحجج الدافعة (هاشم عثمان العلويون بين الأسطورة والحقيقة ص 175 ) .
ويذكر هاشم عثمان في نفس المصدر (153-154 )أن للإنسان العلوي حرية الإرادة والمشيئة في أفعاله الشخصية فهي منه وله ،وبذلك يكون العباد مريدين لأفعالهم غير مجبرين عليها اعتمادا على الآية القرآنية وقوله تعالى (لا يكلف الله نفساً إلا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت ) .
يذكر هاشم عثمان بعض علماء العلويون وفقهائهم الأقدمين منهم :أبناء شعبة الحراني ،أبو حمزة الكتاني ،أبو حسن علي بن بطة الحلبي ،حيدر بن محمد القطيعي ،عبد الرحمن الجرجري ،أبو ذر سهل بن محمد الكاتب ،الوزير أبو القاسم اسماعيل بن عباد العباس الطالقاني ،المعروف بالصاحب ،المشهور بكافي ا
لكفاة ،والقاضي أبو عبدالله محمد بن عبدالله بن محمد الخطيب الخصيبي
ثانياً :التراث الأدبي والفلسفي : إن الاهتمام بقراءة القرآن كان من أحد هموم تعليم الأطفال في الماضي ...وما يؤدي إلى تقوية اللغة ..لديهم ..وبالتالي امتلاك المقدرة الأدبية ولفلسفية فالقرآن الكريم أهم سفر أدبي في التراث العربي الإسلامي ..
إضافة للموروث الديني الإسلامي العام كالكتب السماوية الأخرى (التوراة والإنجيل)وقصص الأنبياء وما عجت به المنطقة من آثار عن الأقدمين ...وتناقلته الألسن والذاكرة الشعبية العربية عبر العصور ..أما الكتاب الأساس بعد القرآن الكريم والذي يدرسه كل علوي كان يجيد القراءة وموجودة
في كل بيت ،فهو نهج البلاغة وشروحاته المتعددة .
وكان قد جمعه الشريف الرضي سنة (255 هـ ) أي حتى منتصف القرن الثالث الهجري ،وما يتضمنه من معاني بلاغية وخطابية ولغوية ونحوية ...إضافة إلى مضامينة الروحية والقيمية ...وأخيرا ًفإن مؤلفي الشيعة وعلماءها .. وخاصة في
القرن الثالث والرابع الهجريين ..وما قاموا به من نهضة علمية بكافة العلوم الفلسفية والفلكية والطبيعية والرياضية ..وغيرها اعتبرت من صلب ما كان يقوم به رجال الدين ،واستمرت تورث كجزء من طقوس ومعرفة (الثقافة الدينية)...لذلك استمرت محصورة في رجالاتها من فئة المشايخ مما
كان يكسبهم تمايز معرفي علمي وفلسفي وأدبي قبل حصول النهضة العلمية الحديثة خلال القرن العشرين ...
فقد كان العلم قديماً نتيجة غياب التخصص و تخلف العلوم التطبيقية وفلسفاتها هو الدين ومتلازماً بالمعرفة الدينية اللاهوتية وأما اليوم ونتيجة لتطور العلوم التطبيقية والفلسفية والروحية فقد أصبح الدين هو العلم بكل فروعه عبر فهمه برؤية فلسفية وروحية شاملة ...وهذا مايحتاج إلى قدرات خاصة فليس
كل فرد قادراً على إدراك واستيعاب ما يقرأ ويحفظ ...ويحلل ماوراء السطور .إن البحث عن المعرفة الأدبية والفلسفية والعلمية عند العلويين تمثل السعي لمعرفة الخالق وهي واجب ديني و جزء من العقيدة والبحث عن مرضاة الخالق ومعرفته ومحبته بصوفية مطلقة وعن علة الوجود وواجبه فهي
الشغل الروحي والفلسفي الشاغل والعمل بهذا الشكل من العبادة والتزود بها هو سمة المتعبد العلوي ..هذا ما جعل الميول للتصوف والمعارف الروحية والفلسفية ظاهرة شعبية عامة وشاملة ..والأهتمام بالشعر الصوفي لدى جميع الأفراد على كافة المستويات التعليمية مما جعل من النادر من
لا يقول الشعر فكل شيخ حقيقي غالباً ما يكون شاعراً من رجال الدين والمتعبدين عاديين أو متخصصين هم حفظه للشعر الصوفي وأداة تعبيرية رئيسية عن العقيدة وكثير من الصور الصوفية والبلاغية والروحية ،هي شكل من أشكال جهاد النفس من أجل الوصول إلى الكشف الإلهي المنشود صوفياً
مما أدى إلى أن يصبح أي حدث مهما كان صغيراً أو كبيراً يعبر عنه شعراً على كل شفة ولسان . مما ساعد على عمق التعبير الأدبي |شعراً أو نثراً/ لدى كل فرد في كل يبيت .
لقد شكل الشعر الصوفي قبل السلام عند عديد من الشعراء النصارى أهمهم عدي بن زياد العبادي جذراً تاريخياً للشعر الصوفي بعد الإسلام ونموذجاً ساعد على انتشاره .وهو الجذر التاريخي لما سمي بالخماريات ...التي تعممت بعد الإسلام خاصة لدى فرق الشيعة المتنوعة . إضافة إلى
التعبير الديني الرمزي للمتعبد العلوي عبر ترداد أناشيده وتراتيله الدينية الصوفية والرمزية ..في مواجهة سلطان الاستبداد في العهود الأموية والعباسية ..وأخيراً العثمانية في العصور اللاحقة .كل ذلك جعل العلويون ينتجون أدباً ،شعراً ونثراً غنياً بمضامينه الرمزية والتاريخية والروحية ..
حيث أخذوا بمقولة بليغة أن (الشعر ديوان العرب) ...وعلينا أن نقرأ بدقة وتحليل فضاحل الشعر العربي القدامى مثل الفرذدق وأبي فراس الحمداني ودعيل الخزاعي ...وأبي تمام وعلي بن الجهم وديك الجن الحمصي وغيرهم ...فهم جميعاً نتاج هذه المدرسة الفنية ..
ودراسات حديثة عن ديوان شعر الأمير حسن بن يوسف المكزون السنجاري والحسن بن هاني (أبو نواس) ومنتجب الدين العاني ...وغيرهم ، يوضح ذلك .
وهناك الكثير من الشعر المخطوط الذي ربما تعرض للتشويه مع مرور الزمن بسبب النسخ والتعليق والحذف حسب الأهواء..وغيرها يذكر هاشم عثمان في كتابه
(العلويون بين الأسطورة والحقيقة )ص (155)من أدباء العلويين القدماء (أبو الفتح عثمان بن جني النحوي المعروف بأبن يحيى النحوي ، وأبو عبد الله بن عمرو بن محمد الفياض ،والسري بن أحمد الكندي المعروف بالسري الرفاء ،
وأبو بكر محمد بن أحمد بن حمدان المعروف بالخباز البلدي ،وأما من رجال الفكر فذكر هاشم عثمان (بنفس المصدر ص 155 ) :حسن بن حمزة الصوفي ،وأبو الحسن علي بن حمزة بن شعبه ،وعماد الدين أبو الحسن أحمد بن مكزون
السنجاري ومحمد منتجب الدين العاني ،وجلال الدين بن محمد الصوفي ،وعبد الله الناسغ البغدادي والأمير أبو الحسن علي بن جعفر )من أبرز الشعراء الرمزيين المعروفين عند العلويين الحسين بن حمدان الخصيبي صاحب كتاب (الديوان )
أهم كتاب لديه إضافة إلى مؤلفاته الأخرى التي بلغت إحدى عشر كتابا ًلم يبق منها حتى هذا العصر سوى أربع مؤلفات .لقد دفع الاستبداد والقمع إلى بروز التعبير الشعري الرمزي ،مشتقاً الكثير من رموزه و مصطلحاته عن المذاهب الفلسفية والروحية
السابقة والتي تعرضت للسحق من قبل السلطات المستبدة . فأستفادت العديد من المذاهب الإسلامية من الموروث التاريخي الما قبل إسلامي كالتراث الأكادي والسومري والبابلي والأشوري والآرامي ...وغيرها مما تحتويه المخطوطات
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)- العلويون بين الأسطورة والحقيقة ) هاشم عثمان ص (18
(1) (عبد الواحد الأنصاري ـمذاهب ابتدعها السياسية في الإسلام
×××××××××
نقل المواد من الموقع دون الإشارة إلى المصدر يعتبر سرقة. نرجو ممن ينقلون عنا ذكر المصدر ــ ألف
08-أيار-2021
04-آب-2010 | |
20-شباط-2010 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |