والقطا لا ينام ...
خاص ألف
2010-08-23
" من وحي نص الإكسير، للأخت والصديقة الدكتورة هناء القاضي"
·
طَيّرْتُ قلبي على جناحِ طائرِ الشوقِ، لعلَّه يقرأ على تضاريسِ وجهكِ عذابَ الغيابِ، وطائري يقيسُ المسافاتِ والمواقيتِ بنبضِ القلبِ ورجفاتِ العروقِ في البدنِ،فالمسافةُ بيننا بحرُ شوقٍ بين مدينتينِ مصلوبتينِ على سَفودِ الوقتِ هنا وهناك..
رجعَ طائري مع نوةِ الريحِ ينزفُ دمعاً :
- يقفُ طائرُ القطا عارياً،يحرسُ أمنيةَ امرأةٍ ألقت بحجرِ أمنيتِها في المغارةِ عندما مرت من هناك..
قلتُ واللهفةُ تسبقني :
- ومتى يعودُ القطا؟
- في فصلِ عودةِ الريشِ !!
هتفتُ من جرحٍ قديمٍ ..
- هل يعودُ الذي كان ؟!
وأخذتُ أستعيدُ بوحَ امرأةٍ حملتهُ الريحُ ذات فجرٍ إلى نافذتي :
"لم أكن أنا ..أعلى الجبل ،
كنتُ في القاعِ أرقدُ بين هذيان العابرين
يفتحون لي صدورهم
أسمعُ بكاءهم "1
سألَ الطائرُ على خبث مناور :
- هل تعرفها يا صاحبي؟!
- هل نسيت العاشقةَ يا نورسَ الوقتِ الجميلِ !!
ضحكَ النورسُ ، ورشقني في صدري بريشةٍ من ريشِ إبطه، وَرَكِبَ موجَ الريحِ وطار..
صارتِ الريشةُ بساطاً من بياضٍ مطرزٍ بالقرنفلِ والأقحوانِ، وتغمس الهواء برائحةِ طلعِ النخلِ في موسمِ الرغباتِ.. يا إلهي.. صارتِ الريشةُ مدينةً يجري فيها نهران ،ترقصُ على الضفافِ حتى مطلعِ الفجرِ غانياتٌ ولهاتٌ.. وهناك كانت امرأةٌ تتدثرُ بعباءةٍ من مخملِ ليلٍ ،مطرزةٌ بنجومٍ غافياتٍ على خدِ القمر، تقفُ بثباتِ أميرةٍ ، واجمةٍ أمام بوابةِ موصدةِ عند ناصيةِ الغيابِ.. ترددُ شيئاً من هذيانٍ أشبهَ بالنواحِ :
"أسبّحُ باسمكِ..يا مدينةً من بياضٍ
أركع لألوان طيفٍ تتعمّد بزلالِ نهريك
لِمَ تفترشين سرابَ الرؤى ؟
شمسكِ آلهة تموز
وقيظكِ .. هجوعي الأثير
لكِ اخضرارُ... ربيعين
وإرثُ إحدى الجنتين" 2
***
بين البياضِ والسوادِ، والوقتِ بين أفولِ ليلٍ وبزوغ ِفجرٍ، وقفَ النورسُ على نافذتي :
- ماذا تحملُ يا طائرَ الشوق ِ
- بعضُ رجفاتٍ من قلبِ القطا
- اكتسى القطا بالريش؟
- يخشى ركوبَ الريحِ .. الصيادون كثرٌ ينتشرون في المدينةِ، حمَّلني ريشةً من صدرهِ كُتِبَ عليها رسالة:
طارَ النورسُ وبقيتُ مع الحُلمِ وحدي أرهفُ السمعَ لها تغني للبعيد..
"بيننا...كم رعشةَ شوقٍ وألم وشرود؟
كلما كفكفت اشتياقي..وهنئتُ بخواء
يضربني رعدٌ بليد " 3
وسمعتها في الحُلمِ تشكو همًّهَا للريحِ
" الجليدُ يخنقُ شرفاتي.. والطيورُ تهاجرُ عني في كلِّ الاتجاهاتِ"
هتفتُ:
- ما سرَّ القطا يا أميرة ُ؟!
- هو حارسُ الأمنياتِ القتيلة،في وقتٍ باتَ فيه النصرُ بدعةَ الخاسرِ..
- لكن القطا لا ينام طوال الرحلة يا أميرة..
وصحوتُ على رجفةِ بدنٍ ..!
كان النورسُ يرقصُ ويتغذَّى على نوارِ قرنفلٍ تَفَتَحَ للتوِ ، ويغني :
- طارَ القطا وانْفَتَحَتْ بواباتُ المدينةِ ،هلاَّ نظرتَ في مرآةِ الوقتِ ؟ يا صاحبيّ!!
ورأيتَ امرأةً عيناها باتساعِ بحرين من ليلٍ تزنرت بجديلتين من نوارِ اللوزِ تتلو عند عَتَبةِ الطقسِ شعيرةَ دخولِ المدينةِ..
"ازرعيني عشباً
يورقُ في مسلاتِ حكمتك
ما بين بدايةٍ ...وعودةٍ اليكِ
سيخوضُ التاريخُ أسفاراً.. يفتشُ عن إكسيرِ عشقك" 4
وغفوتُ والسؤالُ ما زالَ يسري في دمي
" ما الذي بين القطا وطائري الجميل!!"
--
* المقاطع 1,2,3,4 من قصيدة إكسير للدكتورة الشاعرة هناء القاضي
نقل المواد من الموقع دون الإشارة إلى المصدر يعتبر سرقة. نرجو ممن ينقلون عنا ذكر المصدر ــ ألف
08-أيار-2021
14-نيسان-2018 | |
30-تموز-2015 | |
13-تشرين الأول-2012 | |
16-أيلول-2012 | |
18-نيسان-2012 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |