إعادة ترتيب أولويات الكتابة عند النساء..هل تحب المرأة نفسها؟
2010-10-01
أثار انتباهي أكثر من مرة شعر وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون الذي طال وانسدل خلال الأشهر الماضية حتى مشارف كتفيها، ولم أع حينها أن وراء الأكمة ماوراءها،قبل أيام قليلة قرأت عنواناً لافتاً في صحيفة الشرق الأوسط يقول: المتقدمات في السن يفجرن ثورة على التقاليد وديكتاتورية الشعر القصير،
وهيلاري كلينتون مثالاً!!في معرض الحديث عن ذلك تقول كاتبة المقال (روبين غيفان): عادة مايرمز الشعر الطويل في مفرداتنا الثقافية إلى الشباب والأنوثة والجاذبية، وهو الأكثر تفضيلاً لدى نجمات هوليوود، لكن الضغوط الثقافية تدعو النساء إلى قص الشعر بعد سن معينة، وفي هذا معان ضمنية قاسية غير منطوقة،فالحكمة التقليدية توصي النساء بعد سن الخمسينيات بتسليم شعرهن للمقص، وهكذا تحول الأمر إلى قاعدة اجتماعية راسخة.
ألا يعيدنا هذا إلى عبارة سيمون دو بوفوار «لايولد الإنسان امرأة بل يصبح كذلك» فالجنس إذاً مقولة اجتماعية،لا مقولة بيولوجية فقط، هكذا يصبح «جنس الذات العارفة جزءاً لايتجزأ من منظورها الاجتماعي» ولهذا فإن عملية إنتاج المعرفة عند النساء مازالت خاضعة لشروط منظور الرجال الاجتماعي إليهن.
(حُصرت المرأة داخل جسدها، ومنعت من التجول خارجه، اعتبرت مادة فانية زائلة، فلنلاحظ صورتها في مقولات ومواقف العديد من فلاسفة الغرب من (أفلاطون) الذي صنف المرأة مع العبيد والأشرار المخبولين والمرضى، إلى (ديكارت) وثنائية العقل والمادة، وربطه العقل بالذكر والمادة بالمرأة، مروراً بـ (كانط) الذي وصفت تكوينها ككل بالضعف،وخاصة قدراتها العقلية، حتى فيلسوف الثورة الفرنسية (جان جاك رسو) قال: إن المرأة وجدت من أجل الجنس ومن أجل الإنجاب فقط، أما العزيز (فرويد) فأرجع كل مشكلات المرأة إلى معاناتها من عقد النقص تجاه العضو المذكر.
في كتاب «جنوسة الدماغ» لكاتبته ميليسا هاينز تقول: إن أكبر الفروق الجنسية السيكولوجية بين البشر هي تلك التي تحدث في هوية الجنوسة المركزية، أي شعور الفرد بنفسه ذكراً أو أنثى، من هذه النقطة إذا ينطلق إدراك المرأة لنفسها ليس من خلالها هي، بل من خلال منظومة أخلاقية مجتمعية وضعت الذكورة قواعدها النهائية.
تعتقد (شيلا روبتهام) في كتابها «الثورة وتحرر المرأة» أن أول تمرد للنساء ضدالظلم كان في أوروبا القرن الثالث عشر، واستمر حتى القرن التاسع عشر كمحاولات فردية وجماعية، تحدت فيها النساء سلطة الكنيسة والإقطاع، وتصدت لمحاكم التفتيش، لكن العديد منهن أعدمن وأحرقن، بتهمة ممارسة السحر والشعوذة والهرطقة، أما مصطلح النسوية فقد طرح عام 1860، ثم طرح في الثلاثينيات بقوة في أميركا، بينما طرح في أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية، وازدهر في الستينيات والسبعينيات في فرنسا.
هل أحبت المرأة نفسها؟.
في الموجة الأولى من الحركة النسوية أوائل القرن العشرين حصلت النساء على حق التصويت، وفي الموجة الثانية في السبعينيات دأبت النساء على محاولة زعزعة ثنائية الذكر والأنثى وقلبها لمصلحة الأنثى، أما الموجة الثالثة التي سميت الجيل الثالث من النسوية أو ما بعد النسوية، والتي تمتد جذورها إلى منتصف ثمانينات القرن الماضي، فتضع العدد محل الثنائية، والتنوع محل الاتفاق، وتفسح المجال للحوار الفكري كقاعدة حيوية للانتقال من الحداثة إلى ما بعد الحداثة في العالم المعاصر.
على خلفية ثقافية وسياسية ومجتمعية كهذه، حاولت النساء فتح جبهات جديدة، وكانت الكتابة المجال الأسهل والأقرب إليهن، فهذه لاتتطلب الخروج من البيت، ولاتحتاج إلى رأسمال لايمتلكه معظمهن، وظهرت الكتابة النسوية في العالم العربي وتعددت الأسماء ولمع بعضها كمنافحات عن حقوق المرأة.
السؤال المهم الآن: هل واكبت النساء الكاتبات هذه التطورات الفكرية والفلسفية التي شهدتها الساحة العالمية المعاصرة؟ يمكن القول: إن أغلبيتهن لم يفعلن، وما دليل ذلك إلا الكتب التي باتت تزن بالأطنان، والتي مازالت تدور في فلك الموجة الأولى من الحركة النسوية أي الرفض والتمرد والشكوى والمطالبة بالحقوق والمساواة، وتصوير الذكورة كعدو أبدي!.
لطالما اعتقدت أن المرأة العربية الكاتبة بحاجة ماسة وحقيقية لترتيب شؤونها الداخلية، فثمة أعشاش لوطاويط القهر والشعور بالظلم والاضطهاد تتكاثر في أعماقها، ولابد من فتح السقوف لتعريض تلك المستنقعات السوداء لدفء الشمس ونورها لتجفيفها، ولكن إلى متى ستدور في بحيرات الدمع والشكوى، يؤسفني القول: إن معظم من يعلن التمرد والانقلاب على مفاهيم الذكورة، لاينجزن أكثر من تمرد كتابي لفظي شفوي، فهل أنتجت تمرداً حقيقياً على أرض الواقع ليس كأنثى فقط بل كذات كاتبة؟! هل استطاعت صياغة علاقات لغوية وثقافية ومجتمعية جديدة؟.
مازالت معظم الكاتبات تحرث أرض البوح والشوق والانتظار، ولم تتمكن من خلق وعي معرفي حقيقي بالذات الأنثوية ومكانتها في الكون والوجود واللغة.
تقول «كارول بي كريست» مؤلفة كتاب (الصوفية النسوية)، الصادر عن دار آفاق للنشر والتوزيع: «إن قصص النساء لم تحك بعد، ودون القصص تفقد المرأة طريقها عند إقدامها على اتخاذ القرارات الفاصلة في حياتها، فبدونها لاتعرف كيف تقيم نضالها وتعطيه حق قدره، ولاتحتفل بقواها، ولاتقدر على أن تفهم ألمها، دون القصص تظل المرأة غريبة عن خبرات النفس العميقة وبعيدة عن خبرات العالم التي تسمى الخبرات الروحية أو الدينية، وتظل منغلقة في صمتها».
عن أي قصص تتحدث بي كرست، وقد ملأت المجموعات القصصية النسوية رفوف الهواء؟
إن المرأة الكاتبة مازالت تنتج أدباً بثقافة ولغة ومخيلة وعلاقات ونظم ذكورية، ولم تتحرر بعد من سلطة القمع المنغرس في أعماقها، وأرى أن معظم الأدب المسمى نسوياً، لايستحق اسمه، فإن تكتبه النساء لايعني أنه صار أدباً نسوياً- تنجو بالطبع بعض الأقلام الجديدة من مثل هذه المطبات، لكنها لاتشكل قاعدة وظاهرة في الأدب السوري بوجه خاص-.
لتنتج المرأة أدباً نسوياً، عليها أن تنزع العدسات اللاصقة الموجودة على عينيها، والتي ترى من خلالها العالم وقبل ذلك نفسها، عليها أن تغير منظومة الأفكار والمعتقدات المتوارثة عن الأنوثة ووظيفتها التقليدية (أم، زوجة، أخت، عشيقة، ممرضة، مساعدة، مومس)، وأن تدرك أن لهذه الخاصية الأنثوية مجالات رحبة خارج قيود المتوارث، ثم عليها أن تبدع معجمها اللغوي الخاص.
وفقاً لـ (بي كرست) فإن القصص عن الأمهات مع البنات، عن صداقات النساء، النساء اللواتي يعملن مع النساء، النساء اللواتي يحببن النساء، الخبرات الروحية للنساء، نادراً ماتحكى. إن النساء لم يخبرن الخبرات الخاصة بهن، لم يعطين التسمية لمشاعرهن،لم يحتفلن بعد بإدراكهن للعالم»، وترى أنه لابد للأدب النسائي الجديد أن يعكس البعدين الروحي والاجتماعي، وكفاح المرأة من أجل خلق طرق جديدة للحياة في هذا العالم، وأن المرأة تحتاج إلى لاهوت أنثوي، إلى لغة أنثوية، إلى امرأة تعبر عن الخبرة الدينية النسائية.
على المرأة أن تحب نفسها أولاً، قبل أن تبدأ الكتابة، فذاك يمنحها القدرة على التحول.
SUZANI@ALOO LA.SY
مرسلة من الكاتبة
جريدة الثورة
08-أيار-2021
17-آب-2011 | |
10-آب-2011 | |
03-آب-2011 | |
27-تموز-2011 | |
20-تموز-2011 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |