العنف واللاعنف من ماركس إلى غاندي
خاص ألف
2010-10-11
ثمة بيت شعر للمتنبي يقول فيه "الظلمُ من شيمِ النفوسِ ... فإن تجدْ ذا عفةٍ فلعلةٍ لايظلمُ" . فهل الظلم الذي تتصف به النفس البشرية – إذا سلّمنا بالقول سالف الذكر- والذي يؤدي للعنف يؤكد ملازمة العنف للبشرية في طريقها الذي ليس له نهاية؟. أو كما قال شكسبير واصفاً الحياة, على لسان مكبث الذي يقول " وغداً وغداً وغداً وكل غد يزحف بهذه الخطى الحقيرة يوماً إثر يوم حتى المقطع الأخير من الزمن المكتوب, نرى أماسينا وقد أنارت الطريق للحمقى والمساكين طريق الموت والتراب, ألا انطفئي ياشمعة وجيزة ما الحياة إلا ظلٌ يمشي ممثل مسكين يستشيط ساعته ويتبختر على المسرح ثمّ لا يسمعه أحد, إنها حكاية يرويها معتوه ملؤها الصخب والعنف وفي النهاية لا تعني أي شيء ". أم إن الأمر لايعدو أن يكون مرحلة من مراحل تأريخ الانسانية وقد يتسنى لها تجاوزه في يوم ما. لكي نلقي مزيد من الضوء على هذه المسألة نتوقف مع ما قاله بعض من تطرق للعنف من المفكرين والعلماء. نبدأ من كارل ماركس الذي قال "الحروب كالنار تجلي صدأ الشعوب". يقول عن العنف: إن تاريخ المجتمعات كان حتى أيامنا تاريخ صراع الطبقات, وإن العنف ينجم عن تحول بنية لاعنف فيها (الملكية التجارية) لأسباب اقتصادية إلى بنية عنيفة هي (الملكية الرأسمالية), وينتهي هذا التطور برأي ماركس إلى وضع عنيف, هو فقدان العامل ملكية عمله واستغلال الرأسمالي لنتاج عمله. عند هذا نجد أنفسنا في وضع عنيف ولذلك فإن العنف في نظر ماركس "يلعب دوراً هاماً في التاريخ فكل مجتمع قديم يحمل في طياته مجتمعاً جديداً والأداة التي تحمل الحركة الاجتماعية بواسطتها مكانها وتحطم أشكالاً سياسية جامدة وميتة". أما عالم النفس فرويد وهو الأكثر شهرة في مجاله فيقول "الطبيعة من حيث كونها أحد أصول الانسان حاضرة أبداً فيه, بما فيها عدوانيته التي تدين, مع ذلك بامكان ظهورها للثقافة وحدها وبذلك تكون الطبيعة العدوانية ظاهرة ثقافية تتأصل جذورها في المستوى ماقبل الثقافي الذي هو نقطة التلاقي بين الطبيعة والثقافة, وإنه يمكن وضع العدوانية في خدمة الحياة والموت على السواء ". أما عالم الاجتماع "دوركهايم" فيقول "إن أُولى خصائص الحياة الاجتماعية هي الإكراه الذي يعتبر مقياساً يستدل به على ماهو اجتماعي أو غير اجتماعي, وإن المجتمع ليس لوحده هو الذي يمارس الإكراه بل إن الأفراد يتهمون بممارسة العنف حيال المجتمع عندما يرفضون الانصياع لهذا الإكراه". كما يرى علماء الاجتماع إن كل مجتمع هو مجتمع ضاغط, وفي الغالب عنيف. وإن أسباب العنف لم تتناقص في حضارتنا بل تفاقمت. ولم يستبعد الاقتصاديون العنف من مجال بحوثهم فقال كثيرون منهم إن العنف يكمن في صميم العملية الاقتصادية وإن التفاوت في توزيع الثروات يؤدي لا محالة إلى الصراع والعنف لأن التنافس بين الأمم يدفع كلاً من منها لتخص رأسمالها بأعظم الأسواق ثروة, وربما لها السبب تقود الامبريالية إلى الحرب. إن العنف يكمن في التعسف وفي الظلم الموصوف وفي الاستغلال الصارخ وكما يكمن العنف في التعسف الداخلي يكمن في المشروع الرأسمالي وفي السياسة الاقتصادية الوطنية وفي العلاقات الاقتصادية الدولية, بحيث يمكن القول إن تفسيراً اقتصاديا للعنف لا يمكن أن يجهل أن مايسعى إلى تفسيره هو بالضبط هذا الذي لا يمكن رده للعقلانية الاقتصادية, والذي يضعها في موطن التساؤل. وفي خضم الحديث عن العنف وآراء بعض المفكرين والعلماء حوله, ثمة رأي يحمل فكراً مناهضاً للعنف بكل أشكاله, كان صاحبه يجمل بين جنبيه قلباً يتسع لكل العالم وهو المهاتما غاندي الذي طرد المحتلين من بلاده بدعوته إلى فلسفة اللاعنف. غاندي هذا الرجل الضئيل الحجم الذي لبس رداء المنبوذين ليعلّم منْ فرض نظام الطبقات كيف يجلس جلسة التلميذ المواظب على دروسه أمام معلمه وهو يشرح للعالم مبدأ اللاعنف وكيف يمكن للأعزل أن ينتصر على المدجج بالسلاح. الأسئلة التي تطرح نفسها هنا هي عن تعريف منهج وفلسفة اللاعنف, وهل هو سبيل للشجعان أم دعوة لمن لا حول له ولا قوة؟ وهل ينفع هذا النهج مع من آمن بالغلبة بكل الوسائل وسجّل انتصاراته وإن اتبع أقذر الأساليب وأكثرها وحشية؟ ثم يأتي السؤال الملّح وهو الذي يضع منهج اللاعنف في موضع التشكيك بجدواه مع من اختار العنف سبيلا وحيدا للتغيير وإن أخذ شكل العدمية. كما نرى ونسمع عن الأفكار المتطرفة التي تقود بصاحبها إلى إفناء نفسه والآخرين. كذلك هناك سؤال في غاية الأهمية, وهو هل يمكن لفكر غاندي أن يقدم للعراق والعراقيين على سبيل المثال شيئا نحن جميعا بأمسّ الحاجة إليه, ونحن قد عشنا عنف السلطة في زمن الدكتاتورية المقبورة, لعقود من الزمن و إلى آخر العمليات الإرهابية العدمية. بالإضافة إلى الأسئلة الكثيرة عن فكر المهاتما غاندي وكتاباته وأقواله وآرائه في مختلف المسائل الفكرية والسياسية والاجتماعية وغيرها من شؤون الإنسان وشجونه. (لستُ قديسا ولا غارقا في الخطيئة, أبقى متفائلا, ليس لأن بوسعي تقديم أي دليل على أن الحق سينتصر في نهاية المطاف..لأن أساس وحينا هو فقط الإيمان بأن الحق سينتصر..إذا أثبتت أي من الأفعال,التي ندّعي إنها روحانية, بأنها ليست عملية, فينبغي الإقرار بفشلها لأني اعتقد أن أكثر الأفعال روحانية هي أكثرها عملية في الحقيقة). من البديهي أن الغضب هو الشرارة التي تشعل نار العنف ولكن الغضب أمر طبيعي وصفة لصيقة بالكائن البشري فكيف ينجو الإنسان من عواقب الغضب؟ وماذا نجد في جعبة غاندي عنه. يقول المهاتما(أي المعلم)- ليس بوسعي القول إني لا أغضب, لكني لا أعطي متنفسا للغضب, بل أحاول تنمية ميزة الصبر لتخفيف الغضب, وبشكل عام أنجح في ذلك..كيف وجدت أن بالإمكان التحكم بالغضب؟ هذا سؤال لا معنى له, لأنها عادة يتوجب على كل منّا تنمينها في ذاته, وأن ينجح في التخلق بها من خلال المران الدائم. ثم ينتقل بنا غاندي ليعرفنا برسالته التي يرفض أن يسميها الغاندية مصرّا على نفيها قائلا: (لم أتوهم يوما بأن رسالتي ستكون رسالة فارس جوال يبحث في كل مكان عن كيفية تخليص الناس من عسرهم؛ فشاغلي المتواضع هو أن أبيّن للناس كيف يحلّون مشكلاتهم...ما من شيء اسمه الغاندية, ولا أرغب في أن اترك من بعدي أي طائفة, كما أني لا أدعي خلق مبدأ جديد, او عقيدة جديدة. لقد جربت, وحسب, طريقتي الخاصة لتطبيق الحقائق الأزلية في حياتنا ومشكلاتنا اليومية). إذن فالمعلم يقدّم نفسه وتجربته بكل تواضع على شكل خبرة متراكمة لأساليب ناجعة في السيطرة على الذات وتوجيهها الوجهة الخيّرة بلا مثالية أو أوهام رومانسية فلدى الإنسان طاقات كامنة فيما لو استطاع استخدامها فإنه سيصل في نهاية المطاف إلى ما يصبو إليه. بعد أن يكتشف بنفسه أن متعة البذل والعطاء أكبر بما لا يقاس من لذة الأخذ والحرص. ( لأن الجميع يدّعي, في اللحظة الراهنة, أحقية الضمير دون الاستناد إلى أي قاعدة على الإطلاق, ولأن الكثير جدا من الكذب يُقدّم لعالمنا المشوش, فإن كل ما بوسعي تقديمه لكم , وبمنتهى التواضع, هو أنه لا يجب البحث عن الحقيقة لدى أي شخص لا يتمتع بأقصى درجات التواضع؛ لأن عليك أن تغدو صفرا إن كان عليك عبور محيط الحقيقة). وهكذا بكلمات صوفية يدخلنا المعلم إلى عالم الحقيقة الروحانية تلك الحقيقة التي يسعى إليها الشجعان الباحثين بصدق عنها وشرط الروحانية الأول هو عدم الخوف (فليس بمقدور الجبناء أن يكونوا أخلاقيين) على حد تعبير غاندي. ومن اللاعنف يصل غاندي إلى مبحث (الساتياغراها) التي تعني الاستعانة بقوة الحقيقة أو قوة الروح, ولأنه ينطلق من تجربة ذاتية مارست الصدق والأخلاص في البحث عن الحقيقة العارية لذلك نجد كتاباته وأقواله شملت الكثير من القضايا التي لاتزال تثير الجدل وربما الاختلاف كقضايا السلام العالمي وقضية فلسطين والطرق اللاعنفية في المقاومة. ختاما أود أن أنقل للقارئ كلمات متفرقة للمهاتما غاندي:
"لا شاعرية في هذه الحياة إن خلت من المخاطر"
"الأفضل حين تصلي أن يكون لديك قلب بلا كلمات بدلا أن تكون لديك كلمات بلا قلب".
"لا يمكن تلقين اللاعنف لشخص يخشى الموت"
"التقليد هو أصدق حالات التملق"
"استمتع بالأشياء الأرضية عبر تخليك عنها"
"لا يحق لأحد إرغام الآخرين على العمل وفق رؤيته الخاصة للحقيقة".
"يجب أن يكون الساعي للحقيقة أكثر تواضعا من الغبار"
08-أيار-2021
21-تشرين الثاني-2013 | |
16-تشرين الثاني-2013 | |
05-تشرين الثاني-2013 | |
26-تشرين الأول-2013 | |
15-تشرين الأول-2013 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |