قراءة لوليتا في طهران – الفصل 3 / للكاتبة أذر نفيسي ـ ترجمة
خاص ألف
2010-10-16
الساعة 6 صباحا : هذا أول يوم للتدريس. كنت مستيقظة. و بسبب القلق الشديد لم أتناول الإفطار. وضعت القهوة عى النار ، ثم حصلت على حمام طويل و مهدئ. عانقت المياه رقبتي و ظهري و ساقي ، و وقفت هناك متجذرة في الأرض و لكن خفيفة كريشة. و لأول مرة خلال سنوات ، واتاني الشعور بالأمل الذي لا يقاطعه التوتر : لن أمر بطقوس القهر و العذاب التي تركت علاماتها فوق أيامي حينما كنت أدرس حسب طقوس الجامعة التي تتحكم بشكل ثيابي ، و بطريقة الأفعال المتوقعة مني، و بالإيماءات التي يجب دائما أن أتذكر كيف أكبتها. يجب أن أتهيأ لهذه الحصة الأولى بأسلوب مختلف.
كانت الحياة في الجمهورية الإسلامية متقلبة مثل شهر نيسان، حيث تتنحى أشعة الشمس لفترة قصيرة و تهطل أمطار سريعة و عاصفة. إنها حياة بلا توقعات: فالنظام يمر بدورات من التسامح، و يعقبها اعتقالات. الآن ، بعد فترة من الهدوء النسبي و ما يسمى بالتحرر ، دخلنا مجددا في حقبة من الإجراءات العصيبة. و كانت الجامعات كالعادة هي الهدف لهجوم الرقابة الثقافية التي انشغلت بوضع سلسلة من القوانين القاسية، حتى وصل الأمر إلى حد عزل الذكور عن الإناث في القاعات مع توجيه العقوبات المفرطة للأساتذة الذين لا يلتزمون بذلك.
و كانت جامعة العلامة الطابطبائي ، و هناك كنت أقوم بالتدريس منذ عام 1987 ، هي الجامعة الأكثر ليبرالية برأيهم في إيران. و قد انتشرت الشائعات أن شخصا من وزارة التعليم العالي سأل، ببلاغة مقعرة، هل إن جامعة العلامة تعتقد أننا نعيش في سويسرا. كانت سويسرا تدل بطريقة ما على الانفتاح الغربي: و كل برنامج أو عمل غير إسلامي ( جزافا ) يقال عنه بشكل ساخر: هذه إيران و ليس سويسرا. تذكروا ذلك.
كان الضغط أقسى على الطلبة. و كنت أشعر باليأس كلما أصغيت لحكاياتهم التي لا تنتهي عن الحزن و الأسى. كانت الطالبات تعاقبن إذا أسرعن بتسلق السلالم بسبب تأخرهن عن موعد الحصة، و إذا ضحكن في االممرات، و إذا تبادلن الكلام مع أفراد من الجنس الآخر. و ذات يوم دخلت صاناز إلى الصف قرابة نهاية الحصة، و هي تبكي. و بين فورات من الدموع و النواح، شرحت لنا أنها تأخرت لأن الحارسة عند الباب، اشتبهت بحقيبتها، و حاولت أن تعيدها إلى البيت مع عقوبة التنبيه.
لماذا امتنعت عن التدريس فجأة ؟. سألت نفسي هذا السؤال عدة مرات. هل بسبب انحدار مستوى الجامعة ؟ أم بسبب تفاقم الإهمال بين من تبقى من الطلبة ؟ أو نتيجة تصاعد المعارضة للقيود العشوائية و ضرورة رفضها ؟.
ابتسمت و أنا أفرك جسمي بالليفة الخشنة ، و أتذكر ردة فعل المسؤولين في الجامعة على رسالة استقالتي. لقد ضايقوني و همشّوني بكل الوسائل الممكنة، و راقبوا زواري، و وضعوا القيود على تصرفاتي، و لم يمنحوني القرض طويل الأجل، وعندما استقلت أخيرا، ألهبوا مشاعري بالغضب لأنهم قرروا ، بلا سبب، رفض قبول الاستقالة. و هددت الطلبات بمقاطعة الحصص، و هذا وفر لي قدرا من التعزية لأنني تأكدت فيما بعد أنه رغم الوعيد بالانتقام، قاطعن فعلا بديلتي. و اعتقدوا جميعا أنني في النهاية سوف أرضخ و أعود.
و استغرق ذلك عامين إضافيين قبل قبول الاستقالة. و أتذكر أن صديقا أخبرني، أنت لا تستوعبين طريقة تفكيرهم. لن يقبلوا استقالتك لأنهم يعتقدون أنه ليس لديك الحرية لاتخاذ القرار. هم من يقرر كم تطول مدة بقائك و متى يجب الاستغناء عنك. هذه العشوائية و الفوضى كانت فوق الاحتمال.
ماذا يجب أن أفعل؟. سألني الأصدقاء. هل ستأوين إلى البيت فقط. حسنا ، بمقدوري تأليف كتاب آخر، قلت لهم ذلك. و لكن في الحقيقة لم تكن لدي أية خطط واضحة. كنت لا أزال في فترة ما بعد صدمة كتاب نشرته للتو عن نابوكوف. و كانت عندي أفكار غامضة، مثل البخار، تتشكل في الذهن و تأخذ صورة كتاب مقبل. و على الأقل، بمقدوري، أن أتابع الانكباب بمتعة على دراسة كلاسيكيات الأدب الفارسي، و لكن مشروعا واحدا متكاملا ، كانت فكرته تنمو ببطء، و تطفو فوق سطح ذهني. و لفترة طويلة كنت أحلم بالإعداد لقاعة خاصة، قاعة أحصل فيها على إمكانيات غير مقيدة و لا مشروطة بعكس الحال في الجمهورية الإسلامية. كنت أرغب بقوة بتدريس حفنة من الطلبة المختارين الراغبين بدراسة الأدب، طلبة غير معاقين بضغوط حكومية، و لم يختاروا الأدب الإنكليزي لأنهم ببساطة لم يقبلوا في كليات أخرى أو لأنهم اعتقدوا أن الأدب الإنكليزي سوف يفتح لهم أبواب مهنة معقولة.
التدريس في الجمهورية الإسلامية، مثل أي عمل آخر، يخضع للسياسة و لقواعد عشوائية. و دائما، متعة التدريس كانت تحت تأثير توجيهات و تداخلات تفرض علينا من قبل السلطات – كيف يمكن لأحد أن يدرس إذا كان الهم الأساسي لموظفي الجامعة الكبار ليس نوعية العمل و لكن لون شفاه المحاضِرة، أو ظهور خصلة من شعر الرأس؟. هل بمقدور أحد أن يركز على عمله إذا كان اتجاه الجامعة يركز على الطريقة المثلى للتغطية على كلمة ( نبيذ ) التي وردت في نص قصة لهمنغواي ، أو اتخاذ قرار بعدم تدريس برونتي لأنها كانت كما يبدو تشجع على الفاحشة ؟.
لقد تذكرت صديقة تعمل بحقل الفن التشكيلي، و قد بدأت مهنتها برسم مشاهد من الحياة، و لا سيما الغرف المهجورة، و البيوت الفارغة و الصور الفوتوغرافية المهلمة التي تصور بعض النساء. و بالتدريج ، تحول عملها إلى الجو التجريدي، و في معرضها الأخير، كانت لوحاتها عبارة عن لطخات من الألوان المتمردة، و منها (اثنين في غرفتي) ، حزام قاتم من الألوان مع نقاط زرقاء صغيرة و قليلة. سألتها حول هذه الانعطافة من الواقعية الحديثة إلى التجريد، فقالت: أصبح الواقع لا يطاق، شديد الكآبة، و كل ما يمكنني رسمه الآن هو ألوان تختزل أحلامي.
كررت جملتها الأخيرة بصوت هامس: ألوان أحلامي، و انتهيت من الحمام و انتقلت إلى بلاط الأرض الباردة.
أعجبني ذلك. كم شخصا ربح فرصة ليرسم أحلامه بالألوان؟. ارتديت البرنص الفضفاض و شعرت بالطمأنينة لدى الانتقال من هدوء الماء الذي يغطيني إلى الأمان الناجم من غطاء الثوب الملفوف حول جسمي. و تمشيت بقدمين حافيتين نحو المطبخ ، و سكبت بعض القهوة في كوبي المفضل ، المنقوش عليه صورة ثمار الفريز الحمراء، و جلست بذهن شارد فوق الكنبة في الصالون.
هذه الترتيبات هي اللون المفضل لأحلامي. فهي تتضمن انسحابا فعالا من الواقع الذي أصبح معاديا. و حاولت جهدي أن أتمسك بالمزاج النادر لتفاؤلي و ابتهاجي. و لكن في خلف رأسي ، لم أكن أحزر ماذا يقف بانتظاري بعد ختام المشروع. قال لي أحد الأصدقاء: أنت تعلمين أنك تنسحبين باستمرار إلى داخلك، و الآن بعد أن قطعت علاقاتك مع الجامعة، كل اتصالاتك مع العالم الخارجي ستكون محصورة في غرفة واحدة. ثم سألني: إلى أين سوف تنطلقين من هنا؟. الانسحاب إلى الأحلام الشخصية مصدر للخطر. شردت قليلا، و ذهبت إلى غرفة النوم لاستبدال الثياب، لقد تعلمت هذا من أحلام نابوكوف الجنونية ، مثل كينبوتي و هامبيرت.
في اختيار تلامذتي، لم أكن أضع بالحساب خلفياتهم الفكرية أو الدينية. و فيما بعد، كنت أعتبر أن إحدى أهم إنجازات التدريس يكون في اندماج جماعة من الطلبة، لهم خلفيات متعارضة و متحاربة في وقت واحد، و هي من طبيعة شخصية و اجتماعية و دينية، و لكنها تبقى شديدة الإخلاص لأهدافها و توجهاتها.
أحد الأسباب لاختيار بعض التلميذات هو في المزيج الغريب من الضعف و الشجاعة و الذي كنت أشعر به. إنهن من النوع الذي يسمى بالعادة متوحدات، و لا ينتمين لأي جماعة بعينها أو أية طائفة. لقد أعجبت بقدراتهن على البقاء ليس برغم طبيعة الحياة المنعزلة و لكن بسببها بطريقة ما. بمقدوري أن أسمي هذا الصف " فضاء خاص بنا "، و هو الاسم الذي اقترحته مانا، و أرى انه مشتق من فكرة لغرفة تحدثت عنها فرجينيا وولف.
أمضيت فترة طويلة من الوقت في اختيار ثياب ذلك اليوم الأول ، و أنا أجرب أزياء مختلفة. و أخيرا استقر رأيي على قميص مخطط بالأحمر و جينز مخمل أسود. ثم وضعت المكياج بأناقة و أضفت طلاء الشفاه الأحمر الناصع. و بينما كنت أثبت أقراطي الذهبية الصغيرة ، شعرت فجأة بالخوف. ماذا لو لم أنجح؟. ماذا لو أن أحدا لم يحضر؟.
لا تكوني كذلك. كلا. لجمت كل مخاوفي لخمس أو ست ساعات قادمة على الأقل.
رجاء ، رجاء. كنت أتوسل لنفسي، و أنا أرتدي حذائي و أتجه نحو المطبخ.
المصدر :
Reading Lolita in Tehran - A Memoir in Books : Azar Nafisi.
ترجمة : صالح الرزوق – من النص الإنكليزي.
08-أيار-2021
مقتطفات من : كافكا في المحاكمة الأخرى بقلم : إلياس كانيتي ترجمة : |
17-نيسان-2021 |
03-تشرين الأول-2020 | |
12-أيلول-2020 | |
22-آب-2020 | |
20-حزيران-2020 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |