لماذا الرق ليس رجساً في الإسلام؟
خاص ألف
2010-10-20
مما لا شك فيه أن الإسلام احترم الأسرى، و دعا إلى حسن معاملتهم، و الشواهد النصية أو الواقعية في ذلك أكثر من أن يتسع لها مقالٌ، لكنه ـ الإسلام ـ لم يحرم الرق، تصريحاً أو تلميحاً، لا بل أباحه، و وضع نواظم وضوابط للتعامل مع العبيد، وكأن هذه الظاهرة (الرق) باقيةٌ أبد الدهر.
و لعل أحد أهم أوجه التمايز بين الإسلام و ما سبقه من فلسفاتٍ و أديانٍ هو حصر الاسترقاق بالحروب، إذ جعل أسرى الحرب مع (الكفار) مصدراً وحيداً للعبودية بعد أن كانت مصادرها: الخطف، و الشراء، و ولادة العبد، و الهدايا، و الأسر.
و الإسلام، بمجمل أحكامه الناظمة للرق، و برغم تقدميتها (بالنسبة لما سبقها) تثير من الأسئلة ما يستحق التفكير فيها و الإجابة عليها، خصوصاً في وقتنا الراهن الذي صار فيه هذا الدين الحنيف موضع اهتمام الآخرين، سواءٌ كان هذا الاهتمام بنية اعتناقه أو بنية جعله محلاً لمؤامراتهم و دريئةً لرماياتهم.
من زاويةٍ فقهيةٍ؛ ربما يجدر بنا الاستفسار عن سبب تحريم ممارساتٍ ومظاهر أقل أهمية من العبودية (أكل لحم الخنزير أو شرب الخمر)، برغم ما للعبودية من مساوئ و مسٍّ بجوهر الإنسان و فطرته وخصائصه الجوهرية، فقتل أو إهانة أو استعباد فردٍ إنما هو قتلٌ و إهانةٌ و استعبادٌ للناس جميعاً، هذا فضلاً عن (متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً؟).
عادةً، يجيب الفقهاء على هذه المسألة إجابةً ذات شقين، يرتكز الشق الأول منهما على مقارنة الإسلام بما سبقه لبيان مدى تلطفه بحال الرقيق، بينما يذهب الشق الثاني من الإجابة إلى أن الإسلام كان (براغماتياً) و راعى الظروف السائدة و المستقرة، و أنه لم يكن من الحصافة اتخاذ إجراءٍ تحريميٍّ تجاه ظاهرةٍ متجذرةٍ و أساسيةٍ في التركيبة الاقتصادية و بنية التفكير و الثقافة السائدين آنذاك، ما يستوجب التدرج و تلطيف (و ليس تحريم) الرق.
فعلاً، كان الإسلام أرأف بالعبيد من جميع الديانات و التيارات و الحركات الفكرية التي سبقته، لكن الأصل هنا ـ كما هو حال جميع الأفكار العظيمة ـ ليس مقارنته بما قبله فقط؛ بل بما يحمله الفكر المعني للمستقبل، لذا يغدو مبرراً من الناحية المنهجية التساؤل عن مدى ارتباط بعض الأحكام الفقهية باستشراف المستقبل، و توقع التطورات الطارئة على وعي و علاقات البشر في قادم الأيام، و ما سوف يصل إليه الرق من نبذٍ و (تحريمٍ) أخلاقيٍّ معبرٍّ عنه بمجموعة القوانين و الاتفاقات الدولية (التي لم تنضم إليها الكثير من الدول الإسلامية بسبب اعتبارها أن هذه الاتفاقيات و القوانين الوضعية أدنى من الشريعة الإسلامية التي تبيح الرق).
أما بالنسبة لـ (براغماتية) الإسلام في موضوع الرق فتستدعي التفكير بتأثير هذه (البراغماتية) في الصورة الإجمالية للفلسفات الكبرى و الأديان و من ضمنها و أهمها الإسلام، و التي يفترض فيها أن تكون واضحة المعالم وساطعةً وحادة الدلالات ليس في القضايا التفصيلية فحسب (لحم الخنزير) إنما في القضايا الكبرى التي تمس أقدس ما في الإنسان، أي كرامته و حريته و تحويله إلى سلعةٍ.
فالبراغماتية مقبولةٌ في السياسة و الإدارة، و في أمورٍ يوميةٍ و فرعيةٍ، أما في فكرٍ عظيمٍ هو آخر الرسالات السماوية، يضع السقف الأعلى و الأخير في تنظيم السلوك و الحياة الروحية لمليارات البشر و علاقتهم ببعضهم؛ فالأمر يستحق أن يكون موضع تفكيرٍ و جدلٍ، وخاصةً لجهة إسهام هذه (البراغماتية) و بعض القواعد الفقهية الناجمة عنها في تأبيد و إدامة أفكارٍ و ممارساتٍ تجاوزتها البشرية، و أقل ما تنعت به أنها (غير عصريةٍ أو إنسانيةٍ).
وإمعاناً في البراغماتية يدافع البعض قائلاً: " أن الإسلام أبقى على الرق إجراءً احترازياً لردع الأعداء ومعاملتهم بالمثل"، وهذا دفاعٌ لا يوسع التناقض بين الجانب الروحاني ـ الإنساني و المتطلبات المادية ـ العملية لنشر الدعوة فقط، إنما يقودنا إلى تلمس ملامح نزعة ميكيافيلية تختفي في ثنايا هذا المنطق، فـ "الغاية تبرر الوسيلة" بغض النظر عن مدى انسجام الوسيلة (الرق) مع الغاية (نشر و ترسيخ قيم روحية وسماوية) و لا أعتقد أن صفة الميكيافيلية إن لصقت بالأحكام الفقهية في أعلى مراتبها (القرآن الكريم و السنة) مفيدةٌ لجهة عصرنة فهمنا وفهم الآخرين للإسلام.
أحسب أن التبرير بذريعة المعاملة بالمثل يطيح بجزءٍ معتبرٍ من التفوق الأخلاقي على (الأعداء)، هذا التفوق الذي من المفترض أن يكون الحامل لنشر الدعوة (الروحية) وليس أي شيء آخر، فكيف إن كان هذا الشيء يمس أقدس ما في البشر ...حريتهم.
إن عدم حسم تحريم الرق، وإبقاء الباب موارباً في وجه استعباد البشر فتح مجالاً واسعاً لسوء استخدام إباحة الرق، فلا يزال الكثير من عامة المسلمين يدمجون في نظرتهم وتعاملهم بين الخدم و الرقيق، ولعل الجميع يعرف استمرار ظاهرة الاسترقاق حتى الآن في بعض مناطق السودان وموريتانيا، فضلاً عن قوافل العبيد و الجواري التي كان يسوقها كبار القادة العسكريين للأمراء من البلاد (المفتوحة) وهذه القوافل لم تكن من باب "المعاملة بالمثل" لأن جيوش المسلمين كانت منتصرة وفاتحةً للأمصار التي دخلتها، إنما لأغراض أخرى، أتاحت تلك البراغماتية المجال لتحقيقها.
تخيلوا معي:
في يومنا هذا، و في حربٍ مع (الكفار)، ما زال الشرع يسمح لي بتحويل أسيرٍ أو أسيرةٍ إلى عبدٍ أو عبدةٍ، و بموجب آياتٍ قرآنيةٍ كريمةٍ وأحاديث نبويةٍ شريفةٍ واجتهاداتٍ فقهيةٍ هؤلاء العبيد: شهادتهم غير مقبولةٍ، و مبدأ القصاص إذا كان المجني عليه عبداً يختلف عنه إن كان المجني عليه حراً، كما أن حد الزنا على الأَمَة غير حد الزنا على الحرة، وكذا حد القذف، و زواج العبد بدون إذني يعتبر عهراً " أيما عبد تزوج بغير إذن مواليه أو أهله فهو عاهر" (حديث نبوي شريف)، و يحق لي وطء عبدتي متى أشاء (ممارسة الجنس معها) والعبد الذي يعصاني تقارب معصيته لي معصية الله، بل إن رضا الله عليه يمر عبر موشور طاعته لي!! إذ يعتبر:
ـ كافراً "أيما عبد أبق من مواليه فقد كفر حتى يرجع إليهم" (حديث نبوي شريف).
ـ عديم الذمة "أيما عبد أبق فقد برأت منه الذمة"(حديث نبوي شريف).
ـ لا تقبل صلاته "إذا أبق العبد لم تقبل له صلاة" (حديث نبوي شريف).
وكل ما سبق؛ هو من حقوقي و واجبات العبد (الشرعية)، فضلاً عن (حقي) في بيعه، أو التنازل عنه...إلخ.
ترى؛ إن تنادت هيئاتٌ ومنظماتٌ و وسائل إعلامٍ مستنكرةً أفعالي (الشرعية) و قائلةً بأنني أخرق معاهدة جنيف الثالثة لعام 1949 وتعديلاتها الخاصة بالأسرى، أو شرعة حقوق الإنسان، أو اتفاقيات منع الإتجار بالبشر، هل أستطيع أن أجيبهم: "شريعتي تبيح لي هذا" ؟
و على فرض أن صورتي لدى الآخر (المهتم باتفاقيات جنيف وتحريم الرق) لا تهمني؛ ألا يهمني أن أفهم شريعتي كي أجيب الآخر (الكافر) إذا ما شكك بعصرية الإسلام؟
ألا يستدعي الأمر من فقهائنا، و بدلاً من الالتفات إلى مسائل فقهيةٍ أقل أهميةٍ؛ أن يمكنوني ـ وغيري ـ من إجابة شخصٍ سألني:
ـ لماذا العبودية لديكم ما زالت محللةً و ليست رجساً من عمل الشيطان؟
حسان محمد محمود
08-أيار-2021
05-أيلول-2020 | |
23-أيار-2020 | |
04-نيسان-2020 | |
21-أيلول-2019 | |
هكذا تكلم أبو طشت ـ الجزء 5 كورنيش الشمس لدعم النقد الأجنبي. |
14-أيلول-2019 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |