"اليوم العالمي للفلسفة" من يحتفي به في العالم العربي؟
خاص ألف
2010-12-07
يعاني أصحاب الفكر التنويري في العالم العربي من الملاحقة والاضطهاد من قبل الأنظمة السياسية القائمة, فأي مفارقة تكمن في أن يقوم العالم العربي بالاحتفاء باليوم العالمي للفلسفة!
في علاقة الدول بعضها ببعض تتحكم المصالح المشتركة, لكن على مستوى الأفراد ما الذي يجمعني أنا ومن يشبهني بالنظام القائم في إيران؟ أي مفارقة أيضاً تتجلى بهمة النظام الإيراني في احتضان الاحتفاء بالفلسفة, وقد قال مرشد ثورتها: إن الفلسفة تمثل خطراً، معلناً أنه سيتم مستقبلاً حذف كل أعمال الفلسفة الغربية من المقررات الجامعية في إطار ثورة ثقافية واسعة النطاق! لعل هذا بالضبط ما دعا اليونسكو للانسحاب من رعاية وتنظيم فعاليات احتفاء طهران بيوم الفلسفة خلال تشرين الثاني المنصرم, بعد أن قامت جماعة من الفلاسفة والمثقفين بتوجيه رسالة احتجاج إلى منظمة اليونسكو.
ما يهم العالم كله الآن يتمحور حول فكرة رئيسة واحدة: حوار الحضارات, حوار الثقافات, حوار الأديان... فكيف ينشأ الحوار بين أطراف منغلقة, يكفر كل منها الآخر وينفيه ويلغيه؟!
يبدو أن الخطاب الفلسفي هو الخطاب الوحيد الذي يمكن أن يتشاركه العالم, وهو الخطاب المعتمد على الحوار كآلية وحيدة تبعد الإلغاء والإقصاء الذي لن يقود يوماً إلا إلى مزيد من الديكتاتورية والاستبداد والتطرف.
( الفلسفة والتنوع الثقافي والتقريب بين الثقافات) هذا عنوان الفعاليات التي كانت ستعقد في طهران, فهل كان اختيار طهران مكاناً لمناقشة هذا العنوان منطقياً, وهي التي تحاول فرض النظام الإسلامي بنكهة محددة, ضاربة عرض الحائط بمئات السنين من التطور الحضاري والإنساني والعلمي والفلسفي؟! وإن كانت الفلسفة تعني حب الحكمة فهل من الحكمة ما يفعله النظام القائم في إيران حين يعمد إلى تطبيق مادة الحرابة التي تنص على أن من يحاربون النظام وأفكاره وقوانينه وفلسفته فإنما يحاربون الله والنبي والإمام المعصوم وعقوبتها الإعدام! هل سمع أحد منكم قبل الآن ببدعة محاربة الله!!
ترى ما نسبة الاختلاف بين ما تطبقه إيران على الفكر والفلسفة, وبين ما تطبقه الأنظمة العربية عليهما؟ مع الأخذ بعين الاعتبار اختلاف النسب والأشكال والشعارات؟ ألا نتذكر هنا بالضبط قول كارل ماركس: إن الفلسفة السائدة هي فلسفة النظام السائد ؟
في نهاية السبعينات كتب جيل دولوز: “إنّ علاقة الفلسفة بالدولة لا تتأتّى فقط من كون معظم الفلاسفة غدوا، منذ ماض قريب، ” أساتذة عموميين”. إنّ منشأ تلك العلاقة أبعد من ذلك. إنها تكمن في كون الفكر صار يستمدّ شكله الفلسفيّ من الدولة كجوهر متقوقع على ذاته. إنه يبتدع دولة روحية، دولة مطلقة، دولة لا توجد إلا في الحلم فحسب، ما دامت تعمل ذهنيا. من هنا تأتي الأهمية التي تتخذها مفهومات الشمولية والمنهج والسؤال والجواب، والأخذ والردّ، والحكم والاعتراف والأفكار الصائبة، والحرص على أن نكون دوما جهة الأفكار المحقّة".
كتب الطيب تيزيني عام 2006 عن يوم الفلسفة العالمي ساخراً: " مع يوم الفلسفة لابد أن نلتفت إلى الواقع الثقافي العربي، فهذا الأخير تُخيّم عليه سحابة سوداء تكاد تسدّ الأفق، وتتحدد في احتلال الفكر الظلامي معظمَ واقع الحال ذاك، وهو فكر يتأسّس على الاستفراد بالسلطة وبالثروة وبالإعلام وبالحقيقة، ومن ثم، فإن الاستفراد بالقرار السياسي والاقتصادي والإعلامي والثقافي (المعرفي) يمثل حجر الزاوية في الفكر المذكور. ومن الطريف أن الموافقة على “يوم الفلسفة العالمي”، وعلى الاحتفاء به، تأتي -في حالات عربية كثيرة- من مرجعية ذلك الفكر الظلامي، سواء تجلّى في صيغة قومية أو وطنية أو ليبرالية أو دينية، ممّا يشي بطابع اللعبة، التي تمارسها تلك المرجعية بالإفصاح أو بكيفية خفيّة".
ويرى تيزيني أن يوم تمجيد الفلسفة يتحول إلى يوم تمجيد للنظام السياسي القائم، بما قدّمه من دعم عظيم لهذا اليوم، ويبرز احتمال آخر يتجلّى في غزو “يوم الفلسفة” بجيش من الهُواة، بعد أن يكون أصحاب العلاقة من الباحثين والفلاسفة قد حيل بينهم وبين المشاركة في اليوم المذكور.
مع مفردات تتوالى على الذهن: العرب, الفلسفة, الفكر, الدين, الحوار, الدولة... يخطر لي ما قاله مدير تحرير مجلة ( لوموند الأديان ) الفيلسوف وعالم الاجتماع فريديريك لونوار في أحد حواراته: يهمني أن أرصد التبدل في أنماط العيش وأدرس تبعاته على مستوى إيماننا وروحانياتنا. أهتم كثيراً بتاريخ الأديان, وقد لاحظت في أعقاب فلاسفة من قبيل الألماني كارل غاسبيرس أن ثمة حقبات أساسية في تاريخ البشرية تشهد تبدلات في أنماط العيش تنتج تبديلاً في التصرفات الدينية. بعد الانتقال من الفترة الباليوليتية إلى الفترة النيوليتية أهم المحطات في هذا السياق, ذلك أن الإنسان ما قبل التاريخ كان من البدو يتنقل ضمن مجموعات صغيرة وعندما صار من الحضر تبدلت ديانته. كان يعتنق مُعتًقداً على علاقة بالطبيعة ويؤمن بوجود أرواح تهيم فيها, ويتعبد لها, وعندما بات من الحضر, استبدل أرواح الطبيعة بآلهة المدينة وتضرع لها لينال الحماية, في كل مرة جرى انقلاب في نمط العيش, رافقه تبدل في المعتقد, يلبي الدين تالياً حاجات الأمان وحاجات بدئية أيضاً, نفتش في ثناياه على قهر الخوف والموت وبلوغ الاستقرار. عندما تتبدل أنماط العيش إذاً تتبدل الأسئلة والإجابات كذلك.
بناء على ذلك هل يمكن القول: إن العرب ما زالوا في كثير من نواحي حياتهم قبائل بدوية تتنقل على خارطة الرمل, ولذا ما زالت آلهتهم بدائية وثنية عشتاروتية تتعلق بالخصب ؟! فهل يمكن للعرب أن يؤمنوا بالفلسفة التي تخاطب العقل وتدحض الأوهام؟ هل يحق للعرب أن يحتفوا بالفلسفة, وما زال مفكروهم وفلاسفتهم مضطهدون في الأسر أو في المنفى أو في النسيان!؟ أي سخرية في احتفاء مجتمع يمسك بخناقه رجال الدين والسياسة بالفلسفة, وهو المجتمع عينه الذي كفّر نصر حامد أبو زيد وقتل فرج فودة, ونفى محمد أركون وغيره من بركات الاعتراف؟!
هل ينجو العرب من الانقراض الحضاري, وما سبيلهم إلى ذلك؟ ما هو طوق نجاتهم: الدين أم السياسة أم الفلسفة!؟
08-أيار-2021
17-آب-2011 | |
10-آب-2011 | |
03-آب-2011 | |
27-تموز-2011 | |
20-تموز-2011 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |