تداعيات عن الجوائز الأدبية
خاص ألف
2011-01-05
أحيانا لا يستوعب المستهلك المعنى الفني للإبداع و لا ضرورته في فتح نوافذ خلاص ، نوافذ نجاة تقود البشرية إلى التعويض عن فشلها و عن كبواتها.
و للأسف ساعدت الجوائز الأدبية في القرن الراهن ، بتعميم فكرة القصور الدلالي ، و تحولت الجائزة من أداة تكريم إلى نوع من البروباغندا و البارانويا.
و يدخل في هذا الباب أرشيف جائزة البوكر للإبداع الروائي سواء بنسختها الأصلية ( الإنكليزية ) أو بنسختها العربية ( التي لم يمر عليها غير سنوات هي أقل من أصابع اليد الواحدة).
هل كانت تلك السنوات شموعا مضيئة على الدرب ، و في خدمة نفوسنا الضعيفة التي اعتادت على جميع أنواع الهزائم ، و أتقنت توجيه اللعنات و الشتيمة لكل تلك الساحات المصمتة التي هيمنت عليها العتمات؟؟!..
في الواقع كانت هذه الجائزة تكبو أمام معظم الحواجز ، و لا سيما الحاجز الجنساني الذي يتألف بدوره من هوية مركبة. لقد كان قرار لجنة البوكر باختيار ( أطفال منتصف الليل ) لسلمان رشدي مجرد تعبير موجه عن الانتقال من مرحلة الاستشراق و تفكيك الاستعمار إلى مرحلة صدام الحضارات و حسب صياغة هنتنغتون ، بالصورة المسمومة التي مهدت لعدة كوارث مسؤولة عن تهديم التعايش السلمي بين شعوب المشرق. و كذلك قدمت شبه القارة العظيمة – الهند - بلغة تشردية و خاطئة ، بلغة تعكس ألم الكاتب نفسه من جراء عدم انسجامه مع مكوناته ، و لاحتراق أوراقه الخاصة في هشيم طبقة أنتلجنسيا عقيمة لا تعلم كيف تحرض على المقاومة ، و لا كيف تخرج من حفرة الجدل الأفلاطوني.
و إن تخطي روايته التالية ( حسرة المغاربي الأخيرة ) من تصفيات نفس الجائزة ، كان القرينة على أثر اللوبي الضاغط و طريقة عمله ، مع أنها نص أساسي و يعيد صياغة الدوافع للرأسمالية الشريرة على أنها دعوة تبشر بأخلاق الخوف و الرعب المعاصر.
و قل ذات الشيء عن رواية ( مشاغبون كبار بالعمر ) لمارتن إيميس. إن هذه الرواية التي حازت على بوكر عام 1986 كانت بيانا موجها ضد الأحلام الثقافية لأوروبا ، و دعوة إلى أصول غامضة و عريضة لوجودية غير منتمية. و لا تعبر عن آثار الحروب الشاملة ، بقدر تعبيرها عن الدمار الروحي و الخاص الذي لحق بمفهوم الثقافة أمام المرايا المقعرة لواقع سكوني و رواقي ، واقع وصفي و لا يلمس الجدران الداخلية للروح الشفافة الممزقة.
لقد نجحت رواية إيميس ( الأب ) في دق طبول الحرب ضد شعوب العالم الثالث و ضد رغباتهم المكبوتة بالتحرر ، و ربما مهدت لسياسة المرأة الحديدية تاتشر و لعدوانيتها التي سيطرت على ثلاثة عقود غاشمة من كرامة و عمر المواطن البريطاني.
و كان الأجدى للجائزة أن تذهب في حينه إلى الأعمال الخفيفة و المبتهجة ، أعمال الإيوفوريا التي تنقل روح شعوب المحيط و ليس النواة ، أمثال الهندي نارايان الذي أعتقد أنه طاغور الهند رقم 2 ، أو وليام تريفور الذي تمكن من إعادة تقديم بلزاك و كوميدياه الإنسانية بحروف لغته ضد – اللاتينية ، و المتميزة بإطارها التأملي و الحصيف.
و هنا أيضا لا ننسى غراهام غرين الذي دمج آلام الرجل الأبيض و رغبته بالهروب من خطيئته الأصلية مع الأحلام القابلة للتصعيد لشعوب القارة السمراء.
لقد وقعت وجودية غرين المؤمنة و المخلصة لفكرة التطهير و غسيل الذنوب ضحية أمام خطابه الكاثوليكي المتعصب و على عتبات صداقاته الوثيقة مع رموز العالم الثالث.
و الحال بالنسبة لبوكر العرب ليست أفضل.
فقد فشلت في الوصول إلى قرار منصف بحق المبدع ( علي بدر ) لقاء روايته المدوية و العاصفة ( حارس التبغ ) و التي أرى أنها ( صخب و عنف ) الشرق الأوسط. و هي في الخلاصة تتويج لسلسلة من الصدمات الفنية التي نقلت الرواية عند العرب من مرحلة البحث عن شكل و موضوع إلى مرحلة البحث عن رسالة فنية. و هذا هو ( برأيي ) جوهر الموضوع. أن تبحث الأعمال الأدبية عن فنيتها ضمن ماكينة الإنتاج الفني ذاته ، و داخل حدود المربع المتصلب و المخدّر ، أو داخل الصندوق الأسود البيوريتاني و الشائك لسلوك المفاجآت.
و تكرر هذا الموقف المتواطئ مع أعمال أخرى صغيرة و ناعمة ، أضافت لفن الرواية أكثر مما حصلت عليه من الخبرة الشمولية لثقافة الصراع و الاستنتاج ، أو ثقافة القرائن.
هل يجب أن أقترح هنا الرواية التي اشتعلت بصمت و بكبرياء ( على غرار الشخصيات المريضة لجين أوستن ) و هي ( حب بيروتي ) لسحر مندور الصادرة عام 2009 . ماذا كانت هذه الرواية بحاجة له بالمقارنة مع ( عندما تشيخ الذئاب ) لجمال ناجي و التي وصلت للقائمة القصيرة ، أو حتى مع رواية اللبناني الآخر ربيع جابر و المسماة ( أمريكا ) ؟؟..
إنها عمل نسوي بامتياز ، و تحمل نفس النبرة الشيقة و المتأسية و الرقيقة التي كانت تعلو بها عقيرة فرانسواز ساغان حيال إحباطات جيل من الأثرياء و المثقفين ، و لكن ممن ليست لديهم الخلطة المطلوبة للتعامل مع واقع مضطرب و غاشم.
و هلم جرا.
إن هذه التداعيات لا تقلل من أهمية معظم الأعمال الفائزة ، و لكن تلقي الضوء على نصف اللوحة الغائب و المصموت عنه .
2011
08-أيار-2021
مقتطفات من : كافكا في المحاكمة الأخرى بقلم : إلياس كانيتي ترجمة : |
17-نيسان-2021 |
03-تشرين الأول-2020 | |
12-أيلول-2020 | |
22-آب-2020 | |
20-حزيران-2020 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |