أسئلةٌ لامتحان المرايا
خاص ألف
2011-01-12
كتب أحد الشعراء البرتغاليين:
تعكس المرآة الصورة تماماً.. لا تخطئ لأنها لا تفكر.. أن يفكر المرء, يعني أن يرتكب الأخطاء!
أما أندريه مالرو فقال: قد ننجح في أن نريد ما نكون, ولكننا نفشل في أن نكون ما نريد!
فهل بين المرآة والتفكير, وبين أن نكون ما نريد, ثمة علاقة؟
بين الولادة والموت كم مرةً أردتَ أن تكون, لكن الحياة عاندتكَ, فاضطررت أن تريد ما كان!؟
تنحو عملية التفكير باتجاه الهدم, فهي تعمل على التحليل والاستقراء واستخلاص القواعد أو العلاقات بين مكونات الحياة, فأي جهد نبذل ونحن نفكر؟!
كم عدد من يعمل كالمرآة بيننا؟ سطح عاكس جامد محايد, وربما مثالي, لأنه وكما المرآة لا يرتكب الأخطاء!
هل يشفع حرص بعضنا على عدم اقتراف الخطأ, لابتعادهم عن ساحة الفعل, والعمل, التي تتطلب التفكير؟
هل ما يمارسه التفكير من هدم, هو فعل سلبي أم إيجابي؟
ما هو الفارق بين أناس المرايا, وأناس يمشون بتماسٍ مع الجدار طالبين السلامة؟!
* * *
ثمة إرادة تتحكم بالمرآة, فتجعلها تعكس ضوء الشمس مثلاً, أو صورة وجه جميل أو قبيح, ثمة إرادة أو قوة توظف صقيل سطحها لترتكب فعلاً لا علاقة لها به, أو بنتائجه! ثمة يدٌ تحرك.. وثمة صانع قد يخون الدقة في المواصفات!
هل تعمل العين عمل المرآة؟ هل يعمل القلب عمل المرآة؟ هل يعمل العقل عمل المرآة؟
كيف يمكنك – بين الولادة والموت- أن تبعث الحياة في مراياك المحايدة اللامنفعلة اللافاعلة؟
ما أهمية السنين الطويلة- بين الولادة والموت- إن كانت عاجزةً عن خلق فرق في مراياك؟
كم عمرك اليوم, وغداً, وبعد غد, ثم ما يليه من أيام إن كنت مجرد مرآة خاملة؟ أي فرق بين أن تكون في العشرين أو في الخمسين أو في السبعين...؟ ألا يتساوى العشريني مع السبعيني إن كان ما عاشاه من حياة لم تكسر جماد المرايا في العين والقلب والعقل؟
* * *
نحتاج أحياناً إلى شخص آخر بجانبنا نسميه مرآتنا.. نحتاج (آخر) يكون بالضرورة مختلفاً, فكيف نسميه مرآتنا, والضرورة تقول بألا يكون مجرد انعكاسنا بحذافيره؟! لماذا نسمي الآخر مرآتنا إذاً؟!
إن كان على المرآة أن تعكس صورتنا كما هي حقيقتها, فأي فائدة منها إن لم نقوّم ما كشفت اعوجاجه أو عدم نقائه, أو شحوب ارتداده؟!
إن رضيتَ أن تكون ما تمليه عليك مشيئة المجموع, وشروط المجموع, وقوانين المجموع, إن تخليت عن إرادتك في أن تكون ما تريد, فأي مرآة أنت؟
بعضنا يريد من المرآة أن تصير أداة تجميل لكل القبح المنعكس على وجهها, بل يحملها مسؤوليته! بعضنا قادر أن يتحول إلى مرآة صغيرة يمكن أن تدفن في عتمة أو فراغ أي حقيبة أو دُرجٍ, أو جيب!
بعضنا لا يجد غضاضة في أن يتحول إلى وجهين لمرآة يعكس جانبها الأول حقيقة الوجه, ويعكس جانبها الآخر الوجه أكبر بكثير من حقيقته! بعضنا تقتصر وظيفته على تكبير وتضخيم وجودات بعض الصغار, لتبدو عملاقة في هذا المجال أو ذاك!
فمن أين لنا اليوم بمرآة محايدة لا تعكس إلا الحقيقة؟!
* * *
في زمننا صار للمرايا وظائف أخرى, تستخدم كثيراً كما تعلمون لتوحي بالاتساع أو بالشساعة أو بأن ثمة مدى مفتوحاً ههنا, لكن الاتساع ذاك سرعان ما يكشف عن سرابية وجوده!
على المرآة أن تعكس الحقيقة والواقع, لكن لبعضنا مرايا متفوقة كسرت مقولة الشاعر البرتغالي لأنها لا تعكس إلا المشوّه والسلبي والمفزع!
يمكن أن تكون المرآة الحقيقية أفضل, رغم أنها لا تفكر, من بشر يدعون التفكير, ومع ذلك هم أعجز من المرآة عندما يتعلق الأمر بانعكاس الحقيقة والواقع على سطحهم غير الصقيل!
للمرآة حيادية سلبية مفروضة, لكنها عاقلة, أما حيادية بعضنا, فسلبية متعمدة اختيرت بعناية!
لا تملك المرايا إرادة أن تكون ما تريد, لكن بعضنا, وبكل إرادته, أراد أن يكون ما أريد له أن يكون!
سوزان ابراهيم
[email protected]
خاص ألف
08-أيار-2021
17-آب-2011 | |
10-آب-2011 | |
03-آب-2011 | |
27-تموز-2011 | |
20-تموز-2011 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |