هل الاستفزاز بداية لحوار؟!
خاص ألف
2011-01-26
ثمة صديق أطلعه أحياناً على بعض مقالاتي التي تخوض غالباً في الجانب الفكري المتأزم الذي نعيشه بفعل موروثات وتقاليد كثيرة, ومنها موروثات إسلامية لم تعد, كما يؤكد الواقع, تنسجم مع روح العصر, لكن حماة تلك الموروثات مصرون على إحيائها بكل قوة ومحاصرتنا بها, وإلا فسنتلقى فرماناً يقضي برمينا خارج أسوار الرحمة إن لم نقل أكثر.
هذا الصديق يقول إنه لا فائدة من كل ما نكتبه ونثيره, فمثل هذا سيثير الطرف الآخر ويستفزه ويدفعه للتمسك أكثر بمواقعه ومواقفه, وأن علينا أن نفهم الأسباب الحقيقية لكل ما يجري!
فما الحل إذاً ؟ هل نصمت؟ ألا ينبغي أن نجري حواراً راقياً مفتوحاً للتوصل إلى منطقة تشاركية فلا نفرض ولا يُفرض علينا!
أعتقد أننا من جانبنا- نحن الاستفزازيين كما يصورونا- لا نتمترس خلف أوامر ونواهٍ, ولا خلف جنان ونيران, لا نقصي ولا نلغي, لا ننفي ولا نصبغ الآخر بالكفر والإلحاد!
صديقي هذا يقول إن العلمانية تحولت لتكون عاملاً مشجعاً على التطرف! ربما يا صديقي, ولكن هذا لا يحصل هنا على الأرض العربية إذ لم تولد العلمانية بعد على أرضنا العربية, فآلية تفكيرنا ما زالت خاضعة لكل المتراكم في لاوعينا. إن كنا ما نزال نبحث عن تجسيد للإله في صورة, فكيف لا يصبح الحاكم هو صورة الله على الأرض والحاكم بأمره والمعتصم بحبله!
في ألمانيا صدر كتاب حديث للباحث في جامعة ميونيخ حامد عبد الصمد- بالألمانية والعربية- بعنوان "سقوط العالم الإسلامي" يؤكد فيه أن الإسلام جزء من مشكلة العالم الإسلامي.
لماذا؟
لأن المسلمين مشدودون إلى الماضي، وعاجزون عن طرح أسئلة المستقبل الصعبة، ولهذا يهربون إلى إنجازات ماضٍ مجيد.
طبعاً أثار الكتاب منذ صدوره في ألمانيا جدلاً شديداً, فهناك من اتهم عبد الصمد بالتسطيح والتعميم وترسيخ صور نمطية، وهناك من أُشاد بـ"الكاتب الشجاع" الذي وضع أصابعه على مواطن عديدة من الداء، مُطالباً المسلمين بأن يتولوا بأنفسهم إصلاح مجتمعاتهم
بعضهم وجد في كتاب عبد الصمد إحالة إلى الفيلسوف الألماني أوسفالد شبنغلر وكتابه "سقوط الغرب". إذ عرض شبنغلر نظرية ازدهار الحضارات وسقوطها، ورأى أن ذلك يتم بشكل دوري.
ولكن عبد الصمد قال إن كتاب شبنغلر يبني على نظرية ابن خلدون الذي يقول إن الحضارات مثل الكائن الحي، تمر بمرحلة ميلاد وطفولة وشباب وشيخوخة وموت. كتب شبنغلر كتابه من عام 1911 حتى عام 1918، يعني أثناء الحرب العالمية الأولى وما قبلها, حيث كانت الحضارة الأوروبية تمر بمرحلة مادية وعنف شديد، وهو ما نراه الآن في العالم الإسلامي: تحجر وتعصب فكري وعدم مرونة في التعامل مع الآخر.
يبين صاحب كتاب " سقوط العالم الإسلامي" أن الانهيار هو انهيار فكري ووجداني بداية - ولا أعتقد أن بيننا من سينبري للدفاع ضد ذلك ونحن نرى غياباً شبه كامل لمعايير الأخلاق- يمر التعليم في العالم العربي والإسلامي بمرحلة انهيار شديدة، ولا يقدم للمجتمع ما يحتاجه المستقبل من وعي وفكر وعلم، فهو يركز في الأساس على الكراهية للآخر والولاء للوطن والدين.
كما أن الحالة الاقتصادية والسياسية متدنية جداً في معظم البلدان الإسلامية.
هل يمكننا أن ننكر ما ذهب إليه عبد الصمد باعتبار أن القوة في القرن الحادي والعشرين هي قوة العلم وقوة السياسة، وأن العالم الإسلامي في كلا المجالين لا يلعب دوراً حيوياً في العالم. القرن الحادي والعشرين- كما يقول- هو قرن الصين والهند والبرازيل، وطبعاً أوروبا والغرب. اما نحن فقد فاتنا قطار الحداثة ونجلس على رصيف الأمم ونلوم الآخرين ولا نلوم أنفسنا.
يشهد التاريخ على أن عزلة الحضارات هي المرحلة الأخيرة من انهيار أي حضارة، لأنها تفقد الهواء النقي وتفقد القدرة على التلاقح, فهل يفتح العرب والمسلمون نوافذ وأبواب بيوتهم لرياح الأرض جميعها- كما دعا غاندي- دون أن يسمح لها بانتزاع أساساته!
في كتابه يرى عبد الصمد أن الدين ليس دستوراً وليس قانوناً، بل طاقة روحية تساعد الناس على التعامل مع تحديات حياتهم ومخاوفهم، ولكن الدين ليس له علاقة بالسياسة وإصدار القوانين. الدين بهذه الصورة التي يفهمها الناس حالياً هو بالطبع عائق في طريق التطور
وحين يتهمه بعض المتابعين باستفزاز الآخر عبر كتابه ذاك, يشرح أن الاستفزاز هو بداية للحوار، و طريقة لعرض قضية ما. هناك قضايا عديدة مسكوت عنها ولا نفتحها، فأحيانا يكون الاستفزاز بداية للحوار.
ماذا يفعل العالم الإسلامي اليوم؟ إنه ينقب عن أعدائه أكثر مما ينقب عن أصدقائه، يلوم الآخرين أكثر من أن يلوم نفسه. (الكتب المدرسية العربية تعظم الذات وتصور حضارتها على أنها أعظم حضارات الأرض وبلا أخطاء، وتصور الآخرين دائماً على أنهم مجرمون ومعتدون وغاصبون.)
هل تستفز بعض مقالاتي الآخر, لعلي أستعير من حامد عبد الصمد مقولته" إن الاستفزاز قد يكون بداية لفتح حوار, وهذا ما نسعى إليه دوماً!
سوزان ابراهيم
[email protected]
08-أيار-2021
17-آب-2011 | |
10-آب-2011 | |
03-آب-2011 | |
27-تموز-2011 | |
20-تموز-2011 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |