الجمهور والنوّاس واللبن الأسود
خاص ألف
2011-02-23
ما أشبه الجمهور بقريبتي تلك التي تهز رأسها بالموافقة أو بالنفي تبعاً لرغبة محدِّثها, ومن حكايات هذه القريبة مثلاً:
إن قال فلان إن بيت جارنا أبي علاّن مرتب وجميل, فسوف تسارع لتهز رأسها موافقة وتزيد: والله كلامك صحيح, فلو قالت فلانة زوجة فلان الجالسة معهما: أكيد بيتهم جميل والله يبارك لهم فيه, لكن أم علاّن لا تجيد ترتيبه أو تنظيفه.. وستكون المفاجأة بأن تسارع قريبتي للاصطفاف خلف رأي هذه الأم علان مؤيدة ومبالغة في التأكيد!!
لو قدِّر لأحدكم أن يجالسها ويحادثها لرأى أن رأسها يعمل عمل بندول الساعة أو النواس وهو يذهب إلى أقصى اليمين ليعاود ذهابه إلى أقصى اليسار, فهي لن تتوانى عن الموافقة أو الرفض وفقاً لنبرة صوت محدثها.
لم أستطع تفسير حالة قريبتي هذه إلا وفق قوانين علم النفس- التي أعلم منها بقدر علم قريبتي بالتنجيم والفلك- لكنني أظن أن الخوف وعدم الثقة بالنفس هما السبب الرئيسي لما هي عليه.
في أمسيات أدبية كثيرة حضرتها أو شاركت فيها أدهشني هذا الجمهور المتواجد على قلته بموقفه مما يلقى من شعر أو قصة, ففي الوقت الذي تلقي فيه شاعرة – ليست أنا على كل حال- قصيدة غاية في الرقة والإدهاش ومحملة بالدلالات أجد الجمهور حيادياً يصفق من باب آداب الجلوس في المحاضرات, بينما تحمّر أكف ذلك الجمهور تصفيقاً لقصيدة حماسية تتسول التصفيق بدسِّ أسماء وأمكنة يعرف الشاعر مسبقاً تأثيرها في الجمهور!!!
الجمهور الذي صفق طويلاً ودعا كثيراً بطول بقاء الحكام الظلّام, نراه فجأة يقف على الضفة الأخرى يسبّ ويشتم من رحل, ليبدأ حفل تصفيقٍ فخمٍ لقادم جديد.
الجمهور الذي يعاني الخوف نتيجة أزمان من الظلم وكبت الحريات, والذي رأى أن لبن الحاكم أسود لأن الحاكم أكدّ أنه أسود, ما زال يعمل كبندول الساعة وأخشى أن ذلك طبيعة فطرية في الجمهور- الذي جعلوه قطيعاً
أدونيس رفض صفة الجماهيرية عن الشعر الجيد والعالي, وقال: الجمهور إنما هو أسطورة, وقد أخذت هذه الكلمة اليوم وقعاً تجارياً بنحو أساسي, فالجمهور كمّ هائل من الأشخاص مختلف بعضه عن بعض, فإذا أعجب بك الجمهور فهذا يعني أنك تقدم الطابع العام في عملك, لا طابعك الفريد, لهذا السبب أنا لا أحب الجمهور!!
الجمهور يعني للشاعر أو الأديب أكفاً تصفق وتشجع وتجعل منه نجماً...
الجمهور بالنسبة لأعضاء مجلس الشعب, أو لأي صاحب منصب مشابه, يعني صوتاً على صاحبه أن يزج به في صناديق الاقتراع- هذا إن أحسنّا الظن بأمر الاقتراع- ...
الجمهور بالنسبة لأي حاكم عربي رقاب ممدودة فصّلت على مقاس مؤخرته ...
الجمهور ربما وبعد ما حدث في تونس ومصر وليبيا واليمن والجزائر والبحرين وغيرها
ربما يحاول تغيير قواعد اللعبة, ويتوقف عن لعب دور النواس الذاهب باتجاه القوة...
إلى أي حدّ يتطابق مصطلح الجمهور مع مصطلح الشعب؟
الجمهور وقريبتي ولبن الحاكم الأسود وبندول الساعة ... إلى متى؟!؟!
سوزان ابراهيم
[email protected]
خاص ألف
08-أيار-2021
17-آب-2011 | |
10-آب-2011 | |
03-آب-2011 | |
27-تموز-2011 | |
20-تموز-2011 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |