في مكتب مدير أكاديمية الشعر في أبو ظبي جمعتني الصدفة بعدد من الصحفيات العربيات. حين دخلت كان الحديث قد تجاوز منتصفه حسب ما فهمت, أما مركز الحوار فكان حول غياب المبدعات العربيات, وخاصة الشاعرات الشابات, وقد ذكر مدير الأكاديمية السيد سلطان العميمي أن عدد المتقدمين للمشاركة بمسابقة أمير الشعراء يتجاوز بأضعاف مضاعفة عدد المتقدمات من النساء, وقد تساءل عن السبب, ليتجاوز الأمر مسابقة الشعر إلى ضعف تواجد المرأة الكاتبة عموماً على الساحة الإعلامية.
حاولت كل من المتواجدات أن تقول رأياً, لكن السؤال ظلّ دون إجابة شافية مقنعة بالنسبة لي على الأقل.
إن شروط الوصول الإعلامي لأي أديب إلى بؤرة الضوء والاهتمام يقتضي – حسب الواقع وحقائقه – الانضمام إلى شلة تملك مفاتيح المنابر الإعلامية والثقافية والأدبية, ولها صداقات مهمة مع مسؤولي الثقافة والقيمين على أوامر المشاركات الداخلية والخارجية, وقرارات نشر النصوص الإبداعية في دوريات وزارة الثقافة وغيرها, وإلا فما من داعٍ للمحاولة, هذا بالنسبة لكاتب فما بالكم بالنسبة لكاتبة- ما الذي يمنع السيد علي القيم من نشر حوار أجراه الأديب عادل أبو شنب مع كاتبة هذه المقالة في مجلة المعرفة السورية؟! قبل ذلك أوقف نشر مادة نقدية تناولت مجموعة قصصية لي في دورية الوزارة نفسها (شرفات) لمدة طويلة ولولا صداقة تجمع كاتب النقد مع مسؤول فيها وحرصه على عدم إغضاب الصديق لما نشرت, وما ذلك إلا لأنها لي!! طبعاً في جعبتي أمثلة كثيرة- وأنا أذكر شيئاً من تجربة شخصية كدليل إثبات لا كشكوى أو تذمر-
على المرأة الكاتبة وكي تصل – واسمحوا لي أن أكون صريحة- أن تدفع ثمن ذلك مسبقاً أو بالتوازي مع الجهود المبذولة لرفعها إلى المراتب الأولى وتكريسها نجمة أدبية- وفهمكم كفاية-
غالباً من يقبلن بهذه الشروط هن ممن لا يملكن من الأدب شيئاً, وهن يدركن ذلك في أعماقهن, إذاً لابأس من توظيف بعض ما يملكن من مواهب أخرى واستثمارها بمردود جيد على الطرفين.
بعض من رفضن مثل تلك العروض, صرّحن بحكايات عديدة عمن عرض عليهن تلميعهن ووصولهن إلى المنابر المهمة خارج سوريا, بمقابل إقامة علاقة حميمة ليس الحب أحد شروط العقد الشفهي بين الطرفين على كل حال!!
من الأسباب الأخرى ما يتعلق بالمرأة ذاتها, وليس بوسائل الوصول التي يسيطر عليها الرجال- وسائل الإعلام والنقد والمنابر وغير ذلك- بعضهن لا يجدن التعامل مع مفهوم الحرية ولا يملكن الوعي اللازم ليكن كاتبات حقيقيات, هن غالباً لا رسالة يملكنها ليسوقنها عبر الكتابة, ليس من همّ يبحثن في جنباته, لأن الكتابة بالنسبة لهن مجرد ترف أو هواية مفيدة لملأ الفراغ المتأتي عن غياب الحب أو الرجل الحقيقي في حياتهنوربما لتنفيس الغضب أو التذمر من وضع عاطفي أو اجتماعي.....
غياب الهدف الكبير عن وعي معظم الكاتبات, والهم الكبير, وانشغالهن بتسويق جمالهن أو أسمائهن لمجرد التلميع, هو بحد ذاته عائق حقيقي أمام وصول أديبات حقيقيات يفضلن عدم الانصياع لشروط السوق الأدبي والثقافي. عائق آخر هو قناعة المرأة بجدوى الكتابة كمشروع حياة, أو مشروع إحداث تغيير أو خلق فرق واضح في الواقع, فما زال عدد الأديبات المشغولات بهم وجودي أو قلق حياتي قليل جداً.
لن أنسى الإشارة إلى كاتبات برّاقات حظين بمكانة هامة داخل سوريا وخارجها بسبب نوعية المواضيع التي يكتبنها ومن أهمها بالطبع كل ما يتناول تابوهاتنا الشرقية المقدسة!
أعتقد أن الحراك النسائي عبر عقود من الزمن أنتج نماذج نسائية طارئة وغير مؤسِسة لنهضة نسائية حقيقية ضد كل أشكال التمييز والقمع, إنها كما يبدو لي نماذج شمعية نضعها في متحف الشمع, لنقول إن لدينا حركة نسائية واعية, ولكن لنرى إلى واقع حال المجتمع اليوم, ما نسبة النساء في أي مؤسسة أو إدارة أو وزارة أو .... لولا سياسة الدولة بمراعاة ( غوتا ) نسائية ما - لتسويق نفسها كدولة حديثة مدنية تراعي حقوق الإنسان والمرأة خاصة- لما وجدنا في صفوف المراكز الأولى أو المواقع القيادية في المجتمع أي امرأة!
الكاتبة في نهاية المطاف امرأة في هذا المجتمع, وهي نفسها لم تتحرر بعد من كثير من الخوف والقيود المادية والروحية, لذا لا أعتقد أن الأدب سيقدم لنا نماذج نسائية مغايرة للواقع إلا فيما ندر وبما لا يشكل أساساً لتحول هام.
ما زالت المرأة في الأدب- والنسائي منه أيضاً- تُحشر في صور كلاسيكية – ضعيفة مرتبكة تحتاج الحماية, خائفة من كل ما هو خارج كيانها, وتندرج أشكالها الوظيفية بين قمتين متناقضتين: الأمومة والعهر, المرأة في معظم أدبنا هي الزوجة والأم والأخت والعشيقة, لكنها نادراً جداً ما تكون لاعباً أساسياً في حياة المجتمع: كأن تكون قائدة حزب, أو مديرة مؤسسة, أو نموذج ناجح مستقر .....
ولأننا لم نتغير – لا نساء ولا رجالاً – ستبقى المرأة مقموعة أو محبوسة في صورتها التقليدية وهو أقسى أنواع القمع. ولكي نتغير يلزمنا الكثير من الانقلابات الجذرية في كافة مستويات حياتنا وهو ما لا يريده ولا يفكر فيه من عليهم القيام بخطوات التغيير الفعلي.
سوزان ابراهيم
[email protected]
خاص ألف