الحذاء الصيني
خاص ألف
2011-03-16
لابد أن كثيرين منكم قرؤوا رواية ( الأرض الطيبة ) للكاتبة الأمريكية- التي عاشت زمناً في الصين في طفولتها المبكرة- بيرل باك, ولمن لم يقرأها فأنا أنصح بذلك.
تتناول (باك) في روايتها حياة أسرة صينية فقيرة قبل الثورة الشيوعية عام 1931 أما أكثر ما أتذكره فيها فهو ذلك الوصف لتكبيل أقدام النساء والفتيات الصينيات في أحذية قماشية, وحشرها فيها بشكل مؤلم كي يحافظن على أقدام صغيرة, وكنت مقتنعة بذلك لسنوات طويلة, لكن تقريراً عن تطور المرأة الصينية جعلني أعيد النظر وأدرك أن ذلك التكبيل كان لمنع المرأة من الابتعاد عن المنزل حيث عليها البقاء فيه وتبجيل الرجل مهما كان سيئاً!
اليوم يبدو أن للحذاء الصيني بمعناه الأوسع فوائد جمة اطّلع على أسرارها حكام العرب, وهكذا انتقلت المراقبة من الحفاظ على حجم الأقدام الصغير – لأن الجلادين يعملون على تكبيرها وتضخيمها وبما يعيق السير- إلى الكلام والتفكير والمواقف, وبات علينا جميعاً أن نحشر كلامنا وآراءنا وطموحاتنا وأفكارنا وحقوقنا في أحذية صينية يوفرها الحكام مجاناً أو بأسعار زهيدة.
لو قدِّرَ لعدسةٍ كبيرة تطلُّ علينا من الأعلى, وتمتلك القدرة على التقاط الحالة, لحصلنا على صورة مدهشة: نحن جميعاً نعيش في حذاء صيني ضخم!!!
حين فرض الصينيون على النساء ذلك الحذاء ادّعوا أنه للحفاظ على جمالية أقدامهن بحيث تبقى صغيرة- ووفق ما يعجب الرجل- لكن حقيقة الأمر بدأت بالظهور لتؤكد أن ذلك الحذاء يُحدِث من الألم الشيء الكثير ما يمنع المرأة من تجاوز عتبة بيتها, فخارج تلك العتبات قد تدرك حقيقة سجنها وحقيقة كيانها, وقد تدرك أيضاً حقوقها!!
الشعوب العربية عاشت طويلاً في الحذاء الصيني, الذي أوحى الحكام بفضائله الجمة عليهم من استقرار وأمان... وتربص الأعداء و.. و .... و ....
أعتقد أن خروج بعض الشباب من الحذاء وإدراكهم مدى الكذبة الكبيرة التي خلقها الحكّام, كانت الشرارة الحقيقية في اندلاع خروج جماعي ومصمِمٍ من ذلك الحذاء!
الأسوأ أن الحذاء الصيني, وبعد كل هذا الزمن من تكريسه في أقدامنا وعقولنا وهممنا وطموحاتنا, صار جزء لا يتجزأ من شخصياتنا, وصارت عقدة النجار فينا لا بالحذاء ومروّجيه! وهكذا نحن نفكر ونحلم ونعيش ضمن المساحة المخصصة لنا منذ عشرات السنين, ولا نجرؤ على مدّ قامة الحلم ولا الكلام متراً واحداً لأن حكّام الأحذية الصينية لقّنوننا أن في ذلك مساس بأمن الوطن, وأن تلك المساحة خارج الأحذية هي ملك حصري للوطن!
هذا بالتأكيد سوف يضعنا مباشرة أمام البحث مجدداً عن معنى الوطن, والشعب, والحاكم, والحرية, والديمقراطية.......
من الواضح أن ذوق الحكّام العرب يشجِّع موضة الأحذية الصينية ليبقى كل شيء فينا صغيراً مراهقاً ولا يبلغ سن الرشد أبداً.
سوزان ابراهيم
[email protected]
08-أيار-2021
17-آب-2011 | |
10-آب-2011 | |
03-آب-2011 | |
27-تموز-2011 | |
20-تموز-2011 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |