حديث المدينة بقلم : أميتاف غوش ترجمة :
خاص ألف
2011-05-16
في عام 1999 ، و مباشرة في أعقاب الانتقال إلى فورت غرين في بروكلين ، عقدت أنا و زوجتي رابطة صداقة مع فرانك و نيكول دي مارتيني ، و هما مهندسان معماريان. و باعتبار أن فرانك هو مدير بناء في مركز التجارة العالمي ، فقد كان يداوم في مكتب في الطابق الثامن و الثمانين من البرج الشمالي.
و كانت نيكول مستثمرة لشركة هندسية شاركت في بناء مركز التجارة العالمي ، و هي شركة ليسلي ي. روبرتسون. و قد استخدمت كـ " مهندسة مراقبة " و كانت من بين أعضاء الفريق الذي قام بأعمال ملاحظة السلامة المعمارية على مدار العام لكلا البرجين التوأم. و كانت مكاتبها في الطابق الخامس و الثلاثين من البرج الجنوبي.
كان فرانك في التاسعة و الأربعين ، قوي البنية ، و بشعر متموج له لون الملح و التوابل ، و يحمل في وجهه حول العينين خطوطا تشبه الأثر الناجم عن الإغراق في الضحك. و كان سلوكه شديد التعالي. كان البرجان التوأم يمنحانه بهجة و غبطة وجدانية : كان يتحدث عنهما بانبهار عميق مثلما يتحدث الشعراء أحيانا عن أعمال دانتي. أما نيكول فهي في الثانية و الأربعين ، شقراء و بعين زرقاوين ، و لها نظرات متأملة و هي خشنة و ودودة في نفس الوقت. لقد ولدت في بازل بسويسرا ، و قابلت فرانك حينما كانت تدرس فن التصميم في نيو يورك. و كان لهما ولدان - سابرينا ، بعمر عشرة سنوات ، و دومينيك بعمر ثمانية. و نحن لم نلتق إلا من خلال أولادنا. و بعد فترة وجيزة من انفجار قنبلة في الطابق الأرضي عام 1993 ، استدعي فرانك للقيام بتقدير أثر الخراب الناجم عن الانفجار في مركز التجارة العالمي. و اعتقد أن هذه المهمة ستنتهي في غضون شهور سريعة ، و لكنها تحولت إلى عاطفة غامرة. قالت لي نيكول : " لقد وقع في حب المبنى ، فهو بالنسبة له يعكس علاقة بشرية مذهلة. لقد تأثر بالوضع و الحالة ، بالتصميم ، و بكفاءة استخدام المواد. و كان يقول عن البرجين و يردد ذلك مرات كثيرة إنهما أقيما ليتركا أثرا يشبه طائرة خفيفة الوزن".
في صباح الثلاثاء ، قاد فرانك و نيكول ابنيهما إلى المدرسة في بروكلين هايتس ، ثم تابعا باتجاه مركز التجارة العالمي. كان الزحام خفيفا ، لذلك وصلا باكرا بشكل غير متوقع ، و هكذا قررت نيكول أن تصعد إلى مكتب فرانك للحصول على كوب من القهوة. كان الوقت في حوالي الثامنة و الربع تقريبا عندما شرعا بصعود السلالم. و بعد نصف ساعة ، نهضت استعدادا للانصراف. و حينما اقتربت من باب الخروج اهتزت الأرض و الجدران ، فجأة ، بسبب الصدمة و أثرها الشديد. و من خلال النافذة ، شاهدت موجة من ألسنة اللهب تندلع عاليا إلى ما فوق مستوى رأسها ، و كأنه تيار ماء يأتي من بوابات أحد السدود. كان الانفجار بشكل واضح يركز على الطابق التالي مباشرة ، فافترضت أنها قنبلة. و لذلك لا هي و لا فرانك تصرفا بغباء غير مدروس :
عدد قليل من الأفراد يعلمون ، أكثر مني ، عن قوة المبنى و مرونته. و قد افترضوا أن الأسوأ قد مر و أن البنية و التركيب امتصا الأثر. و لكن بالتأكيد ، في غضون ثوان بعد الضربة المبدئية ، هبط شعور قوي من الهدوء على هذا الطابق. قاد فرانك نيكول و مجموعة تتألف من دستتين من الأشخاص الآخرين إلى غرفة كانت نسبيا تخلو من الدخان.
ثم إنه انطلق ليبحث عن طريق للنجاة و عن السلالم. و بعد دقائق قليلة ، عاد أدراجه ليعلن أنه وجد بعض السلالم الصامدة. و كان بمقدورهما أن يصلا إلى هناك بيسر ، بعد التسلق فوق ركام من الأحجار.
كانت الحجارة التي سدت الطريق الذي يقود إلى منفذ النجاة بمستوى الركبتين. و ما أن عزمت نيكول على الصعود فوقها ، حتى لاحظت أن فرانك يتردد قليلا. توسلت إليه أن يرافقها. و لكنه رفض بهزة من رأسه و أخبرها أن تنصرف وحدها. فهناك آخرون في نفس الطابق و قد تضرروا من الانفجار ، و أضاف يقول : سوف يتبعها ما أن ينتهي من مد يد العون للجرحى.
لا شك أن فرانك عاد إلى مكتبه بعد وقت قصير ، لأنه أجرى مكالمة من هناك في حوالي التاسعة. اتصل بأخته نينا ، التي تسكن في الشارع الثالث و التسعين بمانهاتن ، و قال لها : " أنا و نيكول بحالة جيدة فلا تشعري بالقلق ".
تتذكر نيكول طريقة الهبوط على السلالم بأنها هادئة و منتظمة. كان الناجون يهبطون واحدا بإثر آخر ، و يغادرون الغرفة ليدخل رجال الإطفاء الذين أسرعوا بالاتجاه المعاكس. و على عدة طوابق ، كانت تشاهد أشخاصا يوجهون خطوات الناجين ، و في أسفل طابق من المبنى كانت توجد كهرباء. استغرق الهبوط حوالي نصف ساعة ، و بالوصول إلى الباحة ، شرعت نيكول تسير باتجاه جسر بروكلين. كانت على مسافة مائة قدم من الجسر حينما تعرض أول برج للانهيار. قالت : " كان أشبه ببداية شتاء نووي. فجأة ، هيمن الصمت المطبق على كل شيء و غلفنا ضباب مشرق يعمي الأبصار و كأنه عاصفة في يوم ساطع".
و عندما وصلت نيكول إلى فورت غرين كان المساء في مطلعه. تلقت اتصالات من عدة أشخاص شاهدوا فرانك و هم في الطريق نحو منفذ للنجاة ، و لكن لم تسمع منه شيئا بشكل مباشر. انتظر الولدان برفقتنا في تلك الليلة بينما جلست نيكول ، مع نينا أخت فرانك ، قرب الهاتف بانتظاره.
و في الصباح اللاحق ، قررت نيكول أنه يجب إبلاغ ولديها بتعذر الاتصال مع الأب. كانت كلاهما هي و نينا تتحليان بالهدوء عندما وصلتا إلى الباب الخارجي ، مع أنه لم تغفل لهما عين طوال الليل كان صوت نيكول جريئا و لكنه لا يرتعش و هي تخبر الولدين بما جرى في اليوم السابق.
استمع الولدان بعيون متسعة و مفتوحة ، و سريعا عادا لمواصلة اللعب. و بعد قليل ، جاء ابني و همس لي يقول : " خمني ماذا يفعل دومينيك ؟".
قلت و أنا أضغط على نفسي : " ماذا ؟".
" إنه يتعلم كيف يشحذ أذنيه".
و أدركت أنه هكذا يستجيب الأولاد ، أي ولد ، لمشكلة من هذا النوع و في هذه الظروف : يحولون انتباههم لمكان آخر قبل أن تبدأ الأخبار بربح الجولة.
و في حوالي الظهيرة ، رافقنا الأولاد إلى الحديقة العامة. كان اليوم مشمسا و مشرقا ، و سرعان ما استغرقوا في امتطاء و قيادة الدراجات الهوائية. أما أنا و زوجتي ديبورة فقد جلسنا على مقعد في الظل لنتكلم مع نيكول ، قالت نيكول لنا : " كان من السهل على فرانك أن يفر في الوقت المناسب بعد الانفجار و حتى سقوط المبنى ".
ثم أضافت : " الشيء الوحيد الذي أتمكن من الإفصاح عنه ، أنه انتظر هناك ليساعد في عمليات الإخلاء. فلا أحد يعرف تفاصيل المبنى مثله ، و ربما فكر أنه عليه أن يفعل ذلك".
توقفت نيكول قليلا عن الكلام ثم قالت أيضا : " حينما شاهدني أغادر خطر له على ما أعتقد أن يبقى. كان يعلم أنني سأكون في مأمن و هناك من سيهتم بالأطفال. و لذلك عاد ليقدم المعونة للآخرين. لقد أحب البرجين و لديه إيمان عميق بهما. مهما حصل فأنا أعلم أن ما جرى كان باختياره و بملء إرادته".
أميتاف غوش : كاتب هندي يكتب باللغة الإنكليزية. من أهم أعماله ( خيال الخطوط – 1988 ) و هي تتابع أثر و تاريخ عائلتين الأولى من الهند و الثانية من بريطانيا ، و تتطرق إلى طبيعة العنف الذي ترافق مع انفصال بلاد البنغال ، و تسبب بنشوء باكستان في الشرق في عام 1974 ثم بنغلاديش في عام 1971 .
الترجمة عن النيو يوركير - أعداد 2001
Open
2013-09-25
Ineclligente and simplicity - easy to understand how you think. http://svwzff.com [url=http://sdtwidp.com]sdtwidp[/url] [link=http://ndnejvdhi.com]ndnejvdhi[/link]
08-أيار-2021
مقتطفات من : كافكا في المحاكمة الأخرى بقلم : إلياس كانيتي ترجمة : |
17-نيسان-2021 |
03-تشرين الأول-2020 | |
12-أيلول-2020 | |
22-آب-2020 | |
20-حزيران-2020 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |