بعد النبي بقلم : ليسلي هازيلتون / ترجمة :
خاص ألف
2011-06-28
لو أنك تؤمن بالقدر ، ربما تعتقد أن القدر كتب لعلي أن لا يكون خليفة أبدا ، و في النهاية حينما تبوأ المنصب و قبل بالخلافة بعد خمسة و عشرين عاما من وفاة محمد ، كان يتحدى القدر و من هنا توجب على التراجيديا أن تبدأ. لم يتم تجاهله و تخطيه مرة واحدة و لا مرتين ، و لكن ثلاث مرات في الخمسة و العشرين عاما المنصرمة ، و طوال ذلك الوقت ، كان يقول ، إنه عاش " و التراب في عيني و الشوك في فمي ". التراب ( الغبار ) و الشوك صورة حية تعبر عن الحياة في المنفى – ليس المنفى المادي و لكن الوجودي ، الابتعاد عن حاسة الهدف و الذات. بالنسبة لعلي ، كانت الصورة ساخرة على نحو فظيع. إن أسد الله هو واحد من عدة ألقاب أسبغها الرسول عليه ، و لكن اللقب الذي سوف يهيمن عليه الآن هو أبو تراب ، والد الغبار ، و هو لقب عديم الشأن بالنسبة للأذن الغربية ، و لكن ليس للأذن العربية. ربما عزا أحدهم ذلك الاسم إلى التراب الذي يثور من سنابك خيل علي و هو يكر على الأعداء في المعركة. آخرون يعتقدون أنه جاء من زمن محمد الذي رأى ابن عمه الشاب خاشعا في صلواته التأملية على الرغم من هبوب عاصفة رملية ، و ثوبه الأبيض مجلل بما يهبط عليه من غبار. و مع ذلك يعتقد آخرون أنه جاء من الأيام الباكرة لفترة المدينة ، حينما كان علي مشغولا بالعمل اليدوي ، يحمل الأحجار و الماء و الرمل ، و هذه صورة توجب أن تبوئه عرش الزعامة بين الطبقات الكادحة ، كجسر يصل بين المسلمين الأوائل و أنصار الإسلام الوافدين إلى الدين الجديد. كل تلك الاحتمالات ممكنة ، و بشكل عام ، إن التراب علامة مشرفة.
و حتى الآن الأمر كذلك. لا يزال المؤمنون الشيعة يجمعون التراب من الأرض الرملية في النجف ، المدينة التي تحيط بضريح علي بقبته الذهبية و هي على بعد مائة ميل جنوب بغداد ، ثم يضغطونها بشكل ألواح صغيرة من الغضار و يضعونها أمامهم أثناء أداء فريضة الصلاة و هكذا أينما تهيأ الشيعي للصلاة ، تكون الأرض التي يلمسها بجبهته هي تربة مقدسة. و هي نفسها التربة التي يطلبها كل شيعة الشرق الأوسط من أجل الدفن ، كما كانوا يفعلون لمئات السنين. و الجثامين المكفنة كانت ذات مرة تنقل بشكل سجادة أو بساط ملفوف على ظهر البغال أو الجمال. و لكن حاليا تنقل بواسطة السيارة أو الشاحنة. و هي تحمل لتدور حول ضريح علي في النجف أو ضريح ابنه حسين في كربلاء ، ثم تنقل إلى إحدى مقبرتين توأم تعرفان باسم وادي السلام ، من أجل أن تنهض من رقدتها مع علي و الحسين في يوم الحساب ، حينما يعود المهدي المنحدر من صلبهما ليقود المسيرة الجديدة باتجاه الحقيقة و العدالة.
و لكن طريق الحقيقة و العدل تبدو شديدة البعد لعلي في تلك الأيام التي أعقبت وفاة محمد. كتب أحد أنصاره من المدينة : " الرحمة لصحابة الرسول و لأقربائه ". غير أن الأرض ضاقت بما رحبت على أصحابه و قد اسودت وجوهم و أصبحت أشبه بالكحل.
يقول شاعر من بني هاشم بشكل أبلغ : " لقد ولد منا النبي و هو بيننا الآن في ضريحه. في ذلك اليوم حين يغلقون ضريحه و يلقون عاليه التراب ، نتمنى لو يمسح الله كل أثر منا ، و أن لا يبقى بعده لا رجل و لا امرأة. لقد لحق بنا العار من جراء ذلك. لقد لحقت بنا الهزيمة بأبشع السبل". لقد حرموا من الميراث ، و أمسكوا عنهم ما يعتقدون أنه الحق الطبيعي ، و هو زعامة و قيادة الإسلام. و إن هذا الإحساس بالحرمان سوف يتعمق في قلوب و أذهان الشيعة ، و سيترك جرحا سيستمر طوال القرن العشرين.
و هو الجرح الذي سوف يغذي المعارضة ضد الاستعمار الغربي و سيتفجر أولا مع الثورة الإيرانية ، ثم مع الحرب الأهلية في لبنان ، و بعد ذلك ، عند بداية القرن الواحد و العشرين ، سيتسبب بحرب العراق. إن الحرمان من الميراث هو صيحة النفير ، و الذي سوف يدفع إلى الأمام النص الكلاسيكي المعروف باسم " بؤساء الأرض " لفرانتس فانون ، و هو نص مضاد للاستعمار ، حتى يتحول إلى سلعة شديدة الرواج في إيران و بعنوان متبدل ، مصمم خصيصا ليخاطب التجربة الشيعية ، و هو " المحرومون من ميراثهم بالأرض ". و إن الوقت قد حان ، كما حان بالنسبة لعلي في النهاية ، كي يطالب الشيعة بميراثهم ، بأي شكل حربي و عسكري يمكن أن تتخيله. و لكن أولا ، أمامهم التراب و الشوك.
و قد أحسوا بالشوك مباشرة. بينما اصطف الآخرون لبيعة علنية لصالح أبي بكر ليصبح خليفة ، كان الشخص الذي تم تخطيه مع عائلته يرقد في البيت. كان بحالة عزاء ، كما أعلن ، و هذا هو الصواب ، و لكن رفضه للخروج و البيعة لأبي بكر عبارة عن إشارة تدل على التحدي ، و هي مجرد سجال معارض بشكل جوهري. و لو خرج علي ، فإن أنصار المدينة قد ينكصون عن بيعتهم و يتبعونه ، و ينقلبون على نتيجة الشورى. كان يتوجب على علي أن يأخذ نهجا، و بسرعة ، و لذلك أرسل أبو بكر عمر ليحل المشكلة.
و لكن بهذه الطريقة لم يفعل شيئا غير التسبب بمزيد من التدهور لواقع الحال. إن اختيار رجل عسكري شديد البأس مثل عمر من أجل تأدية واجب دبلوماسي بجوهره كان ، على الأقل ، من علامات سوء الحظ. إن مهارات عمر و جسارته كقائد عسكري لا تطالها الشكوك ، و لكن كذلك الأمر من حيث سمعته كرجل متسرع في الاحتكام لسوطه ، إنه " شديد و حاد " و هذا يربك النشاط اللغوي المنمق. إنه ليس رجلا ناعما ، و قد أثبت ذلك بالبرهان القاطع في تلك الليلة. فقد جمع عصبة من الرجال المسلحين ، و قادهم إلى بيت علي ، و وزعهم حوله ، ثم زرع نفسه بجرمه الكبير أمام باب البيت مباشرة. صاح بصوت مرتفع : يجب على علي أن يخرج حالا و يبايع أبا بكر. و إن لم يفعل ، سوف يحرق البيت هو و رجاله. قال علي فيما بعد : " لو توفر لي أربعون رجلا فقط ، كنت أزمع على المقاومة بقوة السلاح". و لكن في تلك الليلة لم يكن برفقته غير الأعضاء الأصلاء من أفراد عائلته : و هم أهل البيت ، سكان المنزل. و هكذا اختار علي الممانعة و ليس المقاومة ، و رفض الانصياع.
و بعد قليل من التهديد بقتل أفراد عائلة أقرب أصحاب محمد ، تبقى لدى عمر ، كما ظهر له ، اختيار واحد فقط. إن لم يخرج له علي ، يجب عليه أن يقتحم البيت عنوة. فجمع قواه و قفز ثم ألقى بكل ثقله على الباب ، و عندما تحطمت المصاريع و الأقفال انفتح الباب على مصراعيه ، و دخل بطوله البالغ ستة أقدام ، و لم يتمكن من الإحجام و التوقف حينما ارتطم بأول شخص تصادف وجوده أمامه في تلك اللحظة على الطرف الآخر من الباب. ذلك الشخص كان فاطمة ، و هي حامل بعدة شهور بالحفيد الثالث للنبي.
بعضهم يقول إنها تعرضت لرضوض خطيرة. و آخرون يدعون أن ذراعها انكسرت لدى سقوطها على الأرض. و لكنهم جميعا يتفقون أن عمر بوغت بمشهد ابنة النبي الحامل و البدينة و هي مكومة على نفسها و تئن من الألم عند موطء قدميه. و عندما انحنى علي فوق زوجته الجريحة ، تراجع عمر دون أن ينبس بكلمة. و هكذا أعلن عن موقفه. و بعد عدة أسابيع ، ولدت فاطمة الضعيفة و الرقيقة صبيا مجهضا. و لا يعلم أحد هل الإجهاض بنتيجة سقوطها صريعة على الأرض أمام عمر أم لأنها منهكة القوة و هذا ما سيجري لها على أية حال. مهما كان الأمر ، كان من المتوقع أن يصدر عن أبي بكر قليل من الترضية ، أو أقله من عمر ، و لكن لم يحصل ذلك. في الواقع ، ما تيسر هو أقل من لا شيء.
............................
في الخيال الشيعي ، تعيش فاطمة في عالم له بعد آخر حيث تشاهد أبناءها يتألمون و تبكي عليهم. إنها الأم المقدسة ، و سيضحي ابنها الأصغر بنفسه ليشفي و يخلص الإنسانية من آلامها مثلما صنع ابن تلك المرأة العظيمة ، مريم. مثلها ، يطلق على فاطمة غالبا لقب العذراء للدلالة على نقائها الروحي. و مثلها ، سوف تثكل نسلها حتى يوم الدينونة ، حينها - كما تقول الأسطورة - سوف تعود للظهور ، و هي تحمل قلب حسن المسموم بيد و رأس حسين المقطوع باليد الأخرى.
ليسلي هازيلتون : من مواليد بريطانيا. متخصصة بعلوم الأديان و علم النفس . تعمل بالصحافة و تكتب غالبا عن الشرق الأوسط. من بين مؤلفاتها الأخرى ( القدس ، القدس : مذكرات عن الحرب و السلام ) و سوى ذلك......
المصدر :
After the prophet by Lesley Hazelton. Chapter 6 . Doubleday. epub. 2009.
الترجمة 2011
08-أيار-2021
مقتطفات من : كافكا في المحاكمة الأخرى بقلم : إلياس كانيتي ترجمة : |
17-نيسان-2021 |
03-تشرين الأول-2020 | |
12-أيلول-2020 | |
22-آب-2020 | |
20-حزيران-2020 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |